يعيش مواطنون ينتمون إلى مناطق متفرقة غرب تعز اليمنية, خوفاً يومياً من تجدد المعارك, وإمطارهم بالقذائف ومنازلهم, التي قد تقيهم البرد والحر, وأشياء أخرى غير الصواريخ والبارود, الذي أصبح زائراً يومياً لا بد منه.
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من عمار زعبل
يعيش مواطنون ينتمون إلى مناطق متفرقة غرب تعز اليمنية, خوفاً يومياً من تجدد المعارك, وإمطارهم بالقذائف ومنازلهم, التي قد تقيهم البرد والحر, وأشياء أخرى غير الصواريخ والبارود, الذي أصبح زائراً يومياً لا بد منه.
خوف آخر يؤرق مضاجع الأهالي, صغاراً وكباراً, خصوصاً الرعاة والمزارعين, الذين هجروا مزارعهم ومصالحهم منذ اندلاع المواجهات, ودخول الحرب نفقاً أكثر دموية, بعد أن عمد المسلحين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق, بعمل مزارع ألغام في أودية وشعاب كانت تعد من أغزر الأودية ماء وخضرة, وإنتاجاً للفواكه والخضروات والحبوب.
“الضباب” في أجزاء كبيرة منه يتبع إداريا مديرية صبر الموادم, يمتد في شريان من الجمال والحياة إلى مناطق ذات شعاب وأودية ومرتفعات خلابة بمحاذاة جبل حبشي المترامي الأطراف, أصبح غولاً يلتهم كل قادم إليه, فهو كما يقول الأهالي: “الداخل إليه مفقود, والخارج منه مولود”
17 مواطنا قضوا بالألغام منهم 3 أطفال منذ بداية أبريل الحالي لينضم إليهم 5 قتلى و6 جرحى في انفجار لغم بحافلة ركاب أمس السبت بمنطقة ميلات خط الربيعي الضباب, غرب تعز.
آلات حربية بدلاً عن الحراثات
مواطنون يتحسرون ويتأوهون على أرضهم التي أصبحت بعيدة عنهم, ينظرون إليها عن بعد, وكأنها شبح يأبى أن يغيب, وأن يأتي في الوقت نفسه, قالوا في إطار حديثهم مع “يمن مونتيور” إن أكثر ما يحزّ فيهم أن أرضهم أصبحت بوراً, غمرتها الأمطار هذا العام, لكن لم تزرها الحراثات وأقدامهم المتشوقة لها, فقد سبقتهم آلات حربية وأخرى زرعت الموت على شكل ألغام فردية ومتفجرات أخرى لم تعهد لها اليمن مثيلاً من قبل.
همام هزاع, أحد من التقينا بهم, أشار إلى أن أغلب السكان نزحوا عن مناطق التماس, وهو مطلوب تماماً, لكن أن المليشيا حد وصفه, لم تكتف بذلك, بل عمدت إلى أن تجعل من الأودية والشعاب كلها ملغومة, ومزروعة بالمتفجرات, حتى لا تتقدم نحوها قوات المقاومة التي ترابط في جهات أخرى مقابلة.
ممنوع الاقتراب
وعدد همام لـ”يمن مونتيور” أسماء المناطق والأدوية, التي غدت مهجورة خوفاً من انفجار الألغام وملحقاتها بالمواطنين, الذي صار حالهم مدعاة للرثاء, بين التشريد, والقتال والمقاومة, بعد أن أغلقت كل الأبواب أمامهم, وهي “وادي أصنج, والهرامية, وميلات, والمقهاية, وشعب مجانب, وماتع, والنجود والبسيفا” وغيرها التي تكررت فيها حوادث الانفجارات والموت.
مناطق ممنوع الاقتراب منها, لكن دون إشارات أو لوحات تنبيهية لذلك, ما زالت الحرب لما تنته, وفي الموت بقية في “ميلات وما جاورها, واد كامل, يعد من أكبر الأدوية في المنطقة, أصبح محظوراً المرور فيه, أو حتى النزول إليه, أبناء المنطقة يحذرون بعضهم البعض في ذلك, أما الحوثيون وقوات صالح لا يعملون على التحذير والتنبيه كما يقول الأهالي..
لا تحذيرات
الأمر نفسه في الجانب الآخر, رجال المقاومة لا يهمهم الأمر كما يقول, منصور الجبزي, فلا تحذيرات ولا وجود لفريق ألغام إلى اللحظة, في منطقة الضباب, وجبهاتها المختلفة, حتى التوعية غائبة ولا وجود لها بالمرة, ويضيف لـ”يمن مونتيور”” إن ما يمكن أن تعمله المقاومة أحياناً أن تعمل على نقل المصابين إلى المشافي أو دفن الجثث في المقابر, ولا شيء غير ذلك.
ويرى أن ما ينقص المقاومة والجيش الوطني هي الفرق المدربة, التي يجب أن تتعامل مع الألغام ومع الناس أنفسهم, وتحاول أن تخفف عنهم الآلام والأحزان من كل ما يجدوه, وقد فقدوا أحبائهم وما امتلكوه طيلة سنين من التعب.. وحين ينفجر لغم بأحدهم, لا تجد سوى اللوم والتقريع من باب, ما الذي دفعه إلى الذهاب إلى هناك, وماذا يريد, ولم لاى يجذر, وكيف يحذر وقد وقع الفاس في الرأس, وصارت الحرب هي القدر الوحيد على كل المنطقة, أما تخفيف آلامها, فلا يوجد إلى الان حسب تعبيره.
في مطلع “أبريل” انفجر لغم في منطقة “البسيفا”.. حيث مزرعة صغيرة لأسرة بسيطة, نزلت إليها لتفقد مزروعاتها, لتموت امرأة في الحال, ويصاب طفل أصبح معاقاً, وأصيبت امرأة أخرى في الحادث الذي سيظل يحفر ألمه في ذاكرة المصابين وأسرتهما لأجيال قادمة ويزيد فالألم لم يكن بسيطاً أو عابراً, بل كان متجذراً ولامس جذور الأرض الذ ي تشد الإنسان إليها في أية لحظة, ما بالك في لحظات الحرب والانكسار, التي تعانيها اليوم مناطق عدة في شمال اليمن وجنوبه.
من صور المعاناة
حوادث أخرى كثيرة منها في “أبريل” لغم ينفجر بناقلة صغيرة, محملة بالطماطم.. الذي كان من أكثر المحاصيل إنتاجاً في أودية الضباب, انفجر في خط فرعي بالقرب من منطقة “ماتع” التابعة لجبل حبشي, يقول همام هزاع إنه كان انفجاراً ضخماً هز المنطقة كلها, مات كل من كان في الناقلة, واختلط دمهم بماء الطماطم الأحمر الذي غطى منطقة شاسعة.
الكويت والألغام
المقاومة الشعبية والجيش الوطني حاولنا الاتصال معهم, لأخذ رأيهم في الأمر, بعد أن حدثنا أحد المواطنين, بأن قيادة المقاومة لا يهمها الألغام على الرغم من إدراكها بخطورة الوضع على الجميع, لكن لا تحرك على الأرض لتفادي أخطار الألغام, والمتفجرات, التي سيظل خطرها جاثماً إذا لم يوجد تحرك حقيقي في هذه المسالة.
همام هزاع يرى أن قضية الألغام لا بد أن تأخذ حقها في المباحثات الجارية في الكويت, لأنها تمس المواطن البسيط, وتهم كل الأطراف, بل الإنسانية, فكان لزاماً أن تتحرك المنظمات المحلية والعالمية الإنسانية وغيرها, لإدراج قضية الألغام, وطرحها حتى قبل التفاوض المباشر, مثل الذي حصل الحدود اليمنية السعودية, إذ التزمت جماعة الحوثي بنزع الألغام قبل المباحثات السرية بينهما, أما فجبهات الداخل, وخصوصاً تعز, لم تتحرك الحكومة الشرعية أو المقاومة لضمان هذا الأمر قبل أي تحرك في اتجاه الحوار والتفاوض.
مصيدة ألغام
ليسوا أبناء المنطقة هم المتضررون, وقوع الضباب في منفذ حيوي يربط محافظات عدة, منها عدن والحديدة, يجعله محل عبور وتنقل الآلاف من المواطنين, انخفض مرور الناس كثيراً أثناء الحرب, لكنه لم يتوقف تماماً, يضطرون إلى سلوك طرق ترابية وجبلية فرعية, غير مدركين لخطر الألغام.
أمس الأول تعمد الحوثيون بناء جدار فاصل بالحجارة, تعود السيارات والحافلات أدراجها, إلا حافلة واحدة, تسلك طريقاً آخر, فتقع مصيدة للغم فاجر, انفجر بكل ما فيها إلا “5”.. قتل وجرح 11 شخصاً بين طفل ورجل وامرأة.. تفرقت أشلاء الحافلة مع أشلاء البشر ودمائهم في مشهد دموي لم يشهده اليمنيون من قبل..
مشهد دموي
مسافرون في طريقهم إلى صنعاء للعمل وبعضهم للعلاج, فلم يصلوا اختطفتهم يد الموت, ووزعتهم بالتساوي على المقابر والمشافي في النشمة والتربة وعدن.
إبراهيم علي محمد مندوب جرحى المقاومة في مشفى خليفة يقول لـ”يمن مونتيور” إن المنظر كان بشعاً, هرع الناس بعد سماعهم للحادث, باصات كثيرة اتجهت صباحاً فيها من ذويهم, الكل جاء يتأكد أن لا يكون قريبه من الموتى أو الجرحى, اضطر حراسة المشفى لإطلاق الرصاص لتفريق الناس, وواصل حديثه, أن تجاوب المعنيين بعلاج الجرحى وتضامن بعض المؤسسات الخيرية والخيرين, طمأن المصابين كثيراً, وقال إن هناك من بكى لرؤيته المنظر البشع جراء هذا الموت العبثي.
المنظمة الوطنية لنزع الألغام في النشمة, في منتصف الطريق بين الضباب وغرباً مدينة التربة, دشنت بعد الحادث برنامجاً للتوعية بأضرار الألغام ومخلفات الحرب التي يستهين بها الناس والتي قسمتها إلى دورات مختلفة منها تدريبية, وأخرى توعوية.
إحصائيات
إحصائية للجيش الوطني تقدر عدد الألغام التي زرعها الحوثيون والقوات الموالية لـ”صالح” تصل الى 100 ألف لغم, نصيب تعز من هذه الكمية كبيرة, خصوصاً في أطرافها الجنوبية الغربية, يقول عن ذلك لـ”يمن مونتيور” قيادي في اللواء 17 المنضم للشرعية, إن قوات الحوثيين وصالح جعلت من منطقة الضباب بالكامل منطقة غير آمنة, لذا زرعتها بكل أنواع الألغام, والبراميل المتفجرة, وقد عرضت المقاومة من قبل صوراً لها, إذ لا تريد مغادرة المكان بسهولة, إلا بتضحيات كبيرة من الجيش الوطني وهو ما حصل أكثر من مكان على الرغم من نقص الإمكانات, مع وجود الخبراء, لكنهم يعملون بوسائل بدائية لنزعها من الأماكن التي استطاع رجال المقاومة والجيش الوطني تحريرها.