كتابات خاصة

جرعة رجولة

عائشة الصلاحي

هناك امور في حياتنا (كونية) ليست حكرا على أحد ولا على فئة ولا على صنف، إنها متاحة لكل من أرادها وتمثلها مهما يكن سنه أو جنسه أو انتماؤه..

هناك امور في حياتنا (كونية) ليست حكرا على أحد ولا على فئة ولا على صنف، إنها متاحة لكل من أرادها وتمثلها مهما يكن سنه أو جنسه أو انتماؤه..
هكذا امور تجتمع حولها البشرية لأنها تنبع من الفطرة، فلا تحتاج لشهادات أو عقائد أو أعراف لتكون.. كل ما تتطلبه هو قرار الشخص نفسه لا غير.
من تلك الامور (الرجولة) التي يظن الغالبية أنها محصورة في الذكور أو في البالغين أو في نخبة القوم أو حتى في العرب أو المسلمين، وكل ذلك خطأ في خطأ..
فالرجولة حالة سامية تجتمع فيها عدة مكارم وأخلاقيات، وكل من تمثل تلك الحالة فهو رجل بحق وليكن من يكن..
تلك المكارم التي يصعب جمعها كلما كانت أقوى كانت حالة الرجولة لدى الشخص أكثر متانة وتألقاً كالصدق، ايفاء العهد، الشرف، الكرم، تحمل المسؤولية، الامانة، الحزم، الصبر، العزة، الشجاعة، العفة.. الخ
وعليه، فلو تأملت حولك فستجد كم من طفل أكثر رجولة من شيخ …!!
وكم من امرأة برجولة عدة ذكور!!!
وكم من أعجمي بلغ رجولة لم يبلغها أعراب كثر!!!
وكم من شخص بسيط مغمور أوفى رجولة من قائد أو رئيس نخبوي!!!
بل كم من حيوان يمارس رجولة أكثر من اناس بيننا!!!!
الأمر لا يتعلق بتلك المعايير الشكلية بل يرتبط كليا بالفطرة الصافية والعزم النقي الصلب..
نفهم الآن أن أزمة البشرية مؤخرا ليست إلا نقص حاد في الرجولة على كل المستويات والجوانب.. ولا شيء آخر.
بالطبع هناك الكثير من الأعذار لكل تلك السقوطات المشينة.. ساعة يخبرونك أنه الواقع فلا تكن مثالي، اخرى يتشدقون أنها فنون السياسة، أما الفقر والعوز فأكثر ما يتمسحون به، حتى الدين صار شماعة لأفعال مخزية لا تقبلها الحيوانات.. الكثير من الأعذار جاهزة وكلها تقود لهذا الانحدار المقزز الذي نعيشه عالمياً..
ثم يتبجحون أنهم رجال للنخاع كابر عن كابر ولا تدرك على أي مقياس قرروا ذلك وبأي غباء علينا أن نقبل ادعاءهم.!!!
والحقيقة التي لاريب فيها أن قليلاً من الرجولة تجعل المرء مترفعاً عن السحت والغصب والاحتكار.. طاهرا من الخيانة.
وبها يتورع عن ظلم الآخرين بل وينصف لهم من نفسه، الرجل يتسامى عن ايذاء الضعفاء واستغلالهم.. أو قتل العزل والأبرياء..
ولا يسمح شرف أي رجل أن يهين امرأة أو يعذب أسيراً أو جريحاً مهما كانت الظروف، ومن العجيب أن يعتبر نفسه رجلاً من يغش أو يخون عهدا أو يكذب ولو مازحا، أما اللعب بمشاعر الآخرين وأعراضهم لإشباع الشهوات تحت أي مبرر، فلا التقاء بينه وبين ألف باء رجولة..
الخوف والتردد والجبن سمات لا يعرفها الرجال ولا يقبلونها في حياتهم مهما كان ما يواجههم مخيفا وطاغياً.. وفي كل المستويات تجد المبادرة وأداء الواجب هو ما يفعلونه دون رقابة ولا متابعة من أحد، غير ضميرهم النقي..
كيف تشبع وغيرك جائع؟! هكذا هو مبدأهم أمام معاناة غيرهم فيتدفقوا عطاء وعونا.. وبالتأكيد لا سعر لشرائهم أبدا فهم فوق البيع والشراء.. إنما يحركهم الشرف والحق.
وعليه، لا مغامرات حمراء.. لا لهو.. لا عبث في حياة الرجال.
من جهة اخرى كل ما ذكرناه في كفة وتقبلهم وسعة صدورهم للآخرين في الكفة الأخرى، فالرجال أهل سماحة وتعايش لجميع من حولهم دون عنصرية ولا مزاجية.. الخ
اخبرتكم..
العالم يعاني أزمة رجولة، لعل هذا هو ما جعل ملخص الرسالة المحمدية في شيء واحد وهو اتمام مكارم الأخلاق.
لعلك تدرك الآن كم من انصاف وأشباه رجال حولنا اليس كذلك؟
المهم أن لا تكون منهم فالأمر لا ينصلح بالنظريات والخطب العصماء والتذمر، بل هي حياة تعيشها (أنت) لتلهم (الآخرين) القدوة والرغبة..
لا بأس لو شعرت أنك وحيد في رجولتك يكفيك أن تنظر في المرآة وتشعر بالفخر والاطمئنان تجاه ذلك الماثل أمامك، ففي النهاية كلنا سيعيش فردا ويأتي الرحمن عبدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى