الصورة النمطية للمرأة في الدراما العربية
انتهى موسم المسلسلات الرمضانية، وانتهى الجدل حولها ومدى أهميتها، وقوتها من حيث الدراما والسيناريو والحوار والحبكة، لكن تلك الصورة النمطية التي تكرسها بعض المسلسلات تدعو للمراجعة، كما تشير إلى عِظم المسؤولية.
وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم في تغيير المفاهيم الشعبية من خلال التطورات الثقافية والاجتماعية، إلا أنه لا تزال هناك صور سلبية ونمطية سائدة حول المرأة في الدراما العربية، خاصة في المسلسلات الرمضانية الشعبية: إنها دراما قادمة من غبار التاريخ من كتب ألف ليلة وليلة، ونساء الرشيد، وجواري الملوك والسلاطين.
ولا تخلو المشاهد من العنف ضد المرأة، تشير الأرقام إلى واقع سيء في المسلسلات العربية، يشير تقرير المجلس القومي للمرأة في مصر الخاص برصد المسلسلات الرمضانية عام 2016 إن 1600 مشهد من المسلسلات الـ26 كانت لعنف ضد المرأة، وأن 40.3% من العنف في المسلسلات كان موجهاً ضد النساء. لم يتغير الأمر كثيراً في عام 2023 فحسب التقرير الصادر الأسبوع الماضي (30 ابريل2023) بلغ العنف ضد النساء في المسلسلات المصرية خلال رمضان 34% من المشاهد تشمل “ضرب الزوج لزوجته، الخيانة، الحبس، القتل بالسكين، حبس الأخ لأخته، اعتداء زميل في العمل، الرضوخ للابتزاز، الإهانة..الخ”، فيما يبدو أن الدراما تغرس قيماً سلبية في القيم الاجتماعية الأساسية للمجتمع والأهل والأقارب وهم الأولى بالدعم والرعاية.
وأتذكر مسلسلاً عُرض في شهر رمضان عام 2021 عرض مسلسل بعنوان “خاتون”. يعرض المسلسل صورة لامرأة تبدو مضطهدة وتقدم نفسها كضحية بسبب وضعها. وهذا يجسد اعتماد المرأة على الرجل وحالة ضعفها في المجتمع. تدور القصة حول حياة البطلة التي صورت على أنها تعاني من المصاعب والظلم. تسلط السلسلة الضوء على التمييز الذي تواجهه المرأة في مجتمع يعاني من عدم المساواة بين الجنسين.
“نسل الأغراب” هو مجرد مثال لوسائل الإعلام التي تكرس الصورة النمطية للمرأة الجذابة والآسرة. مع التركيز على الجانب الجنسي لشخصيتها. نحن نعلم ان المرأة خلقت جميلة وعلى مر العصور كانت مرآة للجمال ومثالا لكل جميل، لكنها ليست كل شيء، لها جوانبها القوية والعظيمة والقيادة والقدرة على مواجهة الحياة حتى لو كانت جميلة وآسره. تشكل الدراما صورة نظرة الكُتاب والقاصيّن للمرأة تلك التي تفتقد إلى قدرات صنع الحياة، والقدرة على العمل والانجاز وتحمل المسؤولية. ويبدو أنه نتيجة الانحياز الذكوري يتم تقديم المرأة في هذه المسلسلات كعبء على الرجل مهمتها الإغواء للحصول على الحماية والرعاية!
بالإضافة إلى الصورة النمطية التي تُقدم المرأة على أنها ضعيفة، هناك صورة أخرى تصور المرأة على أنها كائنات تابعة تحتاج إلى رعاية وحماية الرجل العربي. تعكس هذه الصورة النمطية الفكرة الأساسية التي مفادها أن المرأة ليس لها أهمية في المجتمع وأن دورها هو دعم الأدوار الموكلة إليها. ومن الغريب عندما يقوم هؤلاء الكُتاب والمؤلفين والمخرجين بالحديث عمّن وقف معهم ليكونوا في هذا الطريق يتحدثوا بمشاعر فياضة عن أمهاتهم وزوجاتهم اللواتي صبرن ليالي وسنوات حتى أصبحوا ما هم عليه. يشعرون بالانتماء لأمهاتهم اللواتي قمن بمعظم الأعمال وتحملن كل المشاق من أجل إعالة عائلتها، أو لتربية أولادهم. لذلك هم لا يعبرون عن المجتمع بل يخلقون فانتازيا خاصة بهم لزيادة الحبكة والحصول على الإيرادات.
يمكن مشاهدة مسلسل الزوجة الرابعة الذي أنتج عام 2012 كما وسبق ذلك في عام 2001 مسلسل الحاج متولي وكذلك مسلسل جعفر العمدة 2023 وغيرهم الكثير الكثير من المسلسلات التي تتفنن في ابراز الرجل العربي على أنه زعيم متقلب يمارس السلطة على زوجته التي لا تملك الحرية أو الحق في التعبير عن رأيها.
علاوة على ذلك، يتم تصوير الزيجات ذات تعدد الزوجات بشكل دائم على أنها حلم جميل، ويطلق على الرجل صاحب الزواجات المتعددة افضل الألقاب التي تدل على الراحة والقوة والرجولة، وتظهر المرأة كوسيلة لإشباع رغبات الرجل، واستعادة المفهوم التقليدي للرجل باعتباره قادرًا على تحقيق رغباته دون عواقب على العكس من ذلك, يكون حال المرأة مكسورة الجناح قليلك الحيلة!
كما تنقل المسلسلات الصورة النمطية للمرأة على أنها ضعيفة وخاضعة للرجل، لذلك تظهر المرأة العربية كسلع يبيعها آباؤها أو أسرها من أجل الزواج من شخص معروف بتعدد الزوجات، وعدم احترام المرأة بلا حول منها ولا قوة وسط مباركة مجتمعية. تفتقر معالجة الدراما هذه إلى اعتباره خطأ يصادر احترام الفتاة وحقها الشرعي في الموافقة والرفض. فيعكس هذا السيناريو غير الواقعي التفكير الخاطئ بأن المرأة لا تحتاج إلى الحرية والاختيار، ودورها في الحياة هو تلبية احتياجات الرجل وأوامره سواء كان أباً، أو أخاً، أو زوجاً، أو حتى ابناً!
لذلك، يتحتم على التلفزيون والمخرجين والكتاب العرب ترجمة الصور الحقيقية للمرأة ودورها في المجتمع لتساعدها على إيجاد الطريق لحرية الاختيار بعد العديد من الظروف المعاكسة في حياتها.
لا ينفي ذلك وجود أعمال تقدر المرأة ولا تعتبرها سلعة، قادرة على القيام بالأدوار دون النظر إلى نوعها الاجتماعي. مع ذلك نأمل أن يتم توسيع دور المرأة بشكل أكبر، وتقديم المزيد من الأعمال التلفزيونية الهادفة والملهمة، وإظهار قوة المرأة ودورها الرائد في المجتمع. ومن الضروري أن يتحمل الكتاب والمنتجون مسؤولية تحديث هذه الصور النمطية وتغييرها في محاولة لتمثيل المرأة بشكل أصيل، والتعبير عن دورها الفعال في المجتمع وأساليب حياتها المستقلة، وكيف يساعد ذلك في تقوية هويات النساء، ومنحهن الفرصة لتحديد مصائرهن المهنية والشخصية.
ولا ننسى في النهاية أن نشكر كل امرأة في الحياة الواقعية على دورها وإسهامها، ونأمل أن يتوسع دور المرأة في الأعمال التلفزيونية والدراما العربية بشكل يعكس حقيقتها ويحترمها ويعكس القوة والصمود التي تتحلى بها.