من تمزيق الحجاب إلى ترديد مرگ بر خامنئي (الموت لخامنئي)، من الواضح أن المتظاهرين في إيران تم تمكينهم عاطفيًا للتمرد من خلال مخزون من شعارات ورموز معارضة لنظام الحالي. وعلى الرغم من استمرار التعبئة في مناطق الأطراف مثل مناطق الأكراد وبلوشستان، فقد ساد الشهر الماضي هدوء في الإضرابات والمظاهرات في مدن مهمة مثل العاصمة طهران والمراكز الدينية مثل مشهد وقم، وهذا لأن الحركات المستدامة مبنية على أكثر من مجرد السلوك العاطفي للتظاهر الثوري لدى المنتفضون.
في الواقع، تعتبر الموارد والتشبيك عوامل حاسمة في بناء تحديات مستدامة للوضع الراهن، حتى الآن يبدو أن المحتجين يتمتعون بدعم محدود من الجهات الأكثر رسوخا والتي تمتلك موارد داخل المدن المذكورة، مثل تجار البازار (أصحاب متاجر السوق التقليدي في إيران) وطبقة رجال الدين.
في أوائل ديسمبر، شارك البازاريون في العديد من المدن الإيرانية وعلى الأخص في طهران، في إضراب عام استمر ثلاثة أيام، ومع ذلك ورغم إظهار التضامن بسبب السخط من الحكومة، فإن الدعم الكامل المشابه لذلك الذي قدمه البازاريون لرجال الدين الخمينيين خلال الثورة الإيرانية (1978-9) لم يكن متوقعا، واليوم يعاني المحتجون من صعوبات في تأمين ملاذات آمنة، ومساحات تعبئة فعالة، ومصادر ثابتة للدعم المالي للحركة، وهذه أمور يمكن أن توفرها البازارات.
انتقد عدد من شخصيات الحوزة في قم قرار القضاء بإعدام بعض المشاركين في الاحتجاجات، ولكن تعهدات بدعم حركة الاحتجاجات من مدارس قم ومشهد – وهي تشكل قلب القاعدة الرمزية للنظام – لم تظهر، من الممكن أن يقلب التحول في ولاء هؤلاء المد الأيديولوجي لصالح الحركة، ولكن هناك عقبات كبيرة أمام تحقيق هذا التوسع في شبكة الحركة.
يضم البازاريين ورجال الدين تحالفٌ استراتيجي وتاريخي عميق يعود تاريخه إلى ما قبل الثورة الإيرانية، لعب المسجد والبازار اللذان أطلق عليهما اسم “التوأم الذي لا ينفصل” دوراً مشتركاً مهماً في الثورة الدستورية 1905-1911، وانقلاب 1953، وانتفاضة 1963، والثورة الإيرانية 1978-9، أتت شراكتهما المستمرة في المقام الأول نتيجة التهديدات المشتركة التي واجهتهما، واليوم تلعب أولوية البقاء أيضا دورا في تفكير رجال الدين بالحوزة، إذ قد يثير الطابع العلماني الحاد لمطالب حركة الاحتجاجات الحالية المخاوف بشأن بقاء الحوزة في إيران في مرحلة ما بعد الحركة بين رجال الدين الذين لم يقتنعوا بالحركة حتى هذه اللحظة، لذلك من غير المحتمل أن يعارض البازاريون ورجال الدين النظام لأجل مستقبل غير مضمون.
الذي يمكن أن يحفز تحول ولاء البازاريين ورجال الدين لصالح الانتفاضة هي قدرة الحركة على إنتاج قادة مؤدلجين قادرين على بناء رؤية موحدة للحكومة الإيرانية والدور المستقبلي لهذه الجماعات التاريخية خارج نظام ولاية الفقيه.
لتحقيق اللازم لخلق صورة نظام جديد يشمل هاتين الفئتين، إذا تم إعداد قادة مؤدلجين للحركة سيكونون ملزمين بالاعتراف والترويج للدور المهم الذي سيؤديه البازاريون في اقتصاد إيران في المستقبل، وفيما يتعلق بمجموعة رجال الدين سيتحتم إجراء تسوية سليمة فقهياً للحوزة (كي لا يخسروا مشروعيتهم الدينية) فيما يتعلق بصلاحيات السياسية لرجال الدين في النظام السياسي القادم، وبهذا الصدد يمكن الاستفادة من نموذج حوزة النجف العراقية، المتمثل في إرشاد السيد علي السيستاني لرجال الدين بالابتعاد عن مناصب ذات مسؤوليه إدارية وتنفيذية في الدولة، ولكن هذا الموقف ايضاً يعني لا يزال يستلزم درجة من الوكالة للحوزة لمتابعة واجباتها ومبادراتها الدينية والمجتمعية، مثل الحفاظ على الاضرحة، وجمع الاخماس، والقيام بالأعمال الخيرية، وتقديم دروس دينية في الحوزة.
خلاصة القول، يعتمد نجاح الاحتجاجات على إمكانية رسم رؤية محددة المعالم لمستقبل إيران حيث يمكن لجميع المجموعات التاريخية أن تتخيل مكانها ومكانتها في المستقبل المطروح، وهذا يمكن توضيحه بما ذهب إليه الكاتب تشارلز كورزمان في كتابه المؤثر “الثورة غير المتوقعة في إيران”، الذي يجادل فيه أن السبب الجوهري لنجاح ثورة 1978-9 هو تصور “بديل قابل للتطبيق” لمَلكية الشاه، وفي الحاضر، قد يعتمد بقاء حركة الاحتجاجات الحالية في طهران ومشهد وقم على قدرتها أيضًا على توفير تصور لنظام بديل لولاية الفقيه.
**نشر في صدى كارنيجي.
*علي الصايغ مرشح للدكتوراه في تخصص سياسات الشرق الأوسط بمعهد الدراسات العربية والاسلامية في جامعة إكستر، يركز عمله الأكاديمي على تطوير نظرية ريادة أعمال العواطف في التعبئة السياسية.