لم يعرف التاريخ ثورة بهذا المستوى من اليُتم على الصعيد الدولي، كما هو حال الثورة السورية. ربما ينسحب ذلك على ربيع العرب عموما، وبالطبع لأنه يمثل تحوّلات تاريخية في منطقة حساسة للعالم أجمع.
لم يعرف التاريخ ثورة بهذا المستوى من اليُتم على الصعيد الدولي، كما هو حال الثورة السورية. ربما ينسحب ذلك على ربيع العرب عموما، وبالطبع لأنه يمثل تحوّلات تاريخية في منطقة حساسة للعالم أجمع.
كل القوى الدولية تقف ضد الثورة السورية بهذا القدر أو ذاك، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وإن وقفت ضدها بطريقة مواربة عنوانها كما قال مستشار سابق لأوباما؛ إطالة أمد الحرب، لأن النتيجة هي موت ودمار على حساب الشعب، الأمر الذي لا يعني الطاغية، ولا أسياده في طهران، فضلا عن موسكو.
في حلب مذبحة معلنة، بتوقيع بوتن وخامنئي والدمية القابع في جحره بدمشق، وبرعاية رسمية من أوباما، وبصمت من دول العالم خلا انتقادات خجولة عنوانها الحفاظ على الهدنة التي تحوّل المبعوث الدولي المكلف بإنجازها إلى مراقب يخبرنا يوميا بأعداد القتلى، بينما يكتفي آخرون بإبداء «القلق»!! ولا ننسى الدور القذر لقادة الأكراد الذين يتمرغون في أحلامهم الوهمية أيضا.
والمصيبة أن القوى الداعمة للثورة لا تبدو قادرة على الفعل الحقيقي؛ هي الواقعة عمليا بين معضلة العدوان، وبين معضلة تنظيم الدولة الذي أصبح استثمارا للنظام وحلفائه؛ يبررون من خلاله عدوانهم، من دون أن يعني ذلك عمالته لهم، فهو يملك قناعاته الخاصة التي لا تنتمي إلى لغة الواقع بتناقضاته الراهنة، بقدر انتمائها إلى لغة أحلام تتجاهل موازين القوى (ينطبق ذلك على جبهة النصرة أيضا، وإن كان احتمال تفاهمها مع الآخرين واردا في وقت لاحق)، رغم خسائر متوالية تؤكد أن الإيمان بالهدف والرؤية لا يكفي للنصر حين تكون الموازين مختلة بشكل سافر.
وفيما كان بوتن قد أعلن انسحابا من سوريا، فقد أثبتت الأحداث أنه لم يكن سوى انسحابا شكليا لا يغير كثيرا في طبيعة الوجود ولا الهدف، ولم يترتب عليه سوى قيام إيران بزيادة عديد قواتها، وإقحام الجيش في المعركة، الأمر الذي زاد من مأزق الثوار الذين لا يحصلون على ما يكفيهم من الدعم كي يواجهوا زخم الهجوم.
والمصيبة الأكبر التي يواجهها الثوار، هي ذاتها التي واجهوها طوال الوقت، ممثلة في الطيران. وهنا في حلب لا يقوم النظام وسيده الروسي سوى بالقتل والتدمير الذي يهدف إلى تهجير الناس، وحرمان الثوار من حاضنتهم الشعبية، فيما لا يزال الضغط الأميركي من أجل حرمانهم من مضادات الطيران قائما، وقدرة الداعمين على التمرد محدودة أيضا.
وفيما تبين أن الانسحاب الروسي لم يكن حقيقيا، فقد عادت الأحلام الأميركية باستنزافهم في سوريا، ومعهم إيران وجميع الفرقاء كما يريد نتنياهو.. عادت إلى الواقع من جديد، ما يعني أن قصة الهدنة لا قيمة لها على أرض الواقع، حتى لو رفضت واشنطن تصنيف «أحرار الشام»، و «جيش الإسلام» كمنظمتين إرهابيتين، لاسيَّما أن السيطرة في الشمال تتراوح في مناطق سيطرة الثوار بين تنظيم الدولة وبين جبهة النصرة، وكلاهما مستهدف من قبل الجميع أيضا.
كل ذلك لا يعني أن آمال الحسم التي تراود النظام وسيديه في موسكو وطهران قد باتت قاب قوسين أو أدنى، فالمعركة لا تزال طويلة، حتى لو سيطر النظام وأسياده على كامل التراب السوري.
إنه جنون إيران الذي لحقه جنون بوتن وعقده وأحقاده، وهو جنون لا طائل من ورائه، ولن يستقر هذا البلد، بل هذا الإقليم من دون أن تحصل الغالبية على حقها، وسيدرك القتلة ذلك عاجلا أم آجلا.
نقلا عن العرب القطرية