يستدعي كثيرون ماضي تنظيم القاعدة حين يقللون من العملية العسكرية التي أجبرته على الانسحاب من مناطق سيطرته بعدن ولحج وحضرموت خلال الأيام الماضية.
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من محمد مراد
يستدعي كثيرون ماضي تنظيم القاعدة حين يقللون من العملية العسكرية التي أجبرته على الانسحاب من مناطق سيطرته بعدن ولحج وحضرموت خلال الأيام الماضية.
فالسيطرة على الأرض، من وجهة نظرهم، ليست إستراتيجية للتنظيم في الوقت الحالي، ووضعها في سياق النصر أو الهزيمة لا ينسجم مع ماضي التنظيم ومع ماضي حروب الدولة ضده، وبالتالي لا بد من اصطدام التوقعات المستقبلية المبنية على مثل هذه العمليات بواقع آخر.
ويستشهد هؤلاء بالعملية العسكرية الكبيرة التي أخرجت تنظيم القاعدة من محافظتي أبين وشبوة عام 2012م، وبعمليات التنظيم في الأعوام التي تلت خروجه من هاتين المحافظتين، حيث تقول لغة الأرقام إنه نفذ، خلال عامي 2013 ـ 2014م، عددا كبيرا من العمليات في مختلف محافظات الجمهورية.
وبرغم أن هذا التحليل دقيق، بالنظر إلى ماضي تنظيم القاعدة، إلا أنه ليس كذلك بالنظر إلى حاضره، وبالنظر كذلك إلى المستجدات التي شهدها العامان الأخيران.
فخلال العامين الأخيرين ظهرت نسخة جديدة من التنظيم، تتسم بالاعتدال والمرونة، كما إن لها أولويات وأهداف مختلفة.
ومن المهم الإشارة هنا إلى نموذجين، قديم وحديث، لتوضيح هذه النقطة.
في 882014م أوقف مسلحون من تنظيم القاعدة حافلة نقل جماعية بوادي حضرموت، واقتادوا 14 جنديا إلى “حوطة الحبيب زين” ثم أعدموهم، رميا بالرصاص، وذبحا بالسكاكين، على طريقة الدولة الإسلامية، قبل أن تصبح طريقة الدولة، بالنسبة إلى التنظيم، مخالفة للفطرة السليمة، وقبل أن يصبح قتل الجنود من الفساد في الأرض.
ولم تكن هذه هي العملية الوحيدة التي نفذها التنظيم بحق جنود يمنيين، لمجرد أنهم جنود في مؤسسة عسكرية تتبع نظاما كانوا يتهمونه بالتواطؤ مع جماعة الحوثي وبالعمالة لأمريكا، فخلال العام 2014م نفذ تنظيم القاعدة عددا كبيرا من العمليات ضد منتسبين للأجهزة الأمنية والعسكرية في معظم المحافظات اليمنية.
وفي 942016م أقدم قاطع طريق في مديرية “أحور” بمحافظة أبين، جنوبي اليمن، على قتل 19 جنديا كانوا في طريقهم إلى محافظة المهرة لاستلام رواتبهم.
وبرغم أن عملية قاطع الطريق “علي عقيل” في أحور عام 2016م لا تختلف في شيء عن عملية “جلال بلعيدي المرقشي” في وادي حضرموت عام 2014م، إلا أن تنظيم القاعدة سارع إلى إصدار بيان نفى فيه صلته بعملية أحور واعتبرها من الفساد في الأرض.
وإذا كان التنظيم قد بذل جهدا كبيرا في سبيل الانقلاب على ماضيه، بعد خلافه مع تنظيم الدولة الإسلامية، وخسر عددا من أعضائه لصالح الأخير نتيجة لذلك، فإن كلفة العودة إلى الماضي ذاته ستكون أكبر بكثير، إن كانت العودة ممكنة.
وإلى جانب أن التغيُّر الذي طرأ على التنظيم يحول بينه وبين العودة إلى ماضية، هناك متغيرات شهدها جنوب اليمن تحول بينه وبين ذلك أيضا.
ففي السابق كان تنظيم القاعدة يستهدف قوات الجيش والأمن التي يعتبرها الجنوبيون “قوات احتلال”، ويعتقدون أن عمليات كهذه تصب في صالح قضيتهم، وإن لم يتفقوا مع التنظيم في شيء، غير أن الأمر اختلف تماما اليوم، بعد أن أسندت مهمة الحرب على الإرهاب إلى قوات جنوبية خالصة، وبعد أن شعر الجنوبيون أنهم أقرب إلى تحقيق هدفهم، عبر انفصال صريح أو يمن اتحادي من إقليمين.
والخلاصة هي أن تنظيم القاعدة يجد نفسه اليوم في الجنوب بلا أرض، وبلا حاضن شعبي، وعلى موعد مع نهاية قد لا تتأخر كثيرا.