اليمن قبيلة تحاول أن تتحول لدولة
مشكلتنا ان معظمنا لا يقرأ، وان قرأ لا يفهم، هذه حقيقة جعلتنا لا نتحسس طريقنا بوعي وإدراك العقل، بل نتحسس طريق المستقبل بحماس وشجون العواطف، فنعجز على ان نقيم دولة، ونبقى ندور في دائرة لا دولة، او شبه دولة.
عندما سأل الكاتب محمد حسنين هيكل رحمة الله عليه، عن الوضع في اليمن، قالها بصراحة (ما يحدث في اليمن ليس ثورة، بل قبيلة تحاول أن تتحول لدولة) وأكد صعوبة تلك المحاولات، وهي ذات الصعوبة التي يمكن قراءتها في مراحل الفشل الذي مازلنا غارقين فيه، منذ الاستقلال في الجنوب والشمال معا دون استثناء.
اليمن في الجنوب والشمال، لم يتجاوز بعد الهويات الصغيرة، والانتماءات العشائرية، و الولاء للقبيلة، وثقافة التمايز، وهنا تكمن صعوبة الحفاظ على الهوية الجامعة، والانتقال من العشيرة للدولة الجامعة، ليكن الولاء لما يجمع لا يفرق، وهذا ما لم يعزو روح فكرة الدولة والنظام والقانون، وهي الفكرة التي لا معنى لها دون التعايش والتسامح العرقي والثقافي والعقائدي، وأفشل فكرة التعدد السياسي والفكري، ويمكن القول فشل فكرة الدولة المحترمة منذ اليوم الأول للاستقلال.
كل نماذج واشكال الدولة في والشمال فشلت، وهي نماذج ارتكزت على النفوذ القبلي، وقوة العسكر المنتميين للقبيلة، حتى وان شهدنا نظام اشتراكي في الجنوب، وحقيقته قبيلة حاولت ان تبني دولة ذات نظام اشتراكي ,وافشلتها الصراعات الايدلوجية التي تحولت لتخندق مناطقي وقبلي، وأحدثت شرخا في فكرة الدولة، لتعزز من فكرة السلالة والقبيلة، والتي مازالت تخيم على واقعنا، وتصيغ أحداثه وتشكل ادواته، وتجرنا بعيدا عن فكرة الدولة الجامعة، لدولة القبيلة.
وهكذا الشمال حكم بنفوذ قبلي، ومازال يرفض فكرة الدولة، لان القوة ترتكز في نفوذ القبيلة، والمقصود هنا صمام امان الدولة وهي القوة العسكرية القادرة على حماية النظام والقانون، قوة تحمي الزعيم القبلي، وتعزز من الأعراف القبلية، وتتخندق مع السلالة والتمايز السلالي، وهي بعيدة جدا عن فكرة الدولة.
مشكلة اليمن اليوم، ان جزءا واعيا من الشعب يتطلع لدولة محترمة، تحترم حقه في الحياة، وغرق في عاصفة من التناقضات، التي ساهمت في إسقاط ما كان قائما من دولة هشة، وقيم مدنية كانت تقاوم، ونظام كان مفخخا للواقع، كل ذلك تفجر في وجوهنا في لحظة عنف، ساهمت باختطاف الدولة من فئات قبلية طائفية، وتشكلت مقاومة حاولت ان تحمي الدولة، فخذلت و وجدت نفسها تتخندق في مقاومة قبلية ومناطقية، اليوم نتحدث عن مقاومة مناطق وقبائل، وعزز هذا الواقع التدخل الإقليمي، الذي ساهم بدعم غير محدود لتعزيز هذا التفكك، وتشكلت أدوات على أسس مناطقية وقبلية، واسس عقائدية متطرفة، وهي أدوات ما قبل الدولة، ولا يمكن لها ان تعزز فكرة الدولة، وهي اليوم العائق الرئيسي لترسيخ شكل الدولة المحترمة، يتم غزو المناطق بعناوين براقة، والحقيقة هو غزو مناطقي قبلي، غزو ثأري وانتقامي واضح النتائج والأحداث المهينة والمذلة للإنسان في تلك المناطق، مهما حاولوا يصنعون من مبررات معاركهم التي لا علاقة لها بفكرة الدولة المحترمة، الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة .
المشهد اليوم واضح، وسائل القوة بيد أدوات لا علاقة لها بالدولة، وهي تغزو مناطق ما تبقى من الدولة، والهدف القضاء على الدولة وادواتها، لتعزيز صراعات مناطقية سلالية وثارات قبلية، في واقع يثخن كل يوم بالتراكمات والتفكك ومعوقات الدولة الضامنة للمواطنة.
عدن اليوم محاصرة، وكذلك تعز، كما تحاصر كل مناطق تنعم بالمدنية والنظام والقانون، وفكرة الحصار تكمن في القضاء على منابع فكرة الدولة، ومحاضن ادواتها الفكرية والثقافية والسياسية، وتعطيل الروح المدنية التي يمكن ان تساهم في تعزيز فكرة الدولة، لصالح النفوذ القبلي والعسكري السائد اليوم على الواقع، وصانع الأحداث المأساوية، والجاثم على صدر المواطن والوطن.