اخترنا لكمكتابات خاصة

جريمة “الحراك” ضد الإنسانية

ياسين التميمي

ليس هناك أبطال للاستقلال في عدن، ومعظم الذين يتصدرون المشهد في عدن اليوم عبارة عن “كومبارس” يعني مجرد مؤدين عاديين لأدوار تحسب عادة للاعب الأساسي الذي لم يعد خفياً. بينما كانت مشاورات الكويت تتعثر، وكانت المؤشرات تبرهن على أن الانقلابيين هم من يعرقل ويحاول التملص من التزاماته تجاه إنجاح المشاورات، أقدم شلال شائع وعيدروس الزبيدي، اللذان كلفتهما الإمارات بإدارة محافظة عدن، على قرار خطير للغاية فهمه معظم المراقبين على أنه إسناد واضح للانقلابيين.
أقدم هذان الشخصان اللذان ينتميان إلى محافظة الضالع قليلة الموارد، على طرد المئات من أبناء محافظة تعز الأقرب إلى مدينة عدن، ومن أبناء محافظات شمالية أخرى وهي جريمة تهجير قسري توصف بأنها من الجرائم والانتهاكات الخطيرة ضد الإنسانية.
يُفترض أن شلال وعيدروس جزء من شرعية النظام الانتقالي، لكن من الواضح أن ثمة تناغم وانسجام مع الفريق الانقلابي الذي يكافح في الكويت من أجل إفشال مشاورات الكويت وتقاسم كلفة الفشل مع وفد الحكومة الشرعية.
ما ذنب محافظة تعز حتى تتعرض لهذا العدوان المزدوج، أعمال قتل مستمرة على أيدي الحوثيين وقوات صالح، وأعمال التهجير القسرية التي يتعرض لها أبناء تعز في عدن، وغيرهم من أبناء المحافظات الشمالية الأخرى الذين اعتقدوا أنهم في مدينتهم عدن.
 أي أعمال أشد ظلماً من السطو على الممتلكات التي تقوم بها عصابات غوغائية وتستهدف هؤلاء المواطنين العزل لمجرد أنهم من تعز أو من محافظات شمالية.
ليس هناك أبطال للاستقلال في عدن، ومعظم الذين يتصدرون المشهد في عدن اليوم عبارة عن “كومبارس” يعني مجرد مؤدين عاديين لأدوار تحسب عادة للاعب الأساسي الذي لم يعد خفياً.
لم يكن هؤلاء إلى جانب أبطال المقاومة الحقيقيين الذين حاربوا الحوثيين وأفشلوا مشروع السيطرة على عدن، وكانوا خير عون للتحالف العربي، قبل أن يتورط قسم من هذا التحالف في مشاريع سيئة هدفها إعادة هندسة المشهد وإقصاء أطراف أساسية من هذا المشهد لدوافع أيديولوجية.
ما قام به شلال وعيدروس يندرج ضمن خطة لإفشال المشروع الوطني، وهذه الخطة رسمتها جهات إقليمية للأسف الشديد، ويتم تنفيذها بواسطة الحوثيين وصالح وبواسطة فصائل من الحراك الجنوبي جرى إعدادها بإشراف إيران وأجهزة النظام السابق.
ودعوني هنا أُذكِّر بأن عدن على وجه التحديد هي كولونيالية (مستعمرة) بريطانية منذ 1838، وكانت تتبع حكومة بومباي البريطانية في الهند، قبل أن تصبح تابعة مباشرة للتاج البريطاني عام 1939.
 خلال فترة تصل إلى قرن وربع القرن بقيت عدن دولة قائمة بذاتها، فيما بقيت السلطنات والمشيخات دول أخرى في محيطها، ولكنها جميعها خضع للحماية البريطانية، وكان المندوب السامي البريطاني في عدن يتحكم بشكل كبير بالشئون السياسية للمحميات.
وخلال تلك الفترة نشأ مجتمع عدن المتمدن والمتعدد والمتنوع، حيث كان يغلب على سكان كريتر والتواهي، وخور مكسر، سكان من أصول بريطانية وهندية وجنسيات أخرى تنحدر من مستعمرات بريطانية أخرى. وتوسعت عدن باتجاه الشمال لتنشأ أحياء رئيسية هي الشيخ عثمان والمنصورة، ودار سعد التي كانت جزءاً من سلطنة لحج العبدلية قد أن يتم ضمها إلى عدن بعد الاستقلال، إلى جانب البريقة التي نشأت حول منشأة المصفاة التابعة لشركة بريتش بوتروليوم.
معظم سكان هذه الأحياء ينحدرون من المحافظات الشمالية وبالأخص من محافظة تعز هناك حارات بكاملها لا تزال حتى اليوم تحمل أسماء مناطق في تعز مثل حافة دبع..
وهناك عائلات شمالية استقرت في كريتر والتواهي وأصبحت تشكل جزءاً مهما من سكان الأحياء القديمة من عدن الكبرى.
أصبحت عدن منذ عام 1967 عاصمة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ولم تأت هذه التسمية من فراغ، وإنما من الروح اليمنية الأصيلة التي كانت تطغى على النخبة السياسية في عدن والتي تنتمي للشمال والجنوب، بلا استثناء، لكن عليكم أن تتصوروا أن تأسيس الدولة المستقلة الجديدة تحت هذا الاسم ما كان ليتم لو كان سكان عدن لا تحضرهم مشاعر الانتماء إلى الاسم التاريخي “اليمن”، خصوصاً وأن هناك دعوات شجعتها بريطانيا كانت ترفع شعار” عدن للعدنيين” وهي محاولة لعزل عدن عن محيطها اليمني ولحسن الحظ أن دعوات كهذه لم تكتب لها الحياة بمجرد أن غادر أصحابُها عدن مع خروج آخر جندي بريطاني.
ما كنا نتمنى أن ينحدر السلوك إلى هذ المستوى المنفلت، فعندما يرفض شلال أو عيدروس حمل شعار الجمهورية اليمنية فهذا لا يعني أنهما تجردا من إنسانيتهما، ولكن هذا حدث للأسف الشديد..
هناك تكامل واضح بين الحراك والحوثيين تم تعزيزه طيلة العقد المنصرم بإشراف إيراني، ولهذا فإن قائمة الأعداء بالنسبة لهؤلاء لا يتصدرها صالح أو الحوثيون، بل هؤلاء: أبناء تعز، و”حزب الأوساخ”، وهو اسم عممته المخابرات الإماراتية، ومن ضمن قائمة الأعداء شخصيات وقيادات سياسية وعسكرية شمالية ساهمت في إسقاط المخلوع صالح، أي قائمة الأعداء نفسها التي يتبناها المخلوع صالح والحوثيون وإيران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى