اندفعت تيارات مذهبية تقليدية مخالفة للوقوف في طريق حركة الشباب المؤمن، فحرضت الدولة عليهم، ودخلت في تحالفات حتى مع القبائل والعوام للتصدي لها، لما كانت ترى فيها من قدرة على المنافسة بنفس الأدوات التقليدية والتجديدية. حركة الشباب المؤمن
حينما تحققت الوحدة بين شطري اليمن 1990م دخلت البلاد في مرحلة جديدة، كان أبرز معالمها: إمكانية تكوين أحزاب السياسية وإنشاء مؤسسات ومراكز اجتماعية وخيرية وثقافية، وهذا مما أتاح المجال للجمهور اليمني الانخراط في الأحزاب أو تشكيل تيارات ثقافية، انضوى تحت لوائها كثير ممن كانوا يشعروا بأنهم استهدفوا من قِبَل النظام الشمولي الذي كان قائماً قبل الوحدة.
ولم يكن شباب الزيدية وسكان شمال الشمال استثناء، ففي صيف عام 1990م أقيم في مدينة صعدة وضواحيها عدة مراكز صيفية دينية نظمها مجموعة من الشباب المهتمين بشأن الدعوة، وأدخلوا فيها أنشطة مختلفة، فكان لها أثر ملموس في تشجع الشباب على التخطيط لعمل مشترك مميز، فكان «منتدى الشباب المؤمن» الذي جاء بمشروع تربوي ديني، جمع بين أصالة التراث ومعاصرة المنهج، واستمد خلفيته الفكري من روح المذهب الزيدي.
ونجحت حركة الشباب المؤمن في فرض نفسها كتيار ثقافي توعوي، وصل صداها آن ذاك إلى رئيس الجمهورية الذي دعا قياداتها منتصف عام 1997م واستبان منهم طبيعة نشاطهم، وطمأنتهم بأن لهم الحق في أن ينشطوا على الساحة في ظل ما يكفل لهم الدستور كغيرهم من الحركات والأحزاب والتيارات، ومنحهم يومها مساعدة شهرية قدرها أبع مائة ألف ريال، كانت تصرف في طباعة كتب وأدبيات المراكز الصيفية.
وأمام تلك المستجدات كانت إيران الرسمية تراقب عبر سفارتها حركة الشباب المؤمن، وتأمل أن يكون لها صلة وثيقة معها؛ لفرض وضع جديد يمكِّن من ترتيب نوع آخر من العلاقات المباشرة مع حركة شعبية أخذت تنشأ بقوة على الساحة اليمنية. وجرت عدة لقاءات بين قيادات الشباب ومسؤولين إيرانيين، وسافر بعض القيادات إلى إيران بدعوات من المؤسسة الرسمية تارة، ومن المؤسسة الدينية تارة أخرى، ولكنها اقتصرت على شكليات التعارف وإبداء الاستعداد للتعاون في المجال الثقافي، ولم تُسفر عن علاقة وثيقة يمكن التعويل عليها، لأسباب مختلفة، أهمها في نظري:
• أن الإيرانيين كانوا يراهنون على «حزب الحق»، كحزب سياسي رسمي معترف به، خصوصاً وأن أكثير كوادر الشباب المؤمن وجماهيره منضوون سياسيا تحت لوائه، فضلا عن أن بعض قيادات الحزب طلبت من الإيرانيين أن لا يقيموا أي صلات مع الشباب حتى لا يندفعوا نحو الاستقلال ويخرجوا عن سيطرة الحزب.
• أن المؤسسة الدينية في إيران كانت قلقة من النبرة العالية لدى الشباب المؤمن في التَّحرر من قيود الموروث المذهبي، حتى أن الشيخ علي الكوراني وهو أحد علماء الشيعة في «قم» كان يصف الشباب المؤمن بـ «وهابية الزيدية».
• أن النظام الإيراني كان حين ذاك حريصاً على تحسين علاقاته مع النظام الرسمي في اليمن، خصوصاً في فترات حكم الإصلاحيين في إيران الذين كانوا يسعون بشكل دائم على إقناع الجوار العربي بأنهم قد تراجعوا عن فكرة تصدير الثورة.
واستمر «منتدى الشباب المؤمن» في تحقيق النَّجاحات على المستوى الفكري والتربوي، ولكنه لم يلبي الطموحات السياسية التي ينشدها الراغبون في قيادة المجتمع وزعامة الأمة بحجة استرجاع الحق الإلهي المسلوب، كما أنه لم يكن بمستوى تطلعات الوسط المتشدد الذي كان يريده مجرد رَدّة فعل عَنِيفة على المخالفين فكريا وسياسياً، وفي نفس الوقت أقلق الوسط التقليدي من الاكتساح السريع للساحة، وما شهدت من توجه الناس نحو الولاء للفكرة، بدلاً من مجرد التعصب للانتماءات الفكرية أو العرقيّة.
وإلى جانب ذلك اندفعت تيارات مذهبية تقليدية مخالفة للوقوف في طريق حركة الشباب المؤمن، فحرضت الدولة عليهم، ودخلت في تحالفات حتى مع القبائل والعوام للتصدي لها، لما كانت ترى فيها من قدرة على المنافسة بنفس الأدوات التقليدية والتجديدية.
وبالنسبة للإيرانيين فقط ظلوا غير مقتنعين بدعم حركة الشباب المؤمن سواء على مستوى المؤسسة الرسمية السياسية والمؤسسة الدينية الثقافية، حينما لم يجدوا فيها ما يلبي طموحاتهم لا في المجال السياسي ولا في المجال الفكري، لذلك ظلوا يبحثون عن البدائل، وكان من أولوياتهم استغلال العاطفة الشيعة لدى الزيود لغرس بؤرة شيعية اثني عشرية، وهذا ما تحقق لهم في بعض المناطق خصوصاً شرق صنعاء وأماكن محدودة في محافظة الجوف.
ثم جاءت الحرب مع الحوثي فخلطت الأوراق، ووقع منتدى الشباب المؤمن ضحية صراعات الطرفين، واشترك في الاجهاز عليه الحوثييون من جهة والدولة من جهة أخرى، ولكنها بقيت والفكرة وستظل وإن ذهب الكيان التي كانت قائمة فيه.