اليمانون وذلك الوسام
منذ أن قال الرسول الكريم “أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية” نشأ سؤال كبير أو أسئلة، أهمها: ما معنى لين قلوب اليمانين ورقتها؟ وثم لماذا استحق اليمانون هذا الوسام؟ وهو وسام من الدرجة الأولى إذا راقتك هذه العبارة، إذ لم ينازعهم فيه أحد من العالمين. وثمة سؤال متفرع من هذا السؤال: هل هذا الوسام النبوي مستمر ويستغرق كل جيل من اليمانين أو أنه يقتصر على تلك المجموعة الصغيرة التي وفدت على النبي وقال فيها هذا القول؟
حسنا، يطلق اللين في اللغة ويراد به معنيان، الأول ضد الغلظة والقساوة ومن هذا المعنى قوله تعالى “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك” وأما المعنى الآخر فهو الإذعان للحق، وسرعة الاستجابة للخير. ومن هذا المعنى قوله تعالى “ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله” أي تذعن وتخضع وتستجيب لذكره بسرعة. وهذا هو المعنى المقصود بهذا الحديث محور هذا النقاش، فاليمانون سريعو التأثر والاستجابة للحق، سريعو الإذعان والخضوع له لأنهم أصحاب نفوس صافية وقلوب رقيقة لينة لأن القلب القاسي لا يقبل الحق ولا يتأثر بشيء مهما بلغت درجة وضوحه؛ كما كان لديهم خبرات طويلة مع النبوات، فمنذ بزغ تاريخ النبوة وفجر الرسالات السماوية، كانت اليمن موطنًا للكثير منها، فقد كانت اليمن على دعوة نوح ثم هود؛ كما أنهم تأثروا بدعوة إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام، ولما انبثق الإسلام وأشرقت أنواره في شمالي الجزيرة العربية لبى اليمانون النداء، ودخلوا في دين الله من دون أي عناء أو مشقة فصدقوا بمحمد عليه الصلاة والسلام وكان لهم غيرة شديدة على الكعبة. ولم يشأ القرآن أن يغفل لهم سرعة استجابتهم لنبي الله سليمان، وهو الحدث الأبرز على امتداد سورة سبأ. إلى ذلك، كان للديانتين، اليهودية والنصرانية حضور كبير في اليمن. يؤكد هذا كلام النبي عليه السلام لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن “إنك ستأتي قومًا أهل كتاب…” وتشير كتب السنة إلى أن وفد نجران كانوا نصارى؛ كما تشير سورة البروج إلى ذلك الحدث البشع للنصارى مع اليهود، قصة النار الموقدة التي أضرمت على أجساد المؤمنين.
تلك الإلماعة اليسيرة تؤكد لنا صفاء معدن اليمانين، ونقاء عقولهم، وصحة تفكيرهم؛ وذلك اللين في القلوب والرقة في الأفئدة وذلك السمت والوقار، والصفاء والنقاء؛ وذلك الذكاء وصفاء الفكر ورجاحة العقل لما كانت بلدهم عليه من الحضارة والثقافة صفات أهلتهم لسرعة الاستجابة للحق والإذعان له. ولعلك تدرك الآن معي قول النبي عليه الصلاة والسلام “الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقُهوا” ولعلك تجد حبلا واضحا ومتينا الآن بين هذا الحديث والذي سبقه.
وإذا صح هذا لديك واستقام لك سهل عليك الاستنتاج أن هذه الخيرية صفة لازمة لليمانين في كل عصر وفي كل زمان.