8 سنوات على اختطاف محمد قحطان.. أحيٌّ هو أم عاجلته أصابع الخصم بالموت؟
يمن مونيتور/ تلفزيون العربي:
ناقش فيلم وثائقي بثه تلفزيون العربي، مصير السياسي اليمني القديم محمد قحطان، ومصيّره الغامض منذ اختطافه على يد الحوثيين.
وعُرف عن محمد قحطان القيادي في حزب الإصلاح كونه حاملًا مشعل الكلمة، مؤمنًا بتاريخ نسجه اليمنيون، مدافعًا عن حقّ العيش في وطن كان يراه يسع الجميع، نادى بالعمل المشترك فواجه قوى أرادت إسكات صوته وإخفاءه، ليلقى مصيرًا مجهولًا وسط متاهة من البحث والتساؤلات من دون جواب شافٍ.
لماذا اختُطف محمد قحطان؟ وأي مصير لقيَه السياسي القديم؟ أحيٌّ هو أم عاجلته أصابع الخصم بالموت؟
ثماني سنوات مريرة مرّت على اليمنيين، محمّلة بكافة أشكال القمع وأدواته، وخصم لا يتورّع عن أي ممارسة في سبيل تكميم أفواه المعارضين له، وتغييبهم عن المشهد.
منذ استيلائهم على السلطة عام 2014، كرّس الحوثيون سياسة التغييب القسري ضد خصومهم، فلا يُعرف مكانهم أو مصيرهم.
وأوضح ماجد فضائل، عضو لجنة تبادل الأسرى والمختطفين في اليمن، في حديث لبرنامج “مختفون” من “العربي”، أنّ حالات الاختطاف منذ عام 2015 حتى الآن فاقت الـ17 ألف حالة في اليمن، ويتعرّضون جميعهم لكافة أشكال التعذيب والترهيب النفسي.
وأراد محمد قحطان “وطنًا يتّسع للجميع”، معلنًا ألا مجال للسيطرة على الدولة من قبل جماعات مسلّحة رفضت الحوار، وأعلنت الانقلاب عليه لتزيد من جراح وطنه، وليُصبح مصيره مجهولًا كمصير بلاده.
وقال فؤاد الحميري، عضو مؤتمر الحوار الوطني اليمني، في حديث لبرنامج “مختفون” الذي يُعرض على شاشات “العربي”، إنّ “مواقف قحطان كانت واضحة جدًا وشجاعة جدًا. ومع تغيّر الخصوم وأدوات المواجهة، كانت هي السبب في اختطافه”.
بدوره، أوضح عبد الرحمن قحطان، نجل محمد قحطان، في حديث لـ”العربي”، أنّ والده “اتبع سياسة الحديث المفتوح مع كافة الأطراف السياسية. ولم يكن يحب فرض رأيه، بل كان مستمعًا جيدًا لآراء الآخرين”.
أما سعيد شمسان، رئيس الدائرة السياسية لحزب الإصلاح”، فقال إنّ “قبوله للرأي الآخر، هو الذي ميّز محمد قحطان عن غيره من القيادات السياسية الأخرى”.
وأضاف الحميري: “كان هناك تركيز على شخصية محمد قحطان، ومحاولة لشيطنته، وهي اعتراف بدوره وتأثيره وقدرته على إدارة الملفات”.
رفض قحطان محاولات التفرّد بالسلطة، رافعًا راية الدفاع عن حلم الشباب اليمني ضد نظام عاث فسادًا طيلة 33 عامًا، مردّدًا دعواته للحوار وحقّ التعايش المشترك بين كافة اليمنيين.
وقال الحميري: “إن قحطان رفض في مرحلة ما التسليم بما تفرضه السلطة”.
بدوره، أوضح عصام بلغيث، الصحافي والمختطف السابق لدى الحوثيين، في لـ”العربي”، أنّ “قناعات محمد قحطان هي المنطلق في النظر إلى معظم القضايا في اليمن، حيث عارض الأسلوب القمعي الذي مارسه النظام السابق ضدّ الحراك الجنوبي”.
وأضاف بلغيث أنّ قحطان كان “رافضًا للحروب الستّ التي شنّها نظام علي عبد الله صالح ضد الحوثيين في صعده”.
رأس الحربة ضدّ نظام صالح
سرعان ما أعلن محمد قحطان موقفه المؤيد لثورة اليمنيين ضدّ نظام علي عبد الله صالح، ليُصبح بذلك رأس الحربة التي آلمت السلطة، داعمة للثورة الشبابية اليمنية في 20 فبراير/ شباط 2011.
كحال كل اليمنيين، رأى قحطان في سقوط نظام صالح نجاحًا للثورة اليمنية وبداية لمرحلة جديدة، لطالما حلُم بها الشعب اليمني.
وقال الحميري: “كان هناك قانون غير مكتوب يبيح انتقاد الكل إلا رئيس الجمهورية. إلا أنّ قحطان كان من أوائل مَن انتقد رأس المشكلة”.
بدوره، قال بلغيث: “كان يتمّ الرجوع إلى قحطان باعتباره أداة من أدوات التواصل، في صورة مثّلت الوحدة والتوافق حول شخصية يمنية معيّنة”.
في 18 مارس/ آذار 2013، انطلق مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي شاركت فيه كافة الأطياف السياسية اليمنية، ليُصبح قحطان مرجعية لجميع هذه الأطياف.
وأوضح شمسان أنّ جماعة الحوثي شاركت أيضًا في المؤتمر، وحاورت وناقشت وقدّمت رؤيتها كغيرها من الأطراف السياسية الأخرى، وصوّتت على جميع مخرجات فرق الحوار الوطني الـ13.
بدوره، قال بلغيث إنّه خلال مؤتمر الحوار الوطني، مارست الأجنحة المسلّحة التابعة للحوثي الانتهاكات والاقتحامات في محافظة عمران، وكان محمد قحطان في ذلك الوقت يحذر من التحركات الحوثية ووصفها بـ”العنجهية”.
بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، دقّ قحطان مسمار نعشه المجهول. فهو الوحيد الذي طالب بمعرفة مصير رئيس دولته الذي وضعته جماعة الحوثي تحت الإقامة الجبرية، ليُرعب بذلك المتآمرين على الدولة، والراغبين بالتفرّد بالسلطة بعيدًا عن الحوار.
وقال الحميري إنّ “حوار موفنبيك كان يُراد من خلاله شرعنة الانقلاب على الشرعية، ورفض قحطان، بخلفية بقاء رئيس الجمهورية رهينة الإقامة الجبرية، إكمال الحوار وأعلن مقاطعة النقاش، وهذا الموقف هو من أحد الأمور التي أدت إلى موقف انتقامي متشدّد منه”.
بدوره، قال بلغيث: “كانت مواقف محمد قحطان واضحة وصريحة وفريدة ضد نظام علي عبد الله صالح، وضد سيطرة الحوثيين، ودفعت الأطراف التي كانت مسيطرة على الحكم في ذلك الوقت، إلى اختطافه”.
إقامة جبرية
أيام ثقيلة مرّت على اليمنيين تخلّلتها ضبابية في المشهد، في ظل موجة من الإقامات الجبرية من جهة، وضياع حلم الدولة المدنية من جهة أخرى.
وقال شمسان إنّه عندما أراد قحطان زيارة أقاربه في محافظة تعز، جرى اعتراضه عند نقطة المدخل الشمالي لمحافظة إب، فاضطر الخاطفون لإعادته إلى منزله، وفرضوا عليه الإقامة الجبرية.
وأوضح عبد الرحمن قحطان أنّ “والده وُضع تحت الإقامة الجبرية لمدة أسبوع، وكان المنزل محاصرًا بفرقتين أمنيتين تضمّ كل فرقة حوالي 10 أشخاص، مسلّحين ويرتدون زي الحرس الجمهوري”.
وأضاف أنّه لدى سؤالهم عن سبب فرض الإقامة الجبرية عليه، قالوا إنّه لمنع قحطان من مغادرة البلاد.
اختفاء ومصير مجهول
في الرابع من أبريل/ نيسان 2015، اختفى محمد قحطان مخلّفًا وراءه مصيرًا مجهولًا حتى اليوم. وتنصّلت كافة الجهات المنقلبة على الشرعية من مسؤولية اختفائه، بل وأثارت زوبعة من التناقضات علّها تتمكّن من ردم آثار اختفائه.
وقال الحميري: “الاختطاف تمّ في مرحلة تحالف الانقلاب، أي تحالف صالح- الحوثي، وهو ما يحمّل الجميع المسؤولية، إلا أنّ الجهة التي قامت بعملية الاختطاف هي جماعة الحوثي”.
بدوره، أوضح شمسان أنّ “ليلة اختطاف قحطان من منزله، شاهدت مجموعات مسلّحة من الحوثي يحيطون بكافة جهات المنزل، فدخلت إليه وإذ به يقول لي إنّه لن يغادر، فأخبرته أننا سنظلّ على تواصل معه وخرجت لألاحظ حركات مريبة”.
لم تشفع له قناعاته السامية في أنّ التغيير لا يتمّ إلا بالحوار، عند خاطفيه الذين سارعوا لنفي الاتهامات، وإلقاء الادعاءات في محاولة لإبقاء مصيره خافيًا على اليمنيين.
وروى عبد الرحمن أنّه في اليوم الثاني من عملية الاختطاف، وصلت مجموعات أخرى من المسلّحين بلباس مدني إلى المنزل، وهدّدوا بتفجير بوابة المنزل ما لم يخرج محمد قحطان. فخرج والدي ورفضوا السماح له بصلاة الظهر، وقالوا له ستُصلي في جهنم”.
وأضاف عبد الرحمن أن المسلّحين أخذوا والده عند الساعة الواحدة والنصف ظهرًا، من دون أي تهمة. وبعدها بأربعة أيام، أخبروني أنه جرى نقله إلى جولة ريماس. ذهبت إلى منزل الشيح حميد، الذي كان الحوثيون يحتّلونه، ووجدت مهدي المشّاط وعبدالقادر هلال ومسلّحين. واستمرّ اللقاء معهم خمسة دقائق، وخرجت للقاء والدي”.
وأوضح أنّه تحدث إلى والده الذي كان مطمئنًا، متوقّعًا أنّه سيخرج بعد 4 أيام. وغادرت برفقة المشّاط الذي كان ممتعضًا من عدم اختطافي مع والدي”.
بعد إنكار معرفة مصيره، سارعت جماعة الحوثي إلى اتهام علي عبد الله صالح وجماعته باختطاف قحطان، متنصّلين من دورهم في الاختطاف.
وقال فضائل إنّ الحوثيين مسؤولين عن تصفية أكثر من 350 أسيرًا ومختطفًا في سجونها، مضيفًا أنّه عند طرح قضية محمد قحطان يرفضون التعاون معنا.
وقال نجله عبد الرحمن إنّه إذا كان الحوثيون يصرّون على أنّ والدي ليس سجينًا لديهم، فان المسؤول الأول هو مهدي المشّاط”.
بدوره، أضاف فضائل أنّ هناك دلائل على أنّ محمد قحطان موجود لدى الحوثيين، منها قرار المحكمة الجزائية التابعة للحوثيين الذي صدر عام 2019، والذي نصّ على الإفراج الفوري عن محمد قحطان، لأنه بريء من التهم الملفقة له.
هل قُتل محمد قحطان؟
بعد محاولات عدة للتواصل مع جماعة الحوثي على أمل معرفة مصير محمد قحطان، تمكّن فريق “العربي” من التواصل مع عبد القادر مرتضى، رئيس لجنة الأسرى والمعتقلين لدى الحوثيين، والذي رفض الحديث وأقفل الخط.
وأوضح فضائل إنّ مرتضى يراوغ دائمًا ويرفض الإدلاء بأي معلومة عن وضع محمد قحطان، مشيرًا إلى أنّه خلال تواصله مع مرتضى قال له: “محمد قحطان لن يخرج ولن نكشف عن حالته، لأننا نريد أن نربّي الإصلاح بإخفاء هذه الحقيقة”.
هناك شكوك أخرى حول مصير محمد قحطان، أكدتها تغريدة نُشرت ثمّ حُذفت لاحقًا للقيادي المنشّق عن الحوثي علي البخيتي، والذي تواصل فريق “العربي” معه للتأكد من صحة ما نُشر.
وأكد البخيتي لـ “العربي”، أنّ محمد قحطان “مُختطف من جماعة الحوثي، وعند حديثي مع بعض قيادات الحوثي حول محمد قحطان وسبب عدم إطلاق سراحه، أخبرني أحدهم أنّ قحطان قُتل في غارة جوية للتحالف على أحد المنازل التي استولى عليها الحوثيون في صنعاء”.
وأضاف البخيتي أنّه “عام 2016، أخبرني عبد الملك الحوثي بشكل مباشر أنّ ما يخلق المعدوم إلا الله، وكأنه يؤكد لي أنّ محمد قحطان قد قُتل”.
وقال: “من وجهة نظري، قد يكون محمد قحطان قُتل أو أن الحوثيين يمارسون أسلوب حزب الله اللبناني تجاه الأسرى الإسرائيليين لناحية إخفاء وجودهم بل حتى حالتهم سواء كانوا أحياء أو أمواتًا في إطار المقايضة عليهم”.
بدوره، قال عبد الرحمن إنّه “ليس هناك أي دليل على تصفية والده، إذ يقول البعض إنّه جرى نقله إلى إيران”.
وأضاف عبد الرحمن: “تعايشنا مع الوضع، لكن لا يزال لدينا أمل في خروج والدي”.
صمت مطبق، وإنكار مقصود، وشائعات مزيّفة، هكذا غلّف خاطفو قحطان حكايته، ليبقى مصيره مجهولًا وحلم عودته سرابًا. فهل انتقلت روحه إلى بارئها أم لا يزال قابعًا في سجن سري منتظرًا قادم الأيام؟