في أوائل ثمانينيات القرن الماضي استطاعت السفارة الإيرانية في صنعاء أن تتواصل مع بعض الشباب اليمني المتحمس وأمدتهم – عبر بعض المطبوعات – بروح ثورية على نمطها الخاص، فأقاموا أنشطة ذات طابع دعوي سياسي، وتعرضوا على أثرها للسجن والملاحقة، وضيقت عليهم المؤسسات الأمنية، ولكنهم ظلوا يمارسون نشاطهم كيفما كان وبأي مقدار ممكن. علاقة الإيرانيين بالتيارات الدينة والسياسة
في أوائل ثمانينيات القرن الماضي استطاعت السفارة الإيرانية في صنعاء أن تتواصل مع بعض الشباب اليمني المتحمس وأمدتهم – عبر بعض المطبوعات – بروح ثورية على نمطها الخاص، فأقاموا أنشطة ذات طابع دعوي سياسي، وتعرضوا على أثرها للسجن والملاحقة، وضيقت عليهم المؤسسات الأمنية، ولكنهم ظلوا يمارسون نشاطهم كيفما كان وبأي مقدار ممكن.
وفي احتفالات الذكرى الثامنة للثورة الإسلامية عام 1986م، تمكنت السفارة الإيرانية من التواصل مع بعض الشخصيات الدينية والقبلية، وقدّمت دعوات للمشاركة في طهران ذهب بموجبها مجموعة من طلاب المدارس الدينية إلى إيران، وهنالك أُعجب الشباب بما شهدوا من نشاط ديني وثقافي من خلال إقامة المدارس والمراكز البحثية المتخصصة، فضلاً عن إقامة الشعائر والمناسبات الدينية التي تجتمع فيها الجماهير ليسهل فيها شدهم عاطفياً نحو الخصوصية المذهبية.
وأخذ الشباب الضيوف يفكرون في كيفية نقل ما أمكن من شَكْل التَّجربة إلى اليمن، مع استبعاد المحتوى الفكري والثقافي المخالف لما عند الزيدية، والإبقاء على ما يبدو أنه مشترك في الجملة، ووجدوا أن المتاح حينها هو تشجيع أكبر عدد من الشباب على الالتحاق بحلقات الدروس الدينية التي كانت تقام في بعض المساجد، إذ لم يكن لدى الزيود مدارس ولا مراكز خاصة، كغيرهم من التوجهات المذهبية الأخرى.
وفي تلك الفترة نشطت السفارة الإيرانية في صنعاء ومحيطها، وتحركت ميدانيا تجاه صعدة والجوف وبعض مناطق مارب، وهو ما لفت نظر الدولة، فنفذت عام 1987م حملة ملاحقات واعتقالات أودع على أثرها مجموعة من الناشطين السجون.
وفي تصنيفهم أرتبك الإيرانيون أمام تعدد الجماعات واختلافها، وتفاوت مستوى نفوذها وتأثيرها، فضلاً عن المجالات التي يمكن التعاون معهم فيها، مما جعلهم يتعاملون مع الوسط الزيدي في اليمن على أنهم ثلاثة تشكيلات:
1 ـ الدارسين في الفكر الزيدي والمدركين للفروق بينه وبين المذهب الإمامي الاثني عشري، لم يكن لديهم مانع لتكوين علاقة مع إيران على أن يكون الغرض منها دعم الجانب الثقافي والفكري، وبعيداً عن الأغراض السياسية، وأن تقوم العلاقة على مبدأ الحفاظ على المذهب الزيدي ودعمه كما هو، دون تمييعه في المذهب الاثني عشري، والتأثير على المنتمين إليه بحكم التفوق في الإمكانات. بيد أن الإيرانيين سواء في المؤسسة الرسمية، أو الدينية لم يتحمسوا لهذا المسار ولم يتفاعلوا معه، رغم الوعود التي كانوا يقدمونها، ولعل سبب ذلك ما أدركوا من وسطية هذا المسار؛ التي لن تسمح له بالانجرار خلف مشروعهم الجيوسياسي الخاص.
2 . العوام والمتحمسون لمجمل التشيع، ممن يمكن تشكيل ثقافتهم وإفراغها في قالب شيعي اثني عشري، أو الدفع بهم نحو المدرسة الجارودية التي تتفق مع الامامية في بعض المسائل السياسية الدينية الحساسة. وهؤلاء تركوا للمؤسسة الدينية تتولى ترتيب العلاقة معه، فاستقدمت شبابا للدراسة في إيران، وأسست لهم في فترات الهدوء السياسي مع اليمن مراكز ثقافية وحسينيات يمارسون فيها انشطتهم الخاصة، واليوم بات أكثرهم مقيمين في إيران بعد أن أصبحوا جزء من الاثني عشرية وتنكروا للزيدية وأوغلوا في نقدها.
3 . خليط من المثقفين ورجال الدين المهتمين بشأن السياسة المعجبين بالتجربة الإيرانية في الحكم، بصرف النظر عن التفاصيل المذهبية والرؤى الدينية، وهذا ما وجدت فيه المؤسسة الرسمية الإيرانية غرضها إلى حد ما.
أما الأحزاب السياسية فقد صُنفت ثلاثة أحزاب المعترف بها رسمياً على أنها موالية لإيران وهي: «حزب الحق، وحزب العمل الإسلامي، وحزب اتحاد القوى الشعبية»، لصلتها بالزيدية.
فأما حزب اتحاد القوي الشعبية، فيعتبره مؤسسوه – من آل الوزير – امتدادا لثورة 1948م على الإمام يحيى حميد الدين، بزعامة الامير عبد الله بن علي الوزير، وهو أبعد الاحزاب الثلاثة عن الاصطفاف إلى الجانب الإيراني وأكثرها انفتاحاً، وأوسعها رؤية.
أما حزب العمل الإسلامي فبقي خارج المشاركة السياسية الرسمية، واقتصر على نشاط إعلامي وثقافي، وطد فيها العلاقة مع بعض المؤسسات في إيران، والتحقت بعض كوادره بالدراسة في «قم» وتحولت إلى المذهب الاثني عشري، ثم تلاشى الحزب ولم يعد له صوت يسمع، إلا من خلال صحيفة «البلاغ» الناطقة باسمه.
وأما حزب الحق فقد كان الأوسع شعبية، وقد استطاع أن يدخل برلمان بعد أول انتخابات بعد الوحدة بممثلين أحدهما: حسين بد الدين الحوثي، والآخر عبد الله عيضة الرزامي، ولم يخف تطلعه إلى علاقة جيدة مع إيران، كما كان يظهر من أنشطته الثقافية والسياسية والاعلامية.
وفي انتخابات التالية عام 1997م لم يتمكن من العبور إلى البرلمان نتيجة تخلخله من الداخل، واستقالة كثير من كوادر الشباب المؤمن عنه، وبقي حيا من خلال صحيفة «الأمة» الناطقة باسمه حتى صمتت هي أيضا، وظهر الخلاف بين قياداته، وأدخل ضمن تكتل «اللقاء المشترك»، وتمثل في حكومة الوفاق بعد احتجاجات 2011م بوزير واحد.