كتابات خاصة

عن السلام الكاذب

أحمد الرافعي

يريد الحوثيون الذي سلبوا الدولة واختطفوا القرار السياسي ومارسوا عمليات السطو على مقدرات وممتلكات المؤسسات الحكومية، أن يسلبوا منا فهمنا السليم لبعض المصطلحات. يريد الحوثيون الذي سلبوا الدولة واختطفوا القرار السياسي ومارسوا عمليات السطو على مقدرات وممتلكات المؤسسات الحكومية، أن يسلبوا منا فهمنا السليم لبعض المصطلحات وانزالها بالشكل الصحيح واسقاطها على كل الممارسات التي تحصل على أرض الواقع لنكتشف الزيف من الهدى.
ما هو السلام؟
علينا أن نتذكر أن السلام مصطلح مشترك، أي أن مفهومه يتأسس في التصورات والواقع على اشتراك الناس في صياغته والاتفاق حول دلالاته.
وليس على تحيزات كل طرف يفسر المصطلحات بالطريقة التي تحلو له (ومنها السلام).
تتبع اطروحات اعلام الحوثي لتكتشف انه يعني بالسلام (الهدوء). تحالف الحوثيون وصالح يريدون لجماعتهم الهدوء. في مناطق نفوذهم بالقوة.
لكن هل كل هدوء سلام؟!
هل الهدوء الذي في الخارج يعني بشكل دائم السلام، أليس هذا الهدوء ربما تلحقه العواصف العاتية.
حالة الغليان التي تسكن البيوت لا تنبئ بأن هذا الهدوء مستمر.
 يدرك الحوثيون ذلك وقد وصلتهم هذه الرسالة مرارا وتكراراً، وليس عيشهم القلق وتحركاتهم المليئة بالخوف والحذر إلا ادراكا منهم أن الهدوء لا يعني بأي حال، السلام.
أعود إلى الفكرة المحورية في هذا المقال، وهي ان السلام باعتباره مطلباً اجتماعياً في حقيقته، وانه من المفاهيم المشتركة التي تحتاج إلى توافق من فئات المجتمع المختلفة في تحديد مفاهيمها والتجسيد العملي لها في الواقع..
يبدأ الناس في الحديث عن الحقوق والحريات التي لا تسقط في شرائع الأرض ولا في أعراف المجتمع، يبدأ المجتمع في تحديد صيغة تعاقدية بينهم وبعضهم وبينهم وبين الحاكم، إدراكاً منهم أن الحقوق والحريات هي مقدمة لنتيجة طبيعية وهي السلام.
السلام الذي يعني قبل كل شيء السلام الداخلي، داخل كل فئات المجتمع، هذا السلام الذي يزرعه في النفوس يقينهم أن حقوقهم محفوظة وأن حرياتهم مصونة، وأن هذا الحاكم معني بالدرجة الأولى بحفظ كرامتهم الانسانية وعيشهم الحر والكريم.
هل تقبل أم أو زوجة مختطف بتفسير الحوثيين للسلام؟!
هل يقبل الاكفاء وهم يرون “الهاشمية السياسية” تتربع على كراسي الوظائف العامة دون معيار سوى معيار إنه ينتمي إلى الهاشميين!!
تحت أي بنود السلام نضع حالة اللصوصية التي تمارس في الواقع اليمني من تحالف الحوافيش؟
لا تجعلك ممارسات الحوثيين تصل إلى قناعه مفادها أنهم يريدون السلام؛ بل إن تصرفات الحوثيين ومغامراتهم الطائشة واستخفافهم بغضب الجماهير تجعلك تدرك أنهم يؤسسون لحالة من الثورة الدائمة وليس السلام الدائم.
عندما قال أحد اتباع عمر لعمر: (حكمت فعدلت فأمنت فنمت)، كان يضع الموازين الصحيحة التي ينبغي للحاكم اتباعها حين يريد أن يحقق السلام في ربوع شعبه.
يحرص الحوثيون على رفع الأعلام الخضراء في ميلاد النبي، كنوع من التقدير لجهوده وسيرته ويرفعون الرايات السوداء لذكرى استشهاد حفيده الحسين..
كانت دعوة النبي في معناها التجريدي ثورة، وكذلك حركة الإمام الحسين أيضاً ثورة.
ما الذي يعنيه ذلك؟
يعني ذلك أن بنية العقل الحوثي قائمة على تقديس الثورة والتضحية والفداء في سبيل انتزاع الحقوق.. هذا العقل الذي من مدخلاته التراث الشيعي القائم على تمجيد الثورة بل وتغييب كل الأصوات التي نادت بالسلام والإصلاح.. وهذا الأمر تدركه من ملاحظتك لاحتفاء الحوثيين بحركة الإمام الحسين وامتعاضهم من تصرف الإمام الحسن رضي الله عنهما.
بل كان الأولى، والمنطق كذلك، أن يحجم الإمام علي رضي الله عنه عن الدفاع عن حقه وأن يؤثر السلام!!
كان الأولى أن لا تحصل حروب في صعدة لسنوات أو أنه لا داعي للدخول في ثورة فبراير ومن باب أولى ألا يتصدر الحوثيون انقلاب 21 سبتمبر 2014..
الحوثيون يدركون أنهم يسوّقون مفهوم السلام للحصول على مكسب سياسي يدعم فترة حكمهم واستحواذهم بالقوة على مناطق متفرقة في اليمن؛ ولذلك يصح القول هنا إن مفهوم السلام الذي يريده الحوثيون منا ويحاولون تسويقه في بعض المدن التي مازالت تحت احتلالهم.. فيما هم أبعد الناس عن ممارسته وفق منطقهم هم وأفكارهم!!
حارب اسبينوزا في رسالته الشهيرة (رسالة اللاهوت والسياسة) فكرة السلام الذي هو في الحقيقة الوجه الآخر للعبودية، وقال إن الحاكم الذي يقمع الحريات ويتسيد على رعيته يصبح السلام عنده قرين للعبودية.
ماذا يعني السلام في خطابات الحوافيش؟
يعني القبول بما هو موجود.
الصمت حيال كل انتهاك.
أن تمشي الجموع مذعنة، لا تنظر أعلى من قدميها.
من الذي ينعم بالسلام اليوم في هذه المدن المحتلة سوى اللصوص والبرابرة؟!
القيد والسجن والدمار والامتهان والذل والعنف كلها تقود إلى السلام!
ألا قاتل الله السلام إن كانت هذه مقدماته..
أي سلام وشاصات العصابة تلاحقك في كل الأمكنة؟!!
تحصي أنفاسك، وتتبع آثارك وتقبض عليك في أي شارع، لتغيبك في سجونها ردحاً من الزمن..
في المدن المحتلة التي يكثر فيها الحديث عن ارادة السلام ومنها (إب)، يختبئ الأنين في قلوب المكلومين، ويسمع العالم كل يوم حكايانا المخلوطة بالأسى..
وتطلع صباحاتنا كل يوم على فاجعة..
يتناقل أبناء إب المحتلة عن (أبو حمزة)، الذي كان نائباً عن الحوثي في الأمن السياسي في المدينة أنه جمع من المختطفين من أبناء إب مبلغ (275) مليون ريال!
يتندرون في مجالسهم أيضاً: إنه اشترى فيلا في مدينة صنعاء مكتوب على حجر مرصوف في مقدمة البوابة عبارة (هذا من فضل مدينة السلام).
إب.. مدينة اللا سلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى