سعى النظام الإيراني مؤخرا إلى الظهور بمظهر المعتدل، بما في ذلك من خلال تخفيف النبرة الثورية وخطاب التهديد الذي يتبناه وكلاؤه في الشرق الأوسط، ومن خلال تعميق اندماجهم السياسي المفترض في بلدانهم. حزب الله، وكيله اللبناني، هو مثال على هذا التفكير الجديد في طهران. ويبدو أن ما يفعله النظام في هذه العملية هو استخدام استراتيجية العنكبوت، الذي يوقع فريسته في شرك عن طريق تدوير شبكة حوله وإبقائها حية وطازجة للاستهلاك في وقت لاحق.
كانت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان خلال عطلة نهاية الأسبوع مؤشرا على أن طهران ستواصل دعم حزب الله، بينما تنخرط على ما يبدو مع الدولة اللبنانية وأحزابها الرئيسية وأعضاء البرلمان، في اعتراف واضح بالعملية الديمقراطية في البلاد.
ومع ذلك، شملت زيارة السيد أمير عبد اللهيان اجتماعا مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله واختتمت بزيارة إلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية دون تصريح مسبق من السلطات في بيروت. وبذلك، أظهر أن سياسة إيرانية تجاه الحكومة اللبنانية تقوم على المبادئ التالية: عدم الاعتراف بالسيادة اللبنانية؛ والحفاظ على سلاح حزب الله وعقيدته كما هي، على أن يكون وكيله حليف إيران العسكري والإقليمي والاستراتيجي، والذراع الرئيسي للنظام ومشاريعه الإقليمية.
ونادرا ما يطلب المسؤولون الإيرانيون إذنا من لبنان قبل زيارة البلاد. يصلون دون دعوة، ويبلغون المسؤولين اللبنانيين ببساطة أنهم في طريقهم. هذا ما حدث عندما قام أمير عبد اللهيان برحلته في عطلة نهاية الأسبوع – وهي الأولى له منذ اجتماعه مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لتنفيذ اتفاقهما الثنائي. تجدر الإشارة إلى أن البنود الرئيسية في الاتفاقية، الموقعة في بكين في مارس، تشمل الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى في المنطقة واحترام سيادتها.
اعتمد منطق إيران نطاقا موسعا للاتفاق مع التركيز على حل الأزمة في اليمن أولا. وخلال اجتماعاته مع المسؤولين اللبنانيين، نقل السيد أمير عبد اللهيان أن طهران مستعدة للمساعدة في حل الأزمة اليمنية، وأرسل رسالة مفادها أن المملكة العربية السعودية لديها أولويات في اليمن تستجيب لها إيران. وفيما يتعلق بقضايا أخرى، مثل لبنان، لم يقدم أي إشارة إلى أن إيران ستقدم المساعدة في حل مشاكله، والتي هي في الأساس نتاج مواقف حزب الله، سواء في إصراره على الحفاظ على السلاح الإيراني والعمل كدولة داخل الدولة، وتلقي الأوامر من طهران؛ أو في التأثير على حليفها الآخر، نظام الأسد، أن يلتزم بالعودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم.
وقد أعرب السيد أمير عبد اللهيان عن استعداد بلاده المفترض لتزويد لبنان بمنح النفط والمساعدة في توليد الكهرباء. رغم أنه يعلم أن لبنان لا يريد تعريض نفسه للعقوبات الأمريكية في هذه العملية.
كان الهدف من التوقف اللبناني في جولة وزير الخارجية إلى الدول العربية هو التأكيد على أهمية إيران كلاعب إقليمي يقرر بحرية من يساعد ومتى يفعل ذلك. لهذا السبب، كرر في اجتماعاته أنه إذا فشل الحوار بين السعودية والحوثيين في حل الأزمة اليمنية، فإن إيران ستكون مستعدة للتدخل لإقناع الحوثيين بالقيام بما هو ضروري.
وقال أمير عبد اللهيان للمسؤولين اللبنانيين إن ما يهم إيران هو أن ينتخب لبنان رئيسا ويعين رئيس وزراء ويشكل حكومة لاستعادة الوضع الطبيعي. لكن من الناحية العملية، لم يقل ما إذا كانت بطاقة الرئاسة قابلة للتفاوض. في الواقع، في خضم المفاوضات مع السعودية حول أدوار حزب الله الإقليمية، تظل أولوية إيران هي تعزيز موقف وكيلها في لبنان وسوريا.
ومن الأحداث الجديرة بالملاحظة خلال زيارته الاجتماع الذي عقده في السفارة الإيرانية، والذي ضم كتلا برلمانية معينة واستبعد كتلا أخرى، لإظهار أن النهج الدبلوماسي الإيراني الجديد هو الانخراط مع اللبنانيين على المستويات البرلمانية والاجتماعية والشعبية. ومع ذلك، كشف الاجتماع عن ضعف عميق الجذور، خاصة وأن السيد أمير عبد اللهيان أكد لدى وصوله إلى بيروت أن طهران ستواصل فرض صيغة “الجيش والشعب والمقاومة”، التي تزيل فعليا سلطة الدولة على كامل أراضيها.
كل هذا يعني أن أولئك الذين يقترحون أن النظام قد يختار فك الارتباط عن حزب الله أو تفكيك شبكاته يسارعون إلى استنتاجات خاطئة.
ويمكن قول الشيء نفسه عن الافتراضات المتعلقة بسوريا وعلاقاتها القوية مع النظام الإيراني. وقد أعرب البعض عن أمله في أن تنهار هذه العلاقة لأسباب منطقية، منها حاجة الرئيس السوري بشار الأسد إلى تأكيد سلطته على بلاده بدلا من الإذعان للنفوذ الإيراني، والاستفادة من التمويل العربي لإعادة الإعمار إذا قرر قطع هذه العلاقات. ومع ذلك، فإن الحد من العلاقات مع إيران أو حزب الله لن يكون سهلا.
وفي الوقت نفسه، لا تزال أزمة اللاجئين السوريين في لبنان تتفاقم مع وجود حلول قليلة في الأفق. استضاف لبنان ما يقرب من 2 مليون لاجئ على الرغم من التحديات الخاصة به، منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية قبل أكثر من عقد من الزمان. لكن يبدو أن نظام الأسد لا يريد عودتهم، كما لو أن حقيقة أن هؤلاء اللاجئين يتلقون الدعم من المجتمع الدولي تعفي النظام من عبئه السياسي.
وتقع مسؤولية الأزمة أيضا على عاتق حزب الله، الذي لعب دورا رئيسيا في تشريد هؤلاء اللاجئين في المقام الأول، بما في ذلك تدمير قراهم في سوريا ومنع عودتهم. إن عجز الأمم المتحدة البيروقراطي والسياسات التي تتبناها بعض الحكومات الأوروبية هي أسباب أخرى أدت للتقاعس عن العمل في هذه القضية – وكذلك فشل الحكومة اللبنانية وسياسييها في التعامل مع المشكلة.
ما يحدث في لبنان اليوم يتطلب يقظة عربية حتى لا يواجه هؤلاء اللاجئون نفس مصير اللاجئين الفلسطينيين الذين أصبحت عودتهم إلى فلسطين شبه مستحيلة. وقد تكون عودة السوريين إلى بلادهم أكثر صعوبة ما لم يتم اعتماد استراتيجية إقليمية ودولية شاملة لمعالجة مختلف عناصر هذه الأزمة.
وللحدود اللبنانية – السورية أهمية قصوى أيضا، ليس فقط من حيث الحاجة إلى السيطرة على التهريب، بل أيضا من حيث ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وسوريا. إذ أن إغلاق الحدود هو إجراء رفضته عدة أطراف لبنانية، بما في ذلك حزب الله، الذي لا يزال موجودا عسكريا داخل سوريا. وهنا تكمن المفارقة السريالية التي تعيدنا إلى مساهمات النظام الإيراني في كل من الأزمتين السورية واللبنانية.
في حين أن الأولوية العاجلة للسعودية وإيران هي إنهاء الصراع اليمني، يجب معالجة سياسات إيران تجاه لبنان وسوريا بسرعة قبل أن تتحول التوترات في لبنان إلى حرب كارثية.
حرره ونقله للعربية “يمن مونيتور” ونشر في “ The National” الإماراتية
راغدة درغام هي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمعهد بيروت وكاتبة عمود في صحيفة