استفحال أزمة الأوراق النقدية في اليمن: فئات مرفوضة
يمن مونيتور/العربي الجديد
في الوقت الذي تكاد تنعدم فيه الأوراق النقدية الصغيرة والمتوسطة في التداول والتعاملات المالية والخدمية في صنعاء، أثارت شركات ومحال الصرافة في عدن خلال الفترة الماضية الجدل برفضها قبول بعض الفئات النقدية بشكل مفاجئ ودون أي توضيحات تفسر قرارها.
واستدعى رفض الصرافين في عدن لفئة 200 ريال خصوصاً، تدخل البنك المركزي اليمني الذي أصدر بياناً اعتبر فيه أن كل الأوراق النقدية من العملة الوطنية بجميع فئاتها المصدرة والمتداولة استناداً إلى قانون البنك المركزي رقم (14) لسنة 2000، عملة قانونية ملزمة حسب قيمتها كوسيلة للدفع.
واعتمدت الحكومة اليمنية التي صرفت رواتب الموظفين المدنيين في مناطق إدارتها قبل حلول عيد الفطر على العملة من الفئة النقدية 200 ريال، وهو ما أدى إلى تذمر الصرافين وإقدام بعضهم على عدم قبولها في التحويلات المالية للمرتبات بين المناطق والمحافظات، فيما حذر المركزي اليمني أي جهة ترفض قبول التعامل بأي طبعة أو فئة نقدية منها، أنها ستكون تحت طائلة المسائلة القانونية.
وفي المقابل، يستمر التداول النقدي المختلف الذي برز خلال السنوات الأربع الماضية بالانتشار في صنعاء ومناطق نفوذ الحوثيين الذين يفرضون تداول الأوراق النقدية القديمة بالذات التالفة منها من الفئات 50 ــ 250 ريالاً، إضافة إلى الفئة النقدية من فئة 500 ريال التي بدأ يلاحَظ تهالكها وتناقصها من الأسواق.
واعتبر مصدر مصرفي مسؤول، فضل عدم ذكر هويته، لـ”العربي الجديد”، أن التشوهات النقدية في الأسواق وأسعار الصرف هي المشكلة الأبرز في اليمن على المستوى النقدي والمصرفي، والتي تتمحور حولها خطط الإصلاحات في هذا الجانب، مرجعاً سببها إلى المضاربة، واستنزاف الاحتياطي من العملات الصعبة.
وقال إن هناك استقراراً نقدياً في الأوراق المالية من الفئات 100 ريال و200 و250 ريالاً، وخصوصاً في مناطق الحكومة اليمنية، بينما لا يزال الحوثيون يرفضونها في سياق ما وصفها بحربهم على الاقتصاد اليمني والعملة الوطنية التي يتهمهم بالتسبب بالإضرار بها وتجزئتها.
ويشير مصرفيون وخبراء اقتصاد إلى ظاهرة دولرة الاقتصاد اليمني وسعودته كسبب آخر في التشوهات النقدية المستفحلة في اليمن، إضافة إلى الاضطرابات السياسية والأمنية وبروز الاقتصاد الخفي وتنازع صلاحيات الدولة وفقدان الدورة المالية.
يشدد الخبير الاقتصادي والمالي أحمد شماخ، في حديثه لـ”العربي الجديد”، على ضرورة استيعاب المشكلة الرئيسية في كل هذه الأزمات المتفاقمة في التداول المالي والنقدي، في ظل فقدان سيطرة الدولة ومؤسساتها على آلية السوق، وهو ما أدى إلى تلاشي الاقتصاد الرسمي، وتداول الأموال خارج إطار الدورة المصرفية والبنوك بنسبة تكاد تصل إلى 100%.
ويطمح البنك المركزي اليمني إلى تعاون البنك الفيدرالي الأميركي لتعزيز وتطوير قدرات النظام المصرفي اليمني بما يسهم في تسهيل الخدمات المالية المقدمة للبنوك العاملة في البلاد.
من جانبه، يقول الباحث في معهد الدراسات المصرفية، فهد درهم، لـ”العربي الجديد”، إن اليمن يعاني من تبعات تمدد وتوسع مشكلة الاعتماد على العملات الأجنبية في كثير من التعاملات وعمليات البيع والشراء، كما هو حاصل بدرجة رئيسية في قطاع العقارات والأراضي.
وأدى الصراع في اليمن وتدهور العملة المحلية إلى بروز واستفحال أزمة نقدية واسعة وشح كبير في السيولة، في ظل انقسام مالي وطبعتين من الأوراق النقدية، ما بين كتلة جديدة طبعتها الحكومة المعترف بها دولياً، وأوراق قديمة مكدسة وتالفة في مناطق سيطرة الحوثيين.
يرى الخبير المصرفي نشوان سلام، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن الأزمة النقدية المستفحلة وتفاقمها من فترة لأخرى أمر متوقع، ولا أحد يستطيع تحديد المستوى الذي ستصل إليه هذه الأزمة، فالأوراق التالفة التي يجري تداولها منذ سنوات في صنعاء وجزء من المناطق شماليّ اليمن واستخدامها في معظم التعاملات في الأسواق والمجتمع، تناقصت وتلفت وتلاشت تدريجياً من عملية التداول النقدي والمالي اليومي.
ويرى مصرفيون أهمية الاتجاه للريال الإلكتروني كضرورة اقتصادية ملحة لحل مشكلة السيولة في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها اليمن، إضافة إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا النوع من التداول في حل جزء من مشكلة الانقسام المالي والنقدي في البلاد.
ويستخدم ربع سكان اليمن خدمة الإنترنت، لكن ذلك لا ينعكس على المعاملات المالية الإلكترونية بالنظر إلى انخفاض نسبة استخدام الهواتف والوسائل التقنية والتكنولوجية في المعاملات المالية التي لا تزيد على 4% من اليمنيين.
ويعتقد سلام أن السلطات المعنية في صنعاء عجزت عن تنفيذ الخطة التي استغرقت وقتاً طويلاً في دراستها لمواجهة هذه الأزمة في الأوراق النقدية، المتمثلة بالتعاملات النقدية الإلكترونية، بالرغم من بعض التجارب التي قامت بها.
وتزايدت الضغوط التي يتعرض لها اليمن خلال الفترة الماضية التي تدفع البلاد للتحول والتحرك نحو نظام مالي رقمي لدفع الرواتب وتقديم خدمات الحكومة الإلكترونية، في ظل ما يوفره استخدام النقود الرقمية، من خيارات لدفع الرواتب والضرائب والرسوم مباشرة بين الأطراف المعنية، ومن ثم الاستغناء عن الوسطاء، ورفع الكفاءة ومنع التزوير والفساد.
ويعتبر النقد “الكاش” الأصل في المعاملات المالية السائدة في اليمن، فيما لا يشارك معظم سكان البلاد مطلقاً في القطاع المالي المنظم حيث تشير البيانات المصرفية إلى أن 6% فقط من اليمنيين يمتلكون حسابات بنكية.