نازحو حرض شمالي اليمن.. مخيمات بلا حياة ومأساة منسيّة (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
“لم أعد أعرف معنى الحياة، فكّرت مرارًا في الانتحار، للهروب من الجحيم ولم أستطع؛ لأني لا أريد أن أعيش الجحيم مرتين في الدنيا والآخرة”.. بهذه الكلمات المؤلمة بدأ “مالك يحيى” يحكي المأساة التي يعيشها وأسرته، منذ أن أجبر على النزوح من مدينة حرض بمحافظة حجة، شمال غربي اليمن، بعد اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015.
أسرة مالك يحيى واحدة من آلاف الأسر تركت مدينة حرض، ونزحت إلى مدينة حجة؛ لتستقرّ في منزل بالايجار، تاركة منزلها وأملاكها ومصادر دخلها، بعدما تحولت المدينة إلى مجرد أطلال، وتوقف الحياة فيها بشكل تام؛ جراء القصف الجوي الذي شنته مقاتلات تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، على المدينة التي حولتها جماعة الحوثي إلى ثكنة عسكرية.
يقول مالك لـ”يمن مونيتور”: “كنت أعيش في مدينة حرض حياة سعيدة، قبل اندلاع الحرب، وبعد ذلك تحولت حياتي إلى مأساة لا يمكن وصفها، هربت مع أفراد أسرتي خوفا من صواريخ التحالف وقذائف الحوثي، إلى شقة متواضعة في مدينة حجة، ولا نملك أبسط مقومات الحياة، لننصدم بعد ذلك بحرب أخرى نواجهها يوميًا أثناء البحث عن الغذاء والماء والدواء والفرش والمستلزمات الأساسية، ولا نجد أي التفاتة من منظمات الإغاثة الإنسانية”.
حرمان الوظيفة وانقطاع الراتب
يضيف مالك، كنت أعمل في مراكز إيواء للمهاجرين الأفارقة بمدينة حرض، وزوجتي تعمل مدرسة في إحدى المدارس الحكومية، أما اليوم فأحاول توفير المال من خلال بيع الماء للمارة وأصحاب السيارات في شوارع مدينة حجة، بعد أن خسرت وظيفتي وانقطع راتب زوجتي مع انقطاع صرف مرتبات موظفي الدولة في عام 2016، وهو الأمر الذي زاد من معاناتنا، يقول مالك.
ويضيف: “بعد انقطاع راتب زوجتي، لجأت للسكن أنا وأسرتي في دكان صغير، تبلغ مساحته 5م طولاً و4 عرضًا، وحمام صغير بداخله تم اجتزاؤه من المساحة الضيقة، بعد أن طردني المؤجر من الشقة التي كُنا نسكن فيها؛ بسبب عجزي عن دفع الإيجار”.
ورغم توقف الحرب والعمليات العسكرية منذ بدء سريان الهدنة الأممية التي دخلت حيز التنفيذ مطلع نيسان/أبريل من العام الماضي؛ إلا أن “مالك يحيى” ومعه آلاف الأسر التي تركت أملاكها ومصادر دخلها، لا يستطيعون الذهاب إلى مناطقهم، لأن جماعة الحوثي تمنع عودة النازحين إلى منازلهم باعتبار حرض منطقة عسكرية، وفقا لما يؤكده مالك.
مأساة منسية
وتعيش مدينة حرض بمحافظة حجة، شمال غرب اليمن، مأساة إنسانية منسية بعيدة عن المفاوضات والتفاهمات سواء تلك التي ترعها الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، أو التي تجري بين الحوثيين والسعودية، عبر القنوات الخلفية بهدف التوصل إلى صيغة لإنهاء الصراع.
حوّلت الحرب مدينة حرض إلى أطلال، بعد أن ظلت على مدار العقود الماضية، عنوانا للنشاط الاقتصادي، وكانت تمثل موردا هاما لليمن من خلال منفذ الطوال الذي يعد أهم وأبرز المنافذ البرية في اليمن ويمثل إحدى ركائز التبادل التجاري مع دول الجوار، وعلى وجه الخصوص السعودية.
كانت حرض تُعرف بالمدينة التي لا تنام والحركة التجارية فيها لا تتوقف، لأنها كانت تمثل محطة رئيسية للمسافرين من وإلى السعودية، ولذا انتشرت فيها الفنادق والمطاعم وفروع الشركات التجارية، وخدمات النقل البري، وأصبح كل شيء من الماضي، وتحولت المدينة إلى مجرد أطلال ويتربع الخراب كل مكان.
يقول سكان محليون، إن مدينة حرض تحولت إلى مدينة أشباح، ودمرت الحرب كل مقومات الحياة والنشاط الاقتصادي، ما أدى إلى نزوح جماعي للسكان، وإغلاق جميع المحلات التجارية وفروع الشركات والأسواق الشعبية.
كارثة إنسانية حقيقية
يعيش أكثر من 30 ألف نازح من سكان حرض الحدودية بين اليمن والسعودية، وعشرات الآلاف من نازحي مديريات ميدي وحيران وعبس بمحافظة حجة، حالة إنسانية صعبة وكارثة إنسانية حقيقية بعيدة عن الإعلام جراء النزوح.
النازحون الذين اضطروا لمغادرة منازلهم بسبب الحرب، يسكنون في مخيمات وتحت الأشجار وفي المساجد وعند أسر مضيفة والبعض في العراء، ويفتقرون للخدمات الإيوائية، فيما تتجاهل الجهات المعنية والمنظمات مأساتهم المستمرة منذ ثمان سنوات، وبالتالي فإنهم يعيشون كارثة إنسانية حقيقية، في ضل غياب شبه تام لوسائل الإعلام التي يمكن أن تنقل الصورة الكارثية التي يعيشونها هناك.
يقول عبده عيسى مساوى، مدير الوحدة التنفيذية للنازحين بمحافظة حجة لـ”يمن مونيتور”، إن النازحين في مديريات حرض وميدي وحيران وعبس، يعيشون ظروفاً إنسانية ومعيشية غاية في الصعوبة، مؤكدا غياب المنظمات الدولية والأممية عن تقديم أي تدخلات إنسانية للنازحين، باستثناء مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
ومن الأسباب التي زادت من حجم المعاناة الإنسانية في مديريات حجة، الحصار الذي تفرضه جماعة الحوثي علي النازحين وذلك من خلال منع تنقلاتهم إلى الأسواق ودخول المساعدات الإنسانية إلى الأماكن التي يتواجدون فيها، بالإضافة إلى غياب دور المنظمات الإنسانية الدولية، وفق تأكيد مدير الوحدة التنفيذية للنازحين بالمحافظة.
ويأمل أبناء محافظة حجة، من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الضغط على أطراف النزاع، والقيام بواجبهم لرفع الحصار عن مدينة حرض ومعالجة قضايا النازحين، وتسهيل تنقل المدنيين وعودة عشرات الآلاف من سكان حرض الذين نزحوا وتركوا منازلهم وأملاكهم وتجارتهم بفعل الحرب، بالإضافة إلى فتح منفذ “الطوال” البري الرابط بين اليمن والسعودية لتخفيف الأزمة الإنسانية التي يعيشها أبناء المحافظة.
حرض في ظل الهدنة
شكلت الهدنة الإنسانية والعسكرية التي أعلنت عنها الأمم المتحدة في أبريل/نيسان الماضي، بموافقة أطراف الحرب، فرصة للتوصل إلى سلام وإنهاء المعاناة الإنسانية في اليمن.
الهدنة التي انتهت في أكتوبر الماضي بعد ستة أشهر من استمرارها، كانت هي الأولى منذ عام 2014 على مستوى اليمن، الذي يشهد حربا منذ ثمان سنوات، بين القوات الحكومة بدعم تحالف عسكري عربي تقوده السعودية، وبين جماعة الحوثي المدعومين من إيران والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء.
تضمنت الهدنة عدد من الملفات الإنسانية والعسكرية، ومن أبرز بنودها؛ وقف جميع العمليات العسكرية، الجوية والبرية والبحرية، داخل اليمن وعبر حدوده، والسماح بدخول سفن الوقود إلى موانئ الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيين، وتسيير رحلات جوية تجارية من وإلى مطار صنعاء بواقع رحلتين أسبوعيا إحداهما لمصر والأخرى للأردن، بالإضافة إلى رفع الحصار عن مدينة تعز.
ومنذ توقف الهدنة رسميا في أكتوبر الماضي، استمرت المباحثات الثنائية بين السعوديين والحوثيين بوساطة عمانية، وجرى تبادل وفود من الجانبين الزيارات إلى الرياض وصنعاء، وسط أنباء عن تفاهمات كبيرة تجري بينهما للتوصل إلى صيغة لإنهاء الصراع.
وبالتزامن مع استمرار الجهود الدولية المكثفة لتجديد الهدنة وإحياء مفاوضات السلام، تجري حاليا مشاورات بين الحوثيين والسعودية، عبر القنوات الخلفية بهدف التوصل إلى اتفاق يُنهي الصراع، ويشمل صرف مرتبات كافة موظفي الدولة من عائدات النفط والغاز، والفتح الكامل لمطار صنعاء وميناء الحديدة، وفتح الطرقات وتبادل الأسرى، وفق ما ذكرت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية عن مصادر أممية وسعودية ويمنية.
وتتجاهل هذه المفاوضات المأساة التي يعيشها النازحون من مدينة حرض منذ اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015، حيث لم تتصدر حرض قائمة المفاوضات سواء السابقة أو الجارية، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول أسباب تجاهل قضية حرض رغم مكانتها الإنسانية والاقتصادية.
الأهمية الاستراتيجية والعسكرية
تُعد مدينة حرض التي تتقاسم السيطرة عليها القوات الحكومية وجماعة الحوثي، مركزاً إستراتيجياً لوقوعها على الحدود مع السعودية، وبها يوجد منفذ “الطوال” الذي يعد أكبر ميناء بري في اليمن، بالإضافة إلى وجود ميناء ميدي الإستراتيجي المُطل على البحر الأحمر بالقرب منها.
وتبرز الأهمية العسكرية والإستراتيجية لمدينة حرض، كونها تتوسط محافظات صعدة وعمران والحديدة؛ المناطق التي تمثل العمق الاستراتيجي للحوثيين، وهو ما جعل جماعة الحوثي تدفع بكل ثقلها للحافظ على المدينة، لأن خسارتها تُحدث فارقا كبيرا في معادلة الحرب، وتمثل نقطة تحول في المعركة لصالح القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي.
وتمثل مدينة حرض نقطة ضغط تستخدمها جماعة الحوثي ضد السعودية لتحقيق أهدافها الخاصة، حيث أن استمرار سطيرة الحوثيين على المدينة يمثل مصدر قلق للرياض ويهدد أمنها، كون مدينة حرض تمثل قاعدة رئيسية للهجمات التي ينفذها الحوثيين في الأراضي السعودية.
أما بالنسبة للقوات الحكومية، فإن السيطرة على مدينة حرض يمكنها من تأمين الطريق الساحلي لمديريات ميدي وعبس بحجة، ويمنح الشرعية مصدرا جديدا للدخل من تأمين المنفذ إلى السعودية وفتحه للمسافرين والبضائع.