شكسبير في إحدى كنائس عدن: عن المسرح اليمني مجددا
يمن مونيتور/ قسم الأخبار:
بعد ثلاث سنوات من التوقف عادت فرقة خليج عدن بعمل مسرحي يُجدد الدماء في أوردة المسرح العدني واليمني عموما، من خلال تجربة مختلفة تمثلت في تقديم المخرج عمرو جمال مسرحية «هاملت» لوليم شكسبير، لكن باللهجة العدنية، وهي تجربة قد تكون جديدة يمنيا في علاقة اللهجة المحلية بمسرح شكسبير.
مثل تجارب كهذه تكررت في عديد من البلدان، وأثارت في الوقت ذاته، جدلا انقسم فيه المتابعون بين مع وضد؛ إلا أن تجربة «هاملت» باللهجة العدنية تبقى تجربة متميزة، انطلاقا من أنها خاضت مغامرة فنية في بلد حرب، ولاقت إقبالا من الجمهور، وبناء على هذا يفترض أن تفتح هذه التجربة الباب أمام أعمال أخرى ليس بالضرورة أن تتأطر في فلكها، بل يجب أن تكون منافسة ومغايرة وجديدة ومتمكنة من أدواتها الموضوعية والفنية. وحرصا على التمكن من أدوات العمل خضعت فرقة خليج عدن لتدريبات من قبل مسرح شكسبير غلوب في لندن، ومسرح فولكانو في ويلز بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني.
كانت أول مشكلة تواجه العرض هي الخشبة، في ظل عدم توفر خشبة مؤهلة للعرض المسرحي في مدنية عدن؛ فوقع الاختيار على مبنى لإحدى كنائس عدن القديمة، والمعروف باسم (المجلس التشريعي)؛ وهو أحد المباني التاريخية في المدينة، إلا أن المبنى كان بحاجة إلى ترميم؛ وهو ما جعل الفرقة تفكر باستغلال العمل لترميم المبنى، وبالفعل تم ترميم المبنى من الداخل، وتجهيزه للعرض، الذي وضع من ضمن أهدافه تعزيز الوعي بأهمية ترميم المباني التاريخية.
يقول المخرج المساعد للمسرحية، مروان مفرق: يتميز مبنى المجلس التشريعي بطابع معماري خاص يتوافق مع الحقبة الزمنية التي كتب فيها شكسبير مسرحيته. «اخترنا المبني لسببين: أن الطراز المعماري يتوافق مع الحقبة الزمنية والأحداث التي كتبها شكسبير في دولة أوروبية، والمبنى بُني في عهد الاستعمار البريطاني.. بالإضافة إلى أن المبنى تعرض للتدمير الجزئي خلال الحرب في 2015، ونحن كفرقة حريصون على مسألة الآثار والتراث، فقلنا لماذا لا نعرضها هناك وتكون حافزا للترميم».
بعد تدريبات وتجهيزات استمرت شهورا انطلقت العروض خلال الفترة 7-16 يناير/كانون الثاني، ولقيت إقبالا من المجتمع العدني؛ ما يؤكد حاجة المجتمع للمسرح؛ يقول الصحافي اليمني عبدالرحمن أحمد عبدة: «في عروضها الأولى لقيت (هاملت) باللهجة العدنية ترحيبا واسعا، فالجمهور اليمني شغوف بالمسرح ومتعطش لمشاهدة أعمال مسرحية».
وهنا لا بد من أن نتوقف عند إقبال الجمهور وشراء التذاكر من أجل مشاهدة عرض مسرحي، فاعتماد المسرح على عائدات العروض بلا شك سيشجع بقية الفرق لاستئناف نشاطها وتطوير برامجها وتقديم أعمال منافسه، ما دام هناك جمهور على استعداد أن يدفع من أجل أن يُشاهد مسرحية، على الرغم من ظروف الحرب. ومثّل بيع (التذاكر) مشكلة كبيرة للمسرح اليمني، الذي ظل يعتمد على الخشبة والدعم الحكومي؛ وهو الدعم (المناسباتي) الذي توقف مع الحرب؛ ما أفقده كثيرا من قدراته وطاقاته وأهمها الاستمرارية والتطوير، وتحديدا منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي؛ وهي الفترة التي أخذت معاناة أب الفنون اليمنية في التضخم حد الغياب؛ وبالتالي فوجود جمهور مستعد لشراء تذاكر العرض، سيمثل حافزا لإخراج المسرح اليمني من عباءة الدعم الحكومي؛ وهي بادرة تحتاج لتكرار إنتاج أعمال مسرحية قادرة على مخاطبة واقع المجتمع وإمتاعه كسبيل لإعادة الحياة للمسرح اليمني الحديث، الذي تعود بداياته إلى العقد الأول من القرن العشرين، إذ كانت عدن هي المبتدأ من خلال مسرحية «يوليوس قيصر»؛ وهي إحدى مسرحيات شكسبير أيضا، التي مثلت أول عرض مسرحي حديث لممثلين يمنيين عام 1910. «تقديم أي عرض مسرحي في اليمن، الآن، هو بمثابة فتح منفذ لإطلالة جديدة لفن المسرح، في ظل، ما يمكن وصفه بالموت السريري، الذي يعانيه، نتيجة الوضع الكارثي في البلاد» يقول عبدالرحمن أحمد عبده لـ«القدس العربي» «مسرحية (هاملت) التي قدمتها (فرقة خليج عدن) باللهجة المميزة لأبناء عدن، تعد أسبقية في المسرح اليمني، لجهة تقديم عمل مهم لشكسبير بلهجة محلية، مع الإشارة إلى أن هناك مؤيدين ومعارضين لهذا التجربة» لكن عبدالرحمن ليس «مع استمرارية مثل هذه التجربة؛ لأنها ستكرس لدى الجمهور شكسبير آخر، ومضمون وفكرة أخرى عن أعماله، لكن إن استمرت التجربة، لا بد من الإخلاص للنصوص الأصلية، والحفاظ على الإطلالات المميزة لها».
الممثلون سعداء بالمشاركة في هذا العمل، انطلاقا من كونه تجربة جديدة عليهم، ويرون أنه أضاف لهم الكثير. يقول الممثل أحمد اليافعي، بطل المسرحية، الذي قام بدور (هاملت): «سعيد جدا بهذه المسرحية، وتحديدا في تجسيد شخصية الأمير هاملت… وكل ممثل يطمح لأن يجسد هذه الشخصية الصعبة المليئة بالانفعالات والتقلبات النفسية.. وتجربة مثل هذه المسرحية التي تعد من روائع الأدب العالمي أثّرت فيّ، خصوصا ونحن نقدمها باللهجة العدنية لما للهجة العدنية من قدرة على توصيل المشاعر والانفعالات المختلفة. «استطاع فريق العمل أن يوصل الرسالة، وهي أن بالإمكان بلهجتنا العدنية أن نوصل رسالة للعالم، كما أننا من خلال هذا العمل سوف نحافظ على الكثير من المصطلحات العدنية الأصيلة التي قد تندثر في يوم من الأيام، ونحن الآن نؤرشف من خلال المسرح للهجتنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا» يضيف.
فيما يعتبر الفنان قاسم عمر، الذي قام بدور الملك كلوديوس، المسرحية تجربة متميزة أضافت له الكثير، وقال لـ«القدس العربي»: «مسرحية «هاملت» سيكولوجية بحتة أخذها المخرج عمرو جمال بكل بساطة، وجعلها قريبة من نفوس الناس، وكانت صعبة علينا كممثلين، على الرغم من أننا تدربنا مع مسرح شكسبير غلوب، الذي تواصلنا معه قبل سنتين حول كيفية تقديم المسرحية بالطابع الشكسبيري القديم، وتدربنا لديهم، وقدم عمرو جمال العمل برؤية جميلة ورائعة».
المصدر: أحمد الأغبري/ القدس العربي