في يومهم العالمي.. شعراءُ اليمن بين مطرقة الحرب وسندان الأزمات!
يمن مونيتور/من إفتخار عبده
يصادف الواحد والعشرون من مارس اليوم العالمي للشعر، في الوقت الذي يعيش فيه الشعراء في اليمن أجواء الحرب العصيبة والأزمات المتتالية.
وأثرت الحرب على نفسيات الشعراء ما جعل الإنتاج الأدبي مكسوا بالكثير من الأوجاع والمآسي؛ نتيجة لما يشهده الشعراء في واقعهم فينعكس ذلك على إنتاجهم الشعري بقصد أو بغير قصد.
وخلال سنوات الحرب ظهر العديد من المواهب في هذا المجال لكنها لم تلق من يحتضنها ويأخذ بيدها في تبني طباعة نتاجها الأدبي الزاخر؛ نتيجة لغياب الكثير من المؤسسات والاتحادات الأدبية.
شعراء يمنيون يؤكدون أن الحرب أثرت بشكل كبير على الإنتاج الأدبي بشكل عام والشعري بشكل خاص، وهذا التأثير من نواح كثيرة.
ويقول محمد إسماعيل الأبارة (شاعر يمني) “تأثر الشعر في اليمن كما تأثر كل شيء في الحياة العامة بسبب الحرب نظرا لغياب المؤسسات الرسمية تلك التي لم يعد لها وجود عملي على أرض الواقع”.
غياب أهم المؤسسات الأدبية
وأضاف الأبارة ل “يمن مونيتور” غاب اتحاد الأدباء والكتاب وهو أهم مؤسسة مدنية أدبية يمنية عربية، كان لها الفضل الكبير في إرساء دعائم الوحدة اليمنية وكان أقطابها الأوائل الذين تبوؤوا المناصب العليا في الاتحاد هم الذين وضعوا دستور الجمهورية اليمنية ومنهم الشاعر الكبير، الأديب المرحوم عمر الجاوي “.
وأردف” للأسف الشديد هذا الاتحاد الآن لا وجود لأي اعتمادات له، أعضاؤه وأمانته العامة مشتتة بين العواصم داخل اليمن سواء في عدن أو صنعاء أو خارج اليمن، متأثرين بهذه الحالة الاستثنائية من الحرب في اليمن التي لها وآلات سيئة جدا على المستوى الثقافي والفني “.
وذكر أن” اليمن كانت- على الرغم من شحت الإمكانات- تستضيف في السنوات الماضية فعاليات عديدة سواء محلية أو عربية وحتى دولية، ومن أهمها صنعاء عاصمة الثقافة في 2004 والآن لم تعد تعمل أي نشاطات ثقافية إلا من خلال المنظمين لها أنفسهم، من خلال مجهوداتهم الذاتية “.
وتابع” لا توجد المجلة الثقافية التي تعنى بنشر الثقافة اليمنية سواء على المستوى الوطني أو المستوى الأدبي، لكن هناك مؤسسات تهتم بذلك كمؤسسة أبجديات التنموية الثقافية التي تعمل بكل الإمكانات المتاحة لترسيخ الثقافة اليمنية “.
ووضح أن” الشعر موجودا حقيقة، وكما تقال المعاناة تولد الإبداع، وهناك إبداعات شبابية لجيل كبير من شعراء التسعينيات، ولكن هؤلاء لا تقدم إبداعاتهم بالشكل المطلوب إلا من رحم، ربي كالذي تسمح له الفرصة للخروج من اليمن كأن يتلقى دعوة للمشاركة في أي مهرجان عربي، وهذا الأمر نادر جدا “.
وبحسرة أشار الأبارة إلى أنه “للأسف الشديد حل محل اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين- هذه المؤسسة العظيمة- جمعيات ونقابات كثرت مسمياتها، جل من فيها من الشباب المتحمسين وقد لا يصل بعضهم لمستوى أن يكون شاعر أو أديب، مع أنه هناك شاعر بلا شك”.
وواصل “هذه مبادرات لا نقول إنها سيئة، هي بالتأكيد تحاول أن تسد الفراغ الذي تركه تشتت قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين رغم المحاذير، فهناك توجهات رسمية بإحلالها بمحل اتحاد الأدباء والكتاب”.
واختتم قائلا “رحم الله الوطن إذا لم ينقذه أبناؤه؛ فهذه مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الساسة في طرفي الصراع، فإذا تعافى الوطن من هذه الحرب وآثارها وعاد لأن يكون دولة موحدة يسودها النظام الجمهوري سيتعافى كل شيء؛ لأنه إذا عاد الوطن إلى الوطن ستعود الثقافة إلى الثقافة”.
في السياق ذاته يقول يحيى الحمادي (شاعر يمني) “الشعراء في زمن الحرب صنفان، شعراء غير مؤدلجين ظلوا يتأوهون لحالهم وحال البلد، إما صمتا أو نظما، وآخرين مؤدلجين انخرطوا في معمعة السياسة وتجاذباتها المقيتة”.
وأضاف “أولئك لم يتأثروا بما يعيشه الوطن والمواطن، أو يقيمون وزنا للمآلات التي ينتجها الصراع المحموم الذي انخرطوا فيه، في الوقت الذي كان يجب أن يغلبوا فيه المصلحة الوطنية الجامعة، ويعملون على توحيد الكلمة والموقف في وجه دعاة الفتنة والاحتراب”.
الشاعر مرآة لا تكذب
وأشار الحمادي في حديثه ل “يمن مونيتور” إلى أن “الشاعر مرآة لا تكذب، وهو إنما سمي شاعرا؛ لأنه يشعر بما يراه ويعايشه من واقع الناس، وفي أوقات الكوارث والحروب لا يستطيع الشاعر- مهما حاول- أن يخالف القاعدة التي يفرضها عليه واقعه، فحين تراق الدماء وتتطاير الأشلاء يصبح من الوقاحة أن يخرج الشعر بغير لون الرماد والدم، أو أن يخرج الشاعر متفاخرا بفحولته ونقاء بحوره”.
وأوضح أن “غياب المؤسسات والاتحادات الأدبية وتخليها عن دورها الوطني الفاعل، وانجرار بعضها إلى مربع الصراع، أدى إلى تعميق الشرخ، وتوسيع الفجوة الحاصلة في الوسط الأدبي”.
وأردف “هذا الانقسام بدوره أدى إلى انقسام الأدباء وتشتيت أصواتهم، كما شجع على العزلة والانطواء وعدم بروز الأقلام المؤثرة في المشهد، أما آفاق الشعر الواسعة فقد ملأها دخان وغبار الحرب، وحاصرها الواقع القاتم، ولم تعد صالحة إلا للرصاص والغربان”.
وتابع “لعل الحسنة الوحيدة التي أنتجتها الحرب وسنواتها العصيبة، هي أنها أظهرت العديد من المواهب الشابة التي يزخر بها المشهد الأدبي اليوم”
وواصل “لكن هذه المواهب التي نبتت في أجواء الحرب القاسية بحاجة ماسة إلى الالتفات إليها والاعتناء بها ودعمها قبل أن تجف ويسحقها الإهمال والتهميش، وذلك من خلال العمل على تشجيعها والأخذ بيدها إلى الأضواء، وتبني طباعة نتاجها الإبداعي الزاخر”.
بدوره يقول محمد الحالمي (شاعر يمني ونائب رئيس مؤسسة أبجديات التنموية) “: الشعر هو الشعر نفسه في أي زمان ومكان، ولكن إذا تحدثنا عنه في زمن الحرب فنحن نعرف أن الحروب لا تخلف للشاعر إلا الدمار على الجانبي النفسي والمعنوي”.
وأضاف الحالمي ل “يمن مونيتور” لا ننكر أن الكثير من المبدعين أثبتتهم المواقف والمآسي وأنتجوا شعرا يفوق الجمال، لكن لو نظرنا إلى بعض الشعراء سنجد أن منتوجهم الشعري ظل متعثرا بأحدث معينة جعلته حبيس تلك الأحداث “.
وأشار إلى أن” القارئ إذا حاول أن يعيد قراءة تلك النصوص في فترة أخرى لن يجد ذلك الزخم الذي وجده في فترة سابقة للنص ذاته، وهنا تكمن براعة الشعراء في توظيف الكلمات بما يجعل النص مناسبا لأي وقت “.
وبين أن” الشاعر المجيد هو من يحافظ على جودة ما يكتبه مستغلا ظروفه التي تمكنه من تجديد الخطاب الشعري وعدم الوقوع فيما لا يجعل النص متجددا “.
ووضح أن” عنصر الوجع أو الألم هو عنصر أساسي في كتابات الشاعر وهو ما يثير حفيظته في التعبير عنه بقالب شعري يلامس الوجدان، ويتحدث بلسان الكثير من الذين يعانون الألم نفسه، الذي وصفه الشاعر أو تحدث عنه؛ لهذا نجد الشاعر أكثر الناس تعبيرا عن مشاعره في الوقت الذي تمر به بعض الأوطان العربية من حروب وأوضاع معيشية صعبة “.
وأردف” لا يستطيع الشاعر إخفاء وجعه حتى وإن حاول بعض الشعراء أن يبثوا الأمل في أبياتهم، إلا أننا نجد أبياتهم مثخنة بالوجع والحزن؛ لأن الواقع المر الذي يعشيه الشاعر هو من يسيطر على مشاعره ويجعله يكتب بصورة مؤلمة “.
الانقسام السياسي
وتابع الحالمي حديثه ل “يمن مونيتور” الانقسام السياسي أثر بشكل كبير على الجانب الأدبي في اليمن، فالعوامل المؤثرة على ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه الشاعر بلا شك تؤثر فيه، وشعراء اليمن حديثا تأثروا بمدارس من سبقوهم نتيجة الانغلاق الفكري والثقافي بشكل عام لدى الكثير “.
أعمال أدبية هشة
وأوضح أنه” في السنوات الأخيرة وجدنا الساحة الأدبية ممتلئة بالكتب، ولكن أغلبها فارغة من المحتوى الجيد الذي تستحقه؛ فيما هناك الكثير ممن لم تظهر أعمالهم على الرغم من قوتها وجمالها، وهنا يأتي دور المؤسسات الثقافية والأدبية في تصحيح هذا المسار “.
وواصل” الأمر الذي يستحق الذكر هنا، هو أنه توجد مؤسسات غير ربحية تتبنى أعمال المبدعين كمؤسسة أبجديات التنموية الثقافية، التي تحاول على مدى سنوات أن تضع بصمتها وتساند بعض الكتاب لكي ترى أعمالهم الأدبية النور، ومن الضروري أن تعمل كل المؤسسات على هذا النحو في إظهار الكتاب الذين تستحق أعمالهم الأدبية أن تطبع “.
وشدد على ضرورة” أن يكون هناك ضوابط واضحة في كيفية إصدار هذه الأعمال الأدبية وفرز المواهب بشكل واسع، والعمل على تصحيح المسار الأدبي لمرتادي هذا المجال “.