فخر العزب في مواجهة الوحشة بديوان شعري جديد
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص
“إلى الـ لا أحد.. وحده من بقي معي في مواجهة الوحشة”.. هكذا يهدي الشاعر فخر العزب ديوانه الجديد “فراغات الوحشة” ليكشف عن مضامين قصائد الديوان التي جاءت ترجمة لمعاناة الشاعر مع مرض الاكتئاب وهو ما انعكس على النصوص الشعرية التي جاءت خالية من العناوين، والتي تم استبدالها بفراغات تعبر عن حالة التيه التي يعانيها الشاعر في واقعه ونصوصه.
الديوان الصادر عن دار أروقة للطباعة والنشر قدمه الشاعر فتحي أبو النصر الذي قال إن فخر العزب يصعد بالقصيدة إلى أعالي جبلنا الكريم والمقدس “صبر” ثم كقروي حزين “يشمط “بها في قلب مركزي المدينة.!
يضيف “أبو النصر” ولد الفخر بين جيلين من الفقد والخسائر السياسية والاجتماعية والثقافية.. لكنه الجيل الأنقى، لأنه الأكثر استقلالا ذهنيا.. والأكثر ثورية.. وفي التجريب على صعيد الكتابة أيضا؛ يكابد من أجل الإختلاف واللمسة الخاصة”.
ويشير “أبو النصر” إلى أن أحلام كثيرة ضاعت بعد 2011 الذي كان فخر أحد أبرز قادته، انعكس ذلك على النص بالكامل. يعيش فخرنا حالة اغتراب مزدوجة كشاعر وكثائر.. الفتى الناصري صارت قصيدته القاسية الرقيقة ” حلمة الكون” بالنسبة لنا نحن رفاقه، الذين نحارب معه الطواحين كدنكيشوت ونلعن عبث الأقدار الوطنية والوجدانية التي حلت بالبلد والخيال بالمحصلة”.
“تنوع المتن وتوازيه”
الشاعر والناقد اليمني أمين العباسي قدم قراءة أبجدية بعنوان “فراغات الوحشة.. تنوع المتن وتوازيه” أشار فيها إلى أنه من أول جملة شعرية, ينفذ إلى عميق ذاتك -ذهنا ووجدانا- عبق الشعرية الفائح في ديوان فخر العزب “فراغات الوحشة”. تتسلل تلك الشعرية عبر ردهات الديوان وعتباته بنصوصها المتوازية والمتوارية كما وكيفا في آن. في الشعر كما في الأشكال الإبداعية والفنية الأخرى هناك بناءان فنيان الأول مشروط بالموهبة, والأخر محكوم بالمعرفة, وهو ما تحقق بامتياز لشاعرنا الفذ فخر, فهو موهوب حد السليقة, وعلى قدر نوعي من التعليم, أكاديميا كمهني إعلامي، وذاتيا كقارئ ومتابع حد الشغف, لكل جديد ومتجدد وأجد, بمنهجية ورأيوية معهودتين ومتأصلتين, كان لبيئته التي نشأ فيها دور وافر في تعهدهما”.
ويضيف “العباسي” لسيرة فخر وبيئتيه المحلية والوطنية, وكذا نشاطه اليومي العام على أكثر من صعيد دور في صقل موهبته وتنميتها, وهو ما توافر لكثيرين غيره, بيد أن ما يميز فخر هو قدرته على الإستفادة الفائقة من بيئتيه ونشاطه والتقاط منهما كل ممكن لتعزيز حضوره الإبداعي ومراكمة أدواته الفنية والمعرفية بغية الإجادة والتجديد. من قصيدة إلى أخرى ومن عمل إبداعي إلى ثاني يجترح فخر -باستمرار- الجدة والمثابرة على مستوى الموضوع والبناءين الفني والشكلي, لمادته الإبداعية باقتدار”.
يواصل “العباسي” حديثة في الديوان شذرات صوفية مبثوثة في جوانبه, معلنة عن حالة إعتقادية خاصة, غير مقلدة, ونائية عن التعبير المتزمت. تلك الشذرات, إلى جانب طقوس وجدانية خاصة تمكن الشاعر من الموازنة -بقدر معقول- بين ذاته وموضوعاته الحياتية التي تناولها في تجاربه الشعرية موزعة بسلاسة متمرّسة في الديوان كله.
يحضر الهم القومي إلى جانب المحلي والذاتي أيضا, في مزيج متجانس يعنون هموم الشاعر واهتماماته الكبرى والبسيطة. هو بهذا ومن خلال تداركات متوالية يجسد سلوك المبدع العضوي “المنتمي” بوعي واقتدار مدرك لتفاصيل جوهرية في المشهد العام من حوله, على مستويات مختلفة. أسئلة وجودية وذاتية تتنافس للتعبير عن مكنونات مضطربة متناقضة آنا, متصالحة متوائمة آنات أخرى. وهي حالة طبيعية تعكس صورة الواقع وتوازيه, ضمن توازيات إستبصارية جمة, متماثلة ومتوارية بشفافية, مائزة ومميزة لسياقاتها المضمونية.
بحسب المقولة الشعرية: كل شاعر يحتفظ بناقد يجاور الشاعر, أو كما تصاغ مكثفة فإن الشاعر ينطوي على ناقد. هذه المقولة ناقشت وتناقش بصورة دائمة علاقة الشاعر بالناقد في البعد الذاتي لكينونة المبدع الفرد, في مراحل مختلفة من العمر الإفتراضي للمبدع وإبداعه. فهي”أي العلاقة” كما يصفها البعض من نقاد الحداثة تمر بمراحل ثلاث: في الأولى يتغلب الشاعر على الناقد غلبة مطلقة, أما في مراحل التعقيد الحضاري فلابد أن يتعاون الناقد والشاعر تعاونا وثيقا على إدراك طبيعة العصر, وما تنطوي عليه من تعقيد فلسفي وفني… كما يراه خليل حاوي. في مرحلة الحسم ربما يقفز الناقد إلى واجهة المشهد الإبداعي مشهرا كافة أدواته النقدية, معلنا عن مرحلة إحترافية جديدة سيخوص غمارها, وهذا مشروط ومحكوم بمعايير ذاتية وموضوعية تساعد المبدع على الإختيار”.
ويضيف “العباسي” بمناسبة الإشارة هنا إلى خليل حاوي فإن تشابها معينا -أراه- بينه وبين شاعر هذه المجموعة من وجهة نظري, حيث يجمع الإثنين هم قومي مشترك ممزوج بإنسانية الوجدان والإنتماء إلى عالم متعدد الجذور متنوع المآلات. في المقابل واقع عربي رافض ومناقض, ليس فقط لحالة نهضوية في حدودها الدنيا, بل حتى لمجرد الحلم بحالة كتلك أو أدنى منها من أنماط الإنبعاث العتيق. غرس الخذلان أنيابه وأظافره, في جسد ذلك الحلم عند كليهما, ليس في مستواه العام, لدى الحكام والأنظمة الحاكمة فحسب, بل في محيط العلاقات الشخصية, والنضالية أيضا, حد الجحود, منعكسا بردود أفعال رافضة, ومجحفة أحيانا في حق الذات, إنتهت عند حاوي بالإنتحار احتجاجا, وألت بشاعرنا إلى الإنزواء, واعتزال الأخرين إحتجاجا كذلك وتجنبا للأذى الذهني والوجداني معا. الشعر فلسفة بما هو تعبير عن أفكار ورؤى وتصورات ومواقف, والفارق -فقط – في اختيار الأسلوب التعبيري من منتج لأخر. فأسلوب الشاعر, وصياغته جماليا تقوم على بناء فني متكامل ومتجانس النسج والإيقاع, لكن المضامين مستوحاة من الوجودين الذاتي للشاعر والكوني من حوله, ومن ثم فإن أغراض كل تجربة شعرية محكومة بهذا الإطار, وبه ومن خلاله تبرز صعودا أو هبوطا إجادة أو رداءة”.
ويقول “العباسي” لشاعرنا فخر, ونظيره حاوي فلسفتان -بالتأكيد- مختلفتان لكنهما تتشابهان من حيث صوفيتي الوجدان المكلوم متعدد منابع الوجع متدفق المقاومة تجاه الإفصاح عنه. في الشعر هناك ما يسمى بـ”الكلمة المشعة في القصيدة” على حد تعبير البعض, تأتي على شكل “نواة صوتية” هذه النواة هي ما يمكن تسميته بوحدة بناء القصيدة, دورها -إلى جانب أدوار مفردات أخرى- إعطاء الصورة الكلية للقصيدة شكلا ومضمونا, شكلا حيث البناء الخارجي وما يرتبط به من تجاور بنيوي للمفردات والعبارات والجمل والمقاطع, والعلاقات الناظمة لكل هذه المستويات البنائية, وطرق إخراج تلك المستويات وإظهارها في صيغتها النهائية بنيويا. مضمونا حيث يكمن المعنى والموضوع بفكرته الرئيسية أو المتفرعة للثاني, وبدلالاته التعبيرية الجمالية للأول.
وبحسب نظرية الشكل والمضمون الجامعة: فإن أرقى وأبدع الأعمال الفنية هي التي تجتمع في معمارها الكلي جودتا الشكل والمضمون. تلك الجودة تنبني من خلال أسس معيارية تنشأ على أرضية متينة متماسكة من الوعي والثقافة والفكر والجمال والفن ذاتية الإنهمار, واقعية المثابرة والجدة في التزود بالمعارف وصقل القدرات. إن فكرة الكلمة أو المفردة المشعة في القصيدة هي نفسها فكرة أو بعد البنية المفاهيمية في المجالات العلمية البحتة”.