بعد نزوحه من السودان… يمني يطارد أحلامه وتطارده الحروب
يمن مونيتور/اندبندنت عربية
“من اليمن إلى روسيا ثم إلى السودان حيث بدأ شركته الخاصة التي تلاشت مع أمواج البحر الأحمر حين ركب سفينة إجلاء عبرت به نحو مرافئ السعودية”، ربما تكون هذه خريطة ممتدة دارت في أراضيها قصة شاب يمني حلم ذات يوم أن يكون رائد أعمال. وبالفعل تمكن من تأسيس شركته في عالم المال والأعمال بالخرطوم قبل أن تطلق أول رصاصة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لتصيب أحلامه في مقتل، فيما سعى إلى إنقاذ حياته ليفر من البلاد تاركاً وراءه مؤسسة طموحة وأموالاً ناشئة زادت على 30 ألف دولار أميركي.
صوت الرصاص
الشاب الذي يطارد حلمه وتطارده الحروب عبر بين الجثث الملقاة على الأرض والمباني المتهدمة في أرجاء “حي الصحافة” بالعاصمة الخرطوم حين احتدم الصراع بين “البرهان وحميدتي” وجنودهما واصفاً المشهد الأخير بقوله “تشعر وكأنك في أحد أفلام الأكشن الأميركية أو كأنك تمارس لعبة بوب جي”. وهو الأمر ذاته الذي تعانيه بلاده من نزاع دام منذ ثمانية أعوام بعد استيلاء ميليشيات الحوثي على مقر الحكومة بصنعاء في سبتمبر (أيلول) 2018.
يقول عادل عزي، البالغ من العمر 25 سنة، إنه اعتاد أصوات الرصاص، لكن ما حدث في ليلة الـ15 من أبريل (نيسان) كان حدثاً فارقاً لم يشاهده من قبل في المدينة التي يسكنها منذ خمسة أعوام. يضيف “ما حدث أمر مذهل. الصراع سيطول ولن ينتهي بسرعة”. وهو ما يعتقده خبراء أيضاً بأن الحرب قد تطول مع عدم قدرة أي من الطرفين على الحسم ميدانياً.
وتبدد الأمل
لم يخرج الشاب الذي عبرت به سفينة تابعة للقوات البحرية السعودية يطلق عليها اسم “أمانة” فور اندلاع الصراع بين الجيشين، فقد كان ينتابه أمل ألا تدوم الحرب طويلاً، لكن بعد مرور نحو أسبوع وبعد أن نفد مخزون الماء والطعام، ولى وجهه نحو “بورتسودان” التي يصارع في الوصول إليها الناس للبقاء على قيد الحياة.
يروي عزي، صاحب الأحلام القتيلة، “في اللحظات الأولى من الأزمة أغلق كثير من البقالات أبوابها، وبعض منها نفد ما فيها، وأخرى لا بد لك من أن تطرق الباب حتى يتأكد صاحبها أنك لا تبطن الشر وتحمل السلاح”. وهذا ملمح بدأ يدركه لنفاد مؤن الحياة “الأمن والماء والطعام”، وهو ما دفع الشاب اليمني إلى مسابقة الخطى نحو “بورتسودان” المدينة الساحلية التي تقع شمال شرقي السودان على الساحل الغربي للبحر الأحمر حيث هناك سفن وبواخر تحمل الأجساد المتمسكة والهاربة بأرواحها نحو مدن وشواطئ آمنة مطمئنة.
وفي لحظته التي استشعر فيها خطراً يداهم حياته يقول “كنت أسير بلا عقل ولا روح ونسيت حقيبة بها أغراض ثمينة وأنا في طريقي نحو سفينة (أمانة) السعودية” التي عبرت به البحر الأحمر في رحلة استغرقت 20 ساعة نحو مدينة جدة.
وكانت “أمانة”، التابعة للقوات البحرية السعودية أجلت رعايا الدولة الخليجية ورعايا أكثر من 111 دولة يزيد عددهم على 8 آلاف شخص هربوا من العاصمة السودانية التي تعيش أسوأ أقدارها.
“على الخريطة كلنا أغراب”
تعود قصة عادل الذي كان عاملاً لـ”غسيل الملابس” في بلاده اليمن لعام 2016 حين حمل حقائب أحلامه نحو “فولغوغراد” الروسية وجامعتها لدراسة البرمجيات، الشغف البعيد الذي راوده منذ الطفولة. شرع في مطاردة أحلامه وتخصص بـ “أنظمة المعلومات”. يقول “أنا أكبر أولاد أسرتي، لا لم أكن أريد أن أصبح عالة عليهم، فقط أردت لهم حياة كريمة”.
وفولغوراد التي عاش فيها، لها تاريخ راسخ في الحروب، وشهدت آخر فصول الحرب العالمية الثانية (1945- 1943)، حيث جرت “معركة ستالينغراد” التي كانت بداية النهاية للقوات الهتلرية.
وبعد مرور عامين من الدراسة حاول العزي مقاومة ظروفه من أجل البقاء لإكمال دراسته لكن حصيلة نقوده لم تساعده، ولم يعد يستطع إكمال ما تبقى من مرحلته الدراسية، وبحسب قوله “من الصعوبة التأقلم مع الروس، الحياة هناك صعبة وقيمة الفصل الدراسي تتجاوز ألفي دولار”. حينها عزم على الرحيل لكن لم يكن خيار العودة إلى اليمن الذي يعيش صراعاً دامياً، ضمن خياراته.
يتابع “اخترت السودان لأنه بلد بكر ويمكن للمرء البدء من الصفر فيه”. وهو ما حدث حين جاء من روسيا أواخر عام 2019 التي كان لا يحمل معه منها سوى لغتها وحقيبة ملابسه التي سرقت منه فور وصوله إلى الخرطوم وهو موقف لا ينساه. لكنه لم يكن أصعب أيامه”.
فصل جديد
بدأ العزي فصلاً جديداً من فصول حياته حين بدأ دراسة تخصص “إدارة أعمال” وكان أثناء دراسته يعمل في “خدمات النظافة” وبعد مرحلة التخرج حين كان يمتلك رصيداً كافياً من الخبرة والأحلام بدأ في تأسيس شركة صغيرة أطلق عليها “وايت كلين سيرفس”. يقول “كنت على وشك بناء مؤسسة كبيرة، وتعاقدت عبرها مع فنادق وشركات وكان لدي موظفون”.
يستدعي الشاب الذي تظن للوهلة الأولى من لهجته أنه من أبناء النيل بطلاقة لهجته السودانية قصته، “كنت أدير الشركة وأعيش تفاصيلها محاسباً ومراسلاً وعاملاً. مضى على تأسيس شركتي عام ونصف عام، لدي عقود وأموال آجلة تبددت مع أول رصاصة سمعتها”.
وعلى رغم ما مر به الشاب الحالم الذي سكن فندقاً فور وصوله السعودية على نفقة خارجيتها تكون تلك محطته الرابعة خلال آخر سبع سنوات من عمره. بعد اليمن وروسيا والسودان.
ويأمل العزي الذي يمتلك مع لغته العربية لغتين “الروسية والإنجليزية” أن تكون هذه محطة تحقيق أحلامه وإكمال مسيرة مؤسسته التي يحلم. يقول “حين تحصل لك مصيبة في حياتك حتماً ستجد وراءها تغيراً لمسار آخر. قد يكون هو مسارك الحقيقي. بعكس لو لم يحدث لك أي شيء فستستمر في مسار واحد. الحياة مسارات والأحلام ملقاة ويمكن تحقيقها”.
يذكر أن الصراع الدامي بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) أسفر عن سقوط 700 قتيل و5 آلاف جريح بحسب بيانات موقع النزاعات المسلحة ووقائعها “أيه سي إل إي دي”، فضلاً عن نزوح 335 ألف شخص ولجوء 115 ألفاً الى الدول المجاورة. ومع استمرار المعارك، حذرت الأمم المتحدة من إمكانية أن يعاني 19 مليون شخص من الجوع وسوء التغذية خلال الأشهر المقبلة.