كتابات خاصة

سواعد البناء

أحمد الرافعي

للعامل اليمني وعيه الخاص الذي ينافس فيه النخب في إيمانه بالعمل وطرده لليأس؛ قابلت الكثير من العمال إبان انقلاب 21 سبتمبر 2014، وكنت أحس بالسكينة عند السماع لهم أكثر من الاحباط الذي يمنحه لك المثقفون في مجالسهم.

صعدت إلى صنعاء والتقيت بصديقي بعد غياب سنة، حدثني عن صاحبه الذي قضى في سجون الحوثيين سبعة أشهر، ثم خرج بعد أن نقدهم مليوني ريال، لكنه فقد وظيفته.
بل أن المؤسسة التي كان يعمل بها انسحبت من سوق العمل وغادرت اليمن وأضحى هذا اليمني بلا عمل.
يحكي لي صديقي كيف جاء إليه في مكان عمله بمشيته العرجاء، قال إن أثر التعذيب أثّر في مشيته، ولم يعد قادراً على الاستقامة بشكل دائم.
هذه صورة واقعية، وربما تكون صورة فيها بعض الليونة، لما أصاب العامل اليمني من فقدان الفرص والابتزاز بعد جائحة الحوثيين في 21 سبتمبر.
واقع رسمه الحوثيون بأدوات العنف في مناطق الصراع أو في المناطق التي تجنبت الصراع، لكن من بنيها من هاجر خوفاً من يد البطش الطائفية العمياء.
ماذا لو أن أحدهم يزودنا بإحصائية للآلاف الذين فقدوا وظائفهم وأعمالهم وأقفلت الحياة في وجههم أبوابها؟!
في (1 مايو) يحتفي العالم بعيد العمال، ونوثق نحن في اليمن مغامرات الحوثيين التي أصابت الاقتصاد اليمني في مقتل، وألقت بعمال اليمن في الشوارع!
والأنكى من ذلك صعود الحوثيين على أحلام البسطاء وطبقات الشعب الفقيرة، ونتذكر جميعاً كيف استعار عبد الملك الحوثي في خطاباته المفردات التي غازل فيها الطبقات الكادحة ليصل إلى أهدافه التي رمت بأحلام الشعب نحو الوراء.
الحوثيون لا يقدسون العمل ولا العمال، لا تحضر هذه الكلمة في خطابهم نحو جمهورها أو نحو الشعب. لا يحضر من الكلمات إلا الحرب و”المجاهدون” والبندقية والموت والدماء.
قال صديقي أيضاً بسخرية مريرة: إن مشروع “النهضة” الحوثي لليمن يلمسه المتابع بدرجة بالغة التكثيف في زواملهم (حنّ قلبي للجرامل والأوالي).. لن تجد في أدبيات الحوثيين مفردات مثل المنجل، أو الكريك، أو الفأس. هذه المصطلحات تشكل فضحاً للوعي العنصري والطائفي الذي يجيد الفرز والاحتقار وادعاء الأفضلية والاصطفاء..
للحوثيين مستشاريهم الذين سينبهون اللجنة الثورية أو ناشطيهم في الإعلام أن يولوا هذا الموضوع اهتماماً في خطاباتهم.. وسيقتبس محمد علي الحوثي كلمة لـ(ماركس) أو (أنجلز)، وسيظل الحوثي يحفظها طوال الليل ليلقيها اليوم في خطاب وفي الخلف منه لوحة قماشية مكتوب عليها ما ختم به ماركس اعلانه الشيوعي: (يا عمال العالم اتحدوا).
في مسيرة العامل اليمني ما يشهد له بالفضل على هذا البلد، هذا التفسير يجعلنا ندرك لِمَ يكره العامل الحروب وثقافتها؟، لأنها ببساطه تدمر إنجازاته.
للعامل اليمني وعيه الخاص الذي ينافس فيه النخب في إيمانه بالعمل وطرده لليأس؛ قابلت الكثير من العمال إبان انقلاب 21 سبتمبر 2014، وكنت أحس بالسكينة عند السماع لهم أكثر من الاحباط الذي يمنحه لك المثقفون في مجالسهم.
الاستمرار في التشييد والإنجاز يمنح العامل أخلاقيات البناء التي يحتاجها الشعب في هذه المرحلة الحساسة من عمره.
لعمال اليمن وردة تختصر اعترافنا بالجميل؛ وإيماننا بسواعدهم في معركة البناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى