باتت خطورة اليمن اليوم على من حوله في ضعف دولته واستمرار تضعضعها، وليس في قوته، ففي تفككه وتشرذمه خطورة على اليمنيين أنفسهم، فانقسامه إلى أكثر من كيان، أو عودته إلى ما قبل عام 1990م، إنما هو اعلان مستمر للحروب. باتت خطورة اليمن اليوم على من حوله في ضعف دولته واستمرار تضعضعها، وليس في قوته، ففي تفككه وتشرذمه خطورة على اليمنيين أنفسهم، فانقسامه إلى أكثر من كيان، أو عودته إلى ما قبل عام 1990م، إنما هو اعلان مستمر للحروب، سواء داخل كل جزء بمفرده، أو فيما بينهما، ولنا في الصراعات التي نشبت بين الشطرين في السابق تجربة شاهدة وآثارها المأساوية ما زالت ماثلة في ذاكرة المجتمع.
ومن ناحية ثانية يشكل خطورة على استقرار المحيط الإقليمي والدولي، وأي توجهات سياسية من قبل قوى إقليمية أو دولية لإنهاكه وتمزيقه، فإن الغاية منها هي استهداف الأمن القومي للمنطقة وزعزعته تمهيدا لضرب تماسك بقية دول الجزيرة العربية، كما أن ترتيب أوضاع اليمن وتطبيعها دون إصلاح جذر الخلل التاريخي في منظومة السلطة والحكم لن يعمل إلا على تدوير الصراعات داخلها.
ما جرى ويجري اليوم من حروب واقتتال هو نتيجة للطريقة التي أدار بها النظام السابق البلاد، والقائمة على هيمنة مركز واحد وتهميش بقية المناطق، فتركيز السلطة في جزء معين دون أن تشعر بقية الأجزاء بأنها ممثلة في السلطة ومشاركة في الثروة لن تكون نتيجته سوى خروج بقية المناطق على هيمنة المركز أيا كان موقعه.
وفي بلد كاليمن تتعدد فيه المراكز، فإن عدم الاعتراف لها بدور حقيقي في الحكم هو أحد محركات الصراع والتمرد على السلطة المركزية، ومن الخطورة أن يتم هذا الاعتراف على قاعدة ذات خصوصية مناطقية أو دينية، لأن ذلك سيدشن لحروب مجتمعية على أسس قبلية ومذهبية يصعب اخمادها مستقبلا وتفادي حصرها وعدم انتقال عدواها إلى محيطها وجوارها.
خلال العقود المنصرمة تم الترويج لبعض المقولات المعلبة في قراءة التوازنات السياسية بين المملكة العربية السعودية واليمن، وتتمثل بأن قوة الأولى في ضعف الثانية، والعكس، بينما أثبتت الأحداث الجارية في البلاد العربية عقم هذه المقولات التي كان الهدف منها تعزيز انشغال العرب بصراعاتهم الداخلية، واضعاف قوتهم وتماسكهم لصالح أهداف وأجندات تخدم الطامعين في السيطرة على المنطقة وتهديد استقرار بلدانها.
فزيارة الملك السعودي لمصر وما نتج عنها من توقيع اتفاقيات اقتصادية تشير إلى الحقيقة التي باتت قوى النظام العربي تدركها اليوم والمتمثلة باستحالة تحمل دولة بمفردها صيانة الأمن القومي، سواء كانت المملكة أو مصر، كما أثبتت وقائع العقد المنصرم بأن ضعف دول المشرق العربي لم تكن نتيجته ضمان أمن بقية الدول العربية، بقدر ما عزز من قوة ونفوذ أعدائها.
في هذه اللحظة التاريخية التي يمر مستقبل العرب ويتشكل مصير دوله عبرها فإنه يجدر الانتباه إلى أن اليمن وإن تجزأت إلى كيانات متعددة، وأصبح لكل منطقة رئيس أو إمام أو أمير أو سلطان، فإن المجتمع كان يدرك أن دائرة مصالحه لا تكتمل إلا بالتكامل بين جميع مناطقه واجزاءه الجغرافية، وأن اتحاده تحت راية واحدة هو الضامن الحقيقي للاستقرار، ومن الخطأ ظن البعض حصول أي استقرار داخل البلاد في ظل التجزأة.
إن تفكك اليمن في هذه المرحلة هو بداية لانتقال عدواها إلى محيطها الإقليمي، في الوقت الذي تمتلك فيه تجربة تمتد لثلاثة ألاف عام في خوض الصراعات على استعادة الدولة واتحادها تحت راية واحدة كما حصل في فترات تاريخية كثيرة، بينما يصعب عودة بعض الدول العربية الأخرى إذا وقع لها ذلك.
وأخيرا يعلمنا التاريخ أن اليمن في فترات القوة والازدهار كان ذلك ينعكس ايجابا على المناطق من حولها وخارجها، ولم يعرف انها كانت دولة فتوحات حربية أو توسعية نحو الخارج، وقد اضطرت اليمن في فترة تاريخية للخروج ليس بهدف السيطرة وانما للتصدي لهجمات البدو وغزواتهم، والحيلولة دون عبثهم في مناطق الاستقرار والحضر، وتأمين خطوط التجارة وقوافلها.