“لم تعد السعودية عدوا”… تغيّر خطاب الحوثيين تجاه الرياض مع الوساطة العُمانية (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
“الحصار، العدوان، التحالف السعودي الصهيو-أمريكي، الحشد إلى الجبهات، جرائم العدوان،” … لوازم دأب عليها الحوثيون منذ بدء الحرب، لكنها بدأت تتلاشى بشكل واسع ومطرد من أدبيات جماعة الحوثي ووسائل إعلامها خلال الأسبوعين الماضيين مع جهود وساطة عمانية.
بالتزامن، مع مغادرة الوفد العماني للمرة الثانية صنعاء في شهر يناير2023، حصل يمن مونيتور من مصادر حوثية خاصة على تعميمات صدرت من مليشيا الحوثي موجهة إلى أعضائها تحث على تهدئة إعلامية واسعة تجاه السعودية والتحالف.
تنص التعميمات الصادرة من قيادة مليشيا الحوثي، وتحديدا من جهة أحمد حامد، ومحمد عبدالسلام، رئيس وفدها المفاوض في مسقط، تنص على ترك الخطاب المستفز والمهاجم للمملكة العربية السعودية.
وقبيل فعاليات جمعة رجب التي يحيها الحوثي ضمن سلسلة طويلة من أنشطتهم الطائفية، عقد وزير الإعلام في حكومة الحوثي ضيف الله الشامي اجتماعا واسعا بمسؤولي الإعلام في قنواتهم الرسمية التي يسيطرون عليها. عنون الحوثيون في وكالة سبأ الاجتماع بأنه من أجل خطط الإعلام الرسمي، لمواكبة جمعة رجب. في متن الخبر، لم يتطرق إلى السعودية بأي شيء، ولا إلى الحرب التي ولا مفهوم العدوان، وركزت على تعزيز الهوية الإيمانية، بما يشمل حضور المذيعين إلى العمل باللبس الشعبي بدلا من اللبس الرسمي، لمواجهة الحرب الناعمة التي تشنها وسائل إعلام العدوان.
التوجه الحوثي يقلل من نتائج المفاوضات
يشمل التوجه الإعلامي الحوثي الجديد الذي يتجاهل السعودية، التقليل من نتائج المفاوضات الجارية بينهم بوساطة عمانية.
في وحدة التعميمات على جروب الواتساب، نشرت مليشيا الحوثي تعميما آخر، بعد تهدئة الخطاب تجاه السعودية.
وقال التعميم الصادر عن وحدة التعميات الحوثية:
“هام… الإخوة الأعزاء… لاحظنا أن هناك الكثير من الحسابات المشبوهة، تنشر تسريبات حول المفاوضات، وغالبية هذه التسريبات غير صحيحة، ومبالغ فيها بهدف ضرب معنويات مجتمعنا وضرب ثقته بالقيادة، عندما يتم الإعلان عن نتائج المفاوضات. لذلك نرجو من الجميع عدم التفاعل مع هذه الحسابات، وكل شيء سيتم كشفه في وقته عندما يحين عبر المصادر الرسمية”.
بعد أيام أخرى، من تلك التعميمات عاد ضيف الله الشامي وتحديدا في 24 يناير/كانون الثاني، إلى نشر تغريدة أخرى على حسابه الشخصي بتويتر يقول فيها: “يعمل العدو جاهدا على اختراق الجبهة الداخلية للشعب اليمني ومع كل إنجاز يبث الشائعات وآخرها شائعة وصول طائرة تحمل مبلغا أوليا من الرواتب وهو خبر عار عن الصحة ومادار في أروقة المفاوضات لا يمكن التعامل معه إعلاميا حتى يصبح واقعا حقيقيا فطريق السلام لا تكتبه الأقلام بل تصنعه المواقف”.
صحفيون حوثيون يؤكدون التعميمات
وفقا لمصدر خاص يعمل في صحيفة حوثية فإن التوجيهات الحوثية هذه المرة بعدم الإشارة إلى السعودية مطلقا. وقال المصدر في تصريح خاص ليمن مونيتور: في السابق كانت التعميمات بشأن الموجهات الإعلامية تصل إلى رؤساء الصحف والمؤسسات الإعلامية بمختلف أشكالها، لكن في هذه المرة، التعميمات وصلت إلى كل موظف، يعمل في المؤسسات. وأشار المصدر إلى أن قادة الحوثي أبلغوا المؤسسات وكل العاملين فيها لأول مرة بتخفيف الخطاب الإعلامي تجاه السعودية، لأن هناك بوادر لإنهاء الحرب ضد السعودية، وأن تهدئة الخطاب الإعلامي تجاه السعودية هو مؤشر حسن نوايا.
وأشار المصدر إلى أن التوجيهات تشمل وقف إثارة أي قضايا أو اتهامات تجاه السعودية، أو تحميل مسؤوليتها السعودية… ويضيف: لم يعد بالإمكان تحميل السعودية أي قضايا أو تلفيق أي تهم لها.
وعن الانطباعات تجاه تعامل الإعلام الحوثي مع السعودية حول القضايا السابقة، قال مصدر مقرب من مؤسسات إعلامية حوثية: الانطباع عن التوجه الحوثي تجاه ما كانوا يصفونه بجرائم السعودية أثناء الحرب بأن ما فات مات.
تحويل الاتهامات والنقد إلى الولايات المتحدة، بدلا من السعودية
اشترك قادة الحوثي في سلسلة من الحملات الإعلامية الأسبوع الماضي، كان أهمها، تحويل الاتهامات إلى الولايات المتحدة وبريطانيا.
ونشر الحوثيون على مدى أيام تغريدات تحت هاشتاج أمريكا عدو السلام شارك فيه كبار قادة مليشيا الحوثي من بينهم أحمد حامد.
وقال القيادي القوي الجماعة أحمد حامد الذي يعمل مدير مكتب الرئاسة في صنعاء ويوصف بأنه رئيس الرئيس في سلسلة تغريدات مساء الجمعة “كلما ظهر تقارب هنا أو بصيص أمل هناك بشأن إنهاء العدوان سارعت أمريكا لإعاقته لأنها مثيرة الحروب” كما اتهم حامد بريطانيا في تغريدة أخرى بأنها مهندسة الأزمات الاقتصادية في اليمن.
وأشاد حسين العزي القيادي الحوثي، في تغريدة له الجمعة18 يناير/كانون الثاني، “بقوة الجيش السعودي، وقوة مليشياته”، وقال إنهم “جربوا معا المعارك، وبقي أن يجربوا السلام وحسن الجوار وتبادل الاحترام”.
كما أشار في تغريدة أخرى مطلع الأسبوع الماضي أن جماعته “تتمنى مواصلة العمل بكل إخلاص وتفاني وصولا إلى تحقيق السلام واستعادة قيم الإخاء”. وأكد ضرورة “الامتناع التام عن التأثر السلبي بالأصوات النشاز من دعاة الشر والكراهية آملين أن نرى ثمار تلك الجهود على أرض الواقع”.
من جانبه قال القيادي الحوثي محمد البخيتي، في تغريدات على تويتر منتصف يناير “لا خيار أمامنا سو التعالي على الجراح من أجل لم الشمل وطي صفحة الماضي وتقبُل بعضنا البعض كشركاء في تحرير اليمن وبناء مستقبله، وهذا لن يتحقق إلا بنبذ خطاب الفرقة وتبني خطاب جامع يستوعب كل الاطياف، ويكفي اننا كلنا يمنيين وعرب ومسلمين”.
كما قال في تغريدة أخرى له الخميس 19 يناير: “عندما ندعو إلى لم شمل الأمة الإسلامية وإلى وحدة الصف الوطني تبرز أصوات ساخرة ومعترضة وكأننا ارتكبنا جريمة بدعوتنا للتقارب”.
وأضاف البخيتي: “من الواضح للجميع أن الله يأمرنا بالاعتصام بحبله وأعداءنا يزرعون فينا الفتنة، لذلك علينا رفع أصواتنا عاليا بالدعوة إلى التقارب ونبذ خطاب الفرقة من أي طرف كان”.
أحمد حامد وكبار قادة المؤسسات الرسمية يتجاهلون أيضا
في أحدث كلمة لأحمد حامد ألقاها يوم السبت 28 يناير، بمناسبة ما يصفونه بحفل تدشين تبسيط إجراءات القطاع الإداري والخدمات العامة، تجاهل السعودية والتحالف تماما، وسارع إلى مهاجمة الولايات المتحدة، وقال إن جماعته “كسرت الولايات المتحدة في الحرب”.
لكن خطابه، لم يتطرق مطلقا إلى الحرب، الحصار، السعودية، الإمارات، العدوان، الحظر البحري، دورهم في تعطيل المؤسسات، ولا مسؤوليتهم عن تدمير مؤسسات الدولة.
كما تجاهل ذلك كل من عضو المجلس السياسي الأعلى جابر الوهباني، وعبدالعزيز بن حبتور، ويحيى الراعي، وغيرهم من كبار قادة الجماعة والموالين لها.
ماذا عن عبدالملك الحوثي؟
ألقى عبدالملك الحوثي خطابا جديدا يوم الجمعة27 يناير، مكون من سبعة آلاف كلمة، لم يذكر فيها السعودية “ولا العدوان والحصار، والحرب والهدنة، والأزمة الاقتصادية ، ولا أولوية مواجهة التصدي للعدوان”، ولا شيء من الكلمات والجمل التي كانت لازمة في معظم خطابات الجماعة، وركز عليها في كل خطبه السنة الفائتة. الإشارة الوحيدة للسعودية، كان فقط، نقدا غير مباشر لرد السعودية تجاه كندا، قبل سنوات، التي انتقدت انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة.
يبدو التحوّل الحوثي عميقا أكثر من المتوقع، إذ خلا خطاب عبدالملك الحوثي من أربعة بنود كان لا يخلو منها أي خطاب له، وتلك البنود كانت تتضمن النقاط التالية: أولوية مواجهة التحالف واستمرار الحرب، الحفاظ على الجبهة الداخلية، التأكيد على أن جماعته جزء من نمحور المقاومة وإيران، التعهد بالاشتراك في أي حرب إقليمية حول القدس، مع أن كلمة الحوثي الجمعة27 يناير جاءت بعد يوم واحد من مجزرة الاحتلال الإسرائيلي في جنين التي أودت بحياة 10 فلسطينيين.
في خطابه يوم الجمعة، لم يركز سوى على أولوية مواجهة المنافقين والتكفيريين، بينما خلا كليا من تلك التأكيدات التي لم يخل منها أي خطاب له خلال 2022 وفق رصد “يمن مونيتور”.
ماذا عن الخطاب الإعلامي بين أتباعهم؟
تتبع يمن موينتور سلسلة من الوقفات الاحتجاجية التي نشرتها وكالة سبأ الحوثية وقناة المسيرة التابعة لجماعة الحوثي، خلال الأسبوعين الماضيين، وكانت معظم الوقفات بمناسبة مولد الزهراء وجمعة رجب، في معظم المحافظات التي يسيطرون عليها، بالإضافة إلى سلسلة فعاليات في عدة محافظات، للرد على ما قالوا إنه جريمة إحراق القرآن في السويد، خلت كل تلك الفعاليات من أي إشارة إلى السعودية والتحالف، والحرب والحصار والهدنة كما قالت كل أخبار وكالة سبأ إن الهدف من الوقفات تعزيز الهوية الإيمانية ومواجهة الحرب الناعمة. ولم تشر على الإطلاق إلى أي حشد تجاه الحرب ضد السعودية والتحالف.
وقالت منصات إعلامية حوثية إنهم تلقوا مؤخرا توجيهات بعدم الإشارة حتى إلى مسؤولية السعودية عن قضايا القتل والقصف اليومي في الحدود، أو تحميل السعودية وزرها. وقالت منصة الملصي الإخبارية التابعة لجماعة الحوثي إن قادة الحوثيين صاروا يتجاهلون في الآونة الأخيرة الإشارة إلى هجمات السعودية على المناطق الحدودية.
ونفت السعودية الأسبوع الماضي، مسؤوليتها عن الهجمات التي تستهدف بالغالب المتهربين إلى السعودية من اليمنيين والأفارقة، ومهربي المخدرات، مسؤوليتها عن تلك الهجمات، وقال التحالف إن تلك الهجمات تشير إلى أن مليشيا الحوثي غير قادرة على ضبط أتباعها، أو تورط فيها قادة متصارعون في الجماعة.