كتابات خاصة

عمك عيدروس يا ليد ( 3-3)

معاذ المقطري

المعذرة يا ليد! عمك عيدروس الزييدي مسكين إرتبش!! أما أنت ولا جرى بعارك حاجة، فقط كان عليك أن تجعله وشلال شايع هدفان مثاليان للدردحة.

المعذرة يا ليد! عمك عيدروس الزييدي مسكين إرتبش!! أما أنت ولا جرى بعارك حاجة، فقط كان عليك أن تجعله وشلال شايع هدفان مثاليان للدردحة.
في المقالين السابقين رفعت سقف توقعاتي في السمت الأخلاقي والقدرة القيادية التي يتمتع بها عيدروس الزبيدي، مع أنك يا ليد لم تكن آبه بما أقول، كما لو كنت عليم بما يحاك حولك في عدن!
لقد رأيتك حائراً قلقا حيال التوجه الأمني المبهم لقيادة عدن!
 وكلنا بالمثل حائرون!
 مطلوب من عمينا عيدروس وشلال شايع، أن ينجوا من العمليات الإرهابية الغادرة كما في كل مرة، ومن أجلهما نصلي.
إن في نجاتهم وسائر العدنيين والجنوبيين هلاكاً ومحقاً لعصابات القتل والإرهاب والفيد بما نسجته من شبكات عميقة ممولة وعابرة للحدود.
على أن “العوه” الأمني الذي ساد المشهد الأمني لعدن اليوم يشتغل “شغل حريقة” لصالح عصابات الإجرام والإرهاب تلك.
إذ أن هناك مفهومان لأمن عدن إحداهما شايع، ولا أدري أيهما تعني؟
المفهوم الأول تقليدي وآفاقه ضيقة وهو الذي “أحوش” عمك عيدروس مع عمك شلال شايع في حدرد “براميل الشريجة”، وتحت ضغط هائل من العصبيات الجنوبية الهايمة بديدنها الملح: “لازم براميل الشريجة يرجعين”.
أتدري يا ليد؟
إن مجرد التفكير بطرد طائفة من البشر كتدبير أمني لأي بلد كان، يشير إلى البؤس والافلاس الأمني لدى قيادة هذا البلد؛ خصوصا وأن ملاحقة شبكات الجريمة ذات التركيبة الفكرية والتنظيمية الأممية كداعش والقاعدة يتطلب شبكات أمنية توازيها تشبيكاً وتدبيراً وتقنية، ولكن من يفهمك يا ليد؟
سيكون عليك تدعيم المفهوم الأمني الثاني وهو استراتيجي للغاية، ويتجاوز فكرة الأمن القائمة على حواجز العصبيات العنيفة كالتي أخذت تجرف المئات من البشر وتهجرهم قسرياً في نقطة اتصال الملاحة الدولية بين الشرق والغرب.
هذا المفهوم تمتد آفاقه على نحو يشمل نطاق التأثير الجيوسياسي لعدن ضمن تصور كامل لمستقبلها كمنطقة عالمية حرة، أو حتى كعاصمة لدولة “الجنوب العربي” الحلم!
الانفصال أو فك الارتباط لا يمكن تحقيقهما بشكل آمن إلا بهذا المفهوم الأمني الواسع، فمن صعده وهرجيسا وسومطرة يبدأ التشبيك الأمني من أجل عدن! وهذا يتطلب كسب أكبر قدر ممكن من التأييد والعلاقات خارج حدود دولة الجنوب، القادمة بإذنه تعالى.
الرئيس عبد ربه منصور هادي يحاول تجسيد هذا المفهوم الأخير كتصور إطاري في وعي النخبة الجنوبية، لكنه أخفق حتى اللحظة في جعل تصورها وسلوكها متوائما مع الاهتمامات الأمنية لدول التحالف العربي الداعمة لشرعيته، إلى جانب الأمريكان بالطبع. 
 إن نطاق التأثير الجيوسياسي لعدن هو منطلق التسمية الملاحية والأمنية العالمية لخليج عدن، وهو نطاق يغطي نقطة اختناق الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، بالقرب من حقول الطاقة الأكثر إنتاجا في العالم.
أمنيا يمتد هذا النطاق من منطقة الخوخة الواقعة ضمن ساحل الحديدة على البحر الأحمر مروراً بالمخا وباب المندب، وصولاً إلى سواحل شقرة في أبين.
إنه يشمل مساحات متداخلة مع مياه بحر العرب، وضهيره القاري (شبوة حضرموت المهرة) في الجنوب الشرقي بقدر ما يشمل مناطق متداخلة مع مياه البحر الأحمر وضهيره القاري (الحديدة، تعز، لحج)، في الجنوب الغربي.
وهنا يا ليد يكمن الفارق الجوهري بين مصطلح “أمن محافظة عدن” ومصطلح “أمن عدن”، والأخير يشمل “محافظات عدن، لحج، الضالع، أبين، إلى جانب تعز بالطبع.
فيما لا يشمل الأول سوى عدن الواقعة خلف نقطة “ننبر 6” في دار سعد، وهي النقطة التي خضع فيها جدي وجد عيدروس الزبيدي والرئيس هادي سواء بسواء لمادة “الدي دي تي” المعقمة القاتلة للقمل والكتن، إذ كان الاستعمار البريطاني قد استخدم تلك النقطة كمحجر صحي يعقم فيها كل الوافدين إلى عدن سواء من مناطق الشمال الواقعة خلف براميل الشريجة أو من مناطق ما يسمى بمحميات الجنوب العربي الموزعة على 21 سلطنة ومشيخة وإمارة يوم ذاك..
هل يمكن اعتبار شلال شايع مديرا لأمن عدن، أم لأمن محافظة عدن؟ 
 ببساطة يا ليد انظر إلى قرار الرئيس هادي الذي قضى بتعيينه وسترى بأم عينيك أن القرار يشير بوضوح إلى تعيينه مديراً لأمن عدن!
يتحلى الرجل بالشجاعة والإقدام والمراس، لكنني أجزم بأنه لا يجسد المعني الواسع والعميق لمفهوم “أمن عدن”، فالرجل المنحدر من عائلة أمنية عريقة لم يتجاوز بعد تصوراته الأمنية المستمدة من زمن الحرب الباردة، التي سادها كتائب المهجرين والمخفيين القسريين.
ارتفعت أسهم عيدروس الزبيدي وشلال شايع في الواجهة الجنوبية بحكم تصدرهما قيادة المقاومة الشعبية في الضالع على نحو تحقق معه انتصارا مبكرا اندحرت إثره مليشيا الحوثي وقوات صالح، إلى الحدود الشمالية للضالع.
على أن تعيين الأول محافظاً لعدن والثاني مديراً لأمنها جاء في إطار مقاربة أمنية سادت فيها رؤية الإمارات العربية المتحدة للاحتياجات الأمنية لعدن ومستقبلها كمنطقة حرة موالية إن لم تكن تابعة، إنما ضمن توجه أمني تتبناه الإمارات ويهدف إلى تجريف التجمع اليمني للإصلاح، “إخوان اليمن” من مفاصل الإدارة والحياة العامة لعدن بل ومن مستقبلها أيضا، وهذا الاتجاه يؤيده كثيرون في جنوب اليمن وشماله بمن فيهم أنا.
على أن التجريف الجائر لأي نوع من الكائنات الحية يودي عادة الى جرف موائل وخلجان وشعب مرجانية يعيش فيها ألف نوع ونوع من الكائنات اللطيفة والجميلة وذات الفائدة العالية.
 قد لا يدرك عيدروس وشلال بأن نزعات الاستقلال الجنوبية التي ساهمت في خلق مزاج متجانس وشرس في مقاومة الانقلاب ودحره في الضالع، لا يمكن استثمارها في استعادة القبضة الأمنية في عدن.
حتى الآن لا ندري ما إذا كان عمينا شلال وعيدروس يتمتعان بفكر أمني حديث، أم لا يزالا في طور الحلول الأمنية المستمدة من حقبة الاتحاد السوفيتي، وهي حلول سادت عدن كنظام شمولي أغلقها وقولبها بأنماط حياتية أوقفت نموها وقدرة أهلها على الإبداع.
الشجاعة ورباطة الجأش ينبغي أن يلازمهما حكمة وبصيرة وعمق في الرؤية، الأمر الذي نراه غائباً في السلوك الأمني الذي تعاطى به القائدان الشجاعان مع القضايا المرتبطة بحساسيات سياسية وجهوية من النوع الذي ينكأ ملايين الجراح.
أقل ما تفضي إليه تلك الممارسات هو قول الشماليين: الإصلاح لا يمثل الشمال وقول الجنوبيين: “السقالبة” لا يمثلون الجنوب.
وبين الإصلاح والسقالبة تتوسع انشطارات المجتمع وتذكي نزعاته وعصبياته، ومن شروخه واحترابه وتشرد مجموعاته تتسرب القاعدة وداعش وتتربع فوق مشاعر القهر والظلم والحرمان وسياسات التهجير القسري التي تطال الفئات الضعيفة الباحثة عن الأمان والعمل!
 الأداء الأمني القائم على تأليب العصبيات المناطقية والجهوية يكون كلفته كبيرة وأحيانا كارثية قياسا بالأداء الأمني الذي يعتمد إجراءات بناء السلام وتعزيز التماسك الاجتماعي في أوساط المجموعات السكانية داخل نطاق أمني ما.
الأخير يجعل الأمن قائماً على عاتق المجتمع بل وتحت قيادته أيضاً، ما بالك في عدن التي فتحت قلبها على بحرين وخليجين ومحيط ونهضت على أعمدة روحية أسست تعايش العدنيين الأوائل على متن الحركة الكونية للميناء المزدهر.
إن في أمن عدن وأمانها وازدهارها يسود الحب والسلام ليشمل كل إنسان يسعى على أرض الجزيرة العربية والقرن الأفريقي وما وراء المحيط الهندي وكل البحار.
وعلى عدن يتخاطر الإجرام والإرهاب وعصابات القتل والنهب على اختلافها واحترابها، وعقائدها المتناحرة منذ سقيفة بني ساعدة وحتى اللحظة.
على أن الكارثة الكبرى تكمن في تخاطر” العوه” الأمني المحشور في براميل الشريجة وحمق السقالبة مع مركبات الإرهاب والجريمة الدولية العابرة للحدود.
كم هذا موسف يا ليد!
انا فدا لك يا ليد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى