ما تداعيات الاتفاق السعودي-الإيراني على اليمن؟.. مركز دراسات أمريكي يجيب
يمن مونيتور/ ترجمة خاصة:
نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- في واشنطن العاصمة- تحليلاً يشير إلى أن الاتفاق الإيراني-السعودي لن يمثل حلاً للحرب في اليمن، حيث أزمة البلاد المعقدة التي تعتمد على توافق الأطراف المحلية على سلام شامل.
التحليل كتبه، نبيل خوري نائب رئيس البعثة في السفارة الأمريكية في اليمن ، من عام 2004 إلى عام 2007، ونقله للعربية “يمن مونيتور”.
وقال خوري إن عملية تحقيق السلام في اليمن أصبحت أكثر تعقيدا مع مرور الوقت منذ بدء الحرب في عام 2014. الانقسامات الداخلية، على الرغم من أن سببها يعود للتأثيرات الخارجية أو على الأقل تفاقمها، إلا أنها معقدة بما يكفي لتبقى بعيدة عن الحل حتى بعد أي انسحاب محتمل للتحالف.
اتفاق عدم اعتداء
الاتفاق السعودي الإيراني الأخير الذي توسط فيه مسؤولون صينيون وأعلن عنه للعالم في 10 مارس/آذار ليس نهاية الصراع، وليس بالضبط بداية شراكة مزدهرة. ومع ذلك، فإنه يمثل بداية فصل جديد في الصراع والدبلوماسية في الشرق الأوسط.
في تقييم واقعي للاتفاقية، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود أنه لا يعني أن جميع النزاعات بين البلدين قد تم حلها. وحسب ما ظهرت تفاصيل الاتفاق، فإنه يبدو أشبه باتفاق عدم اعتداء أكثر من كونه قائمة مفصلة من الحلول للقضايا والنزاعات التي تحتاج القوتان الإقليميتان إلى حلها من أجل الحد حقا من التوترات بينهما.
المملكة العربية السعودية وإيران على خلاف حول لبنان وسوريا والعراق والبحرين، وأخيرا وليس آخرا، حول اليمن، حيث كانت المنافسة بينهما على أشدها، وربما تكون المخاطر الاستراتيجية هي الأعلى بالنسبة لكليهما، وهي كذلك بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية.
وجود وثيقة مكتوبة موقعة بين إيران والسعودية يؤكد النية الجادة من جانب البلدين لبدء فصل جديد في علاقتهما،
الآثار المباشرة
إن وجود وثيقة مكتوبة موقعة بين إيران والسعودية يؤكد النية الجادة من جانب البلدين لبدء فصل جديد في علاقتهما، فصل يقوم على الاحترام المتبادل لسيادة بعضهما البعض وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل منهما وفي شؤون الدول الأخرى. وستكون النتيجة الملموسة الأولى للاتفاق هي تبادل السفراء لأول مرة منذ إغلاق السفارتين في الرياض وطهران عام 2016. غير أن الإشارات إلى التوترات الإقليمية ظلت عامة، ولم تتجاوز الوعد بتعزيز السلام والتعاون الإقليميين، استنادا إلى الاتفاقات السابقة بين البلدين في عامي 1998 و 2001. كما أن عقد اجتماع مخطط له بين وزيري خارجية البلدين له أهمية أيضا، نظرا لأن الموقعين على اتفاقية بكين كانوا كبار المسؤولين الأمنيين في البلدين وليس كبار دبلوماسييهم. كما أن السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز دعا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة الرياض.
اقرأ/ي أيضاً..
-
ما مستقبل حرب اليمن بعد اتفاق السعودية وإيران؟!.. خبراء يجيبون
-
المحافظ أفرج عن الخلية.. تحقيقات تكشف خطط الحوثيين لإسقاط جنوب غرب تعز (تقرير خاص)
وعلى الرغم من أنه لا يشير إلى أن تحل بديلاً عن دور الولايات المتحدة ووجودها في الشرق الأوسط، إلا أن دور الصين المركزي في إبرام الصفقة الإيرانية السعودية هو قفزة أكيدة في دبلوماسية الصين العالمية، ويمثل موطئ قدم في دبلوماسية الشرق الأوسط. بالنسبة للصين، التي لها مصالح تجارية في كلا البلدين، فإن التوسط في الاتفاق يوفر مزيدا من النفوذ بالإضافة إلى ما تم تحقيقه بالفعل في اتفاقها لعام 2021 لمبادلة النفط الإيراني بالاستثمارات الصينية واتفاقياتها ال 35 الجديدة مع المملكة العربية السعودية، والتي تم الاتفاق عليها خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
تحقيق السلام في اليمن أمر معقد بما فيه الكفاية بالنسبة لأولئك المشاركين بشكل مباشر في العملية، ومن غير المرجح أن يشهد تدخلا صينيا مباشرا في الوقت الحالي.
التداعيات على اليمن
التقى الرئيس شي برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، في ديسمبر/كانون الأول 2022، مما يشير إلى اهتمام الصين بجهود السلام في اليمن، وكذلك بالاستثمار في جهود إعادة إعمار اليمن عندما تبدأ. وهذا يتناسب بشكل جيد مع سياسة الصين المتمثلة في إرساء الأساس لبناء النفوذ ودور مستقبلي لنفسها في سياسة الشرق الأوسط. إذا أسفرت المحادثات السعودية الإيرانية المستقبلية عن اتفاق بشأن اليمن، فإن الصين ستكون قد لعبت دورا غير مباشر في تحقيق نهاية سلمية للصراع. ومع ذلك، فإن تحقيق السلام في اليمن أمر معقد بما فيه الكفاية بالنسبة لأولئك المشاركين بشكل مباشر في العملية، ومن غير المرجح أن يشهد تدخلا صينيا مباشرا في الوقت الحالي.
الحوثيون لا يخجلون من إعادة تأكيد هويتهم كجماعة دينية لها رسالة إلهية (الحق الإلهي)- وهي رواية توفر سببا عميقا للقلق بين القوات اليمنية والمواطنين الذين لا يخضعون حاليا لسلطتهم.
وأصبحت عملية تحقيق السلام في اليمن أكثر تعقيدا مع مرور الوقت منذ بدء الحرب في عام 2014. الانقسامات الداخلية، على الرغم من أن سببها يعود للتأثيرات الخارجية أو على الأقل تفاقمها، إلا أنها معقدة بما يكفي لتبقى بعيدة عن الحل حتى بعد أي انسحاب محتمل للتحالف. إذ لا تزال هناك ثلاث روايات رئيسية تحيط بعملية السلام في اليمن، ولكل منها تعقيداتها الخاصة.
أولا، إن رواية الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا هي نفسها التي سادت في عهد الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، كما اتضح في خطاب ممثل مجلس القيادة الرئاسي في الأمم المتحدة خلال تقرير مبعوث الأمم المتحدة الأخير إلى مجلس الأمن. وتماشيا مع قرار مجلس الأمن رقم 2216، يرغب المجلس الرئاسي اليمني في إعادة “الحكومة الشرعية في اليمن” إلى مقر السلطة في صنعاء وإزالة الأسلحة من الميليشيات، وخاصة من حركة الحوثيين، الموجودة حاليا في عاصمة البلاد. وهذا بالتأكيد يضع المجلس الرئاسي على مسافة ما من الحقائق السياسية والعسكرية على الأرض. تشير جميع المؤشرات إلى أنه لم يتم إبلاغ المجلس الرئاسي اليمني ناهيك عن استشارته بشأن المحادثات بين المملكة العربية السعودية والحوثيين أو بشأن الصفقة السعودية الإيرانية.
ثانيا، أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، على الرغم من أنه ليس القوة الوحيدة المتنافسة على السلطة في جنوب اليمن، صوت المنطقة في الحوار الداخلي، وتحالف بشكل وثيق مع الإمارات، وأعلن رغبته في الاستقلال في أي محادثات سلام مستقبلية. نظر المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي كان ينتقد المحادثات السعودية الحوثية، ويتشكك إلى الاتفاق الإيراني السعودي، خوفا – مثل المجلس الرئاسي وحزب الإصلاح الإسلامي – من أن الاتفاق قد يصب في صالح الحوثيين ويسمح لهم بالبقاء مسيطرين على شمال اليمن.
ثالثا، يصر الحوثيون، على الرغم من انفتاحهم على محادثات السلام مع المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، والسعودية، وبشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة، في تصريحاتهم الإعلامية والرسمية على أن هدفهم الأساسي يبقى “تحرير” اليمن من كل التدخلات الأجنبية والعودة إلى دولة موحدة، وهو هدف يتعارض مع مواقف المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي وعلاقاتهم الحالية مع السعودية والإمارات. كما أن الحوثيين لا يخجلون من إعادة تأكيد هويتهم كجماعة دينية لها رسالة إلهية (الحق الإلهي)- وهي رواية توفر سببا عميقا للقلق بين القوات اليمنية والمواطنين الذين لا يخضعون حاليا لسلطتهم.
من المحتم أن تظل الظروف على الأرض غير متأثرة ما لم تتم معالجتها مباشرة من قبل الفصائل اليمنية المعنية.
القضايا ذات الاهتمام المباشر
وحتى لو نجح التقارب الإيراني السعودي في الحد من التوترات بين الرياض والحوثيين، فمن المحتم أن تظل الظروف على الأرض غير متأثرة ما لم تتم معالجتها مباشرة من قبل الفصائل اليمنية المعنية.
تعز والحديدة ومأرب هي ثلاث مناطق للنزاع على الخطوط الأمامية بين الحوثيين والقوات المتحالفة ضدهم. وهذه العناصر الثلاثة ذات أهمية حيوية، وبالتالي يصعب على أي طرف الاستسلام. فمدينة تعز، على سبيل المثال، ظلت تحت الحصار من قبل الحوثيين على الرغم من النداءات العديدة من قبل الحكومة اليمنية والرياض وغروندبرغ والهيئات التابعة للأمم المتحدة، وينظر إليها الحوثيون على أنها بوابة إلى الشمال يجب أن تظل مغلقة لإحباط أي هجوم محتمل ضد صنعاء. وتجدد القتال في مأرب بعد فترة وجيزة من الاتفاق بين الرياض وطهران، وهو علامة على قلق الجانبين من أن أي تقارب بين القوتين الإقليميتين قد يتركهما في مواقع ضعيفة عسكريا حول المدينة الاستراتيجية.
وبعيدا عن الخطوط الأمامية النشطة، هناك قلق بشأن شرايين الحياة الاقتصادية والاستراتيجية التي يحاول كل طرف في الصراع تأمينها لمواجهة مستقبل غامض قد يؤدي فيه اتفاق السلام إلى انقسام البلاد. وبالتالي يتطلع كل جانب إلى تأمين منطقة قابلة للحياة اقتصاديا وجغرافيا قبل فوات الأوان. وتعد مأرب ومينائي المكلا والحديدة مثالا على ذلك، حيث يعتبر الميناءان الأولان حيويين لإنتاج وتصدير النفط، والأخيران حيويان لوصول شمال إلى البحر واستيراد السلع المختلفة.
وفي الوقت نفسه، منذ مشاركتها الأولية في حرب اليمن، أظهرت الإمارات بشكل متزايد أهدافا استراتيجية منفصلة عن أهداف السعودية. ويشير احتلالها لجزيرة سقطرى ووجودها العسكري في جزيرة ميون كشهادة على رغبتها في السيطرة على الأصول البحرية الممتدة من دبي عبر البحر الأحمر وما بعده إلى شمال إفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، تشير حقيقة أنها تمول وتدرب وتسيطر إلى حد كبير على القوات في جنوب اليمن إلى اهتمام دائم بالحفاظ على نفوذها بما يتجاوز أي اتفاق سلام محتمل في البلاد. مثل هذه المصالح والطموحات يمكن أن تجعل الإمارات خارج الاتفاق الإيراني السعودي، على الأقل فيما يتعلق بمستقبل اليمن.
اقرأ/ي أيضاً..
-
هل يؤدي اتفاق السعودية وإيران لتأمين تسوية في اليمن؟!.. صحيفة بريطانية تجيب
-
(مجلة بريطانية) اتفاق إيران والسعودية يبشر “باتفاق منفصل” في اليمن
علامات إيجابية
وعلى الرغم من كل العقبات التي لم يتم تجاوزها بعد، فإن تلميح السعودية إلى أنها ستكون مستعدة للاستثمار في المشاريع الاقتصادية والتجارية في إيران إذا التزمت الأخيرة تماما بالاتفاق الجديد هو بالتأكيد علامة على جدية اهتمام المملكة بالتقارب مع خصمها الخليجي، كما هو الحال مع دعوة الملك سلمان للرئيس رئيسي لزيارة الرياض.
وفي اليمن، تتمثل أحدث إشارة على ذوبان محتمل للجليد في إعلان الحوثيين والجلس الرئاسي مؤخرا عن اتفاق لتبادل الأسرى من شأنه أن يحرر ما يقرب من 900 شخص محتجزين حاليا لدى الجانبين. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما هو نفوذ إيران مع الحوثيين، وبالتالي ما قد تكون قادرة على تقديمه من حيث تنازلات الحوثيين للرياض والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا. وإذا كانت التقارير حول استعداد إيران لوقف شحنات الأسلحة إلى الحوثيين كجزء من اتفاق سلام دقيقة، فإن مثل هذا الموقف سيكون بالفعل تطورا مهما. ومع ذلك، قد يكون من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت هذه مجرد تكهنات أو أكثر من مجرد تلميح من إيران إلى أنه في مرحلة ما في المستقبل، وشريطة أن يبدو أن السلام في اليمن يتقدم، فقد تكون على استعداد لوقف بعض شحنات الأسلحة الأكثر تقدما إلى اليمن على الأقل.
يبقى أن نرى دليلا على أسس سلام حقيقي في اليمن، ولا يزال من الممكن أن يحدث الكثير داخل اليمن وفي المنطقة الأوسع لإلقاء قطار سلام حسن النية عن مساره. ومع ذلك، يمكن لإيران، كحد أدنى، أن تضمن أن صواريخ الحوثيين لم تعد تهاجم أهدافا سعودية، وهو ما سيكون كافيا لإبرام اتفاق عدم اعتداء متبادل بين السعودية والحوثيين. مثل هذا الاتفاق يمكن أن يكون بمثابة حجر الزاوية لسلام أوسع في اليمن. بدلا من ذلك، إذا لم تتعاون الإمارات ولم يضغط السعوديون من أجل التوصل إلى اتفاق شامل، فإن مثل هذه الصفقة ستؤدي إلى تقسيم شبه دائم لليمن، مع تأمين كل من اللاعبين المتعددين المصالح الإقليمية و / أو الوطنية الضيقة، ولكن دون ضمان الفوائد الكاملة للسلام لشعب اليمن.
المصدر الرئيس
Yemen and the Saudi-Iran Rapprochement