يستطيعون سجن جسدك، لكن روحك ستظل عصيّةً على العالمين
يستطيعون سجن جسدك، لكن روحك ستظل عصيّةً على العالمين
**
يستطيعون غلق الأبواب والشبابيك عليك، في مساحةٍ محدّدة من مكانٍ معلومٍ ومحاط بالأشواك والحراس، بعد إطفاء الإضاءة، لكنهم سيبقون واقفين حول أبواب سجنك وشبابيكه المغلقة، يراقبون أنفاسك الحرّة في فضاء الظلم والظلام.. ولن يدركوا أنهم السجناء، وأنت الحر بالضرورة.
***
يستطيعون تجريدك من كتبك وأغنياتك وزهورك وشموعك، ومن طمأنينة الرضا الأخيرة، قبل إغفاءتك قبيل الفجر بقليل، لكنهم أبداً لن يجرّدوك من آهتك الحارة، إذا تطلقها برداً وسلاماً بوجه الكون، وأن تضع رأسك على وسادتك المحشوة بمادة الأمل.
***
يستطيعون حجز أيامك ولياليك، وحرمانك من الزمان والمكان، وتكليفك ما يشاءون من أشغال شاقة، لكن هذا كله ليس حريتك، كما أوهموك وتوهمت، ذلك أن حريتك هي إرادتك الساكنة بين شغاف قلبك.. هيهات الوصول إليها، وهيهات سجنها.
***
يستطيعون تغيير نظرة الناس لك، لكنهم لن يستطيعوا تغييرك، إن لم تشتهِ ذلك. هم لن يغيروك أبداً، لكنك تقنع نفسك، أحياناً، أنك تغيّرت بسببهم، أو لأجلهم، أو حتى رغماً عنهم. لكن، ما حدث أنك تغيرت، لأنك أردت ذلك في لحظة زمنيةٍ، ربما توافقت مع خيارٍ من خياراتك التي تتماس معهم.
***
يستطيعون تجييش عواطف الآخرين، وعدّتهم وعتادهم في سبيل إعلان الحرب عليك، وسيقاتلونك باسم الله وباسم الوطن وباسم الناس أجمعين، لكنهم لن ينتصروا، وإنْ بدا لهم ولك ذلك، إلا قليلاً أو مؤقتاً. ستمضي محلقاً بجناح هدفك الجليل محروساً بعين الله ونيات الوطن ومحبة الناس.. ستنتصر وسيخسرون.. ولو بعد حين.
***
يستطيعون تجاهلك، فينكرون معرفتك، ويرفعون حواجبهم دهشةً، إن مرّوا باسمك مكتوباً في خبر أو مقال، ويتصنعون التلعثم، وهم يحاولون نطقه كاملاً، إن تحتم عليهم ذلك، ويتساءلون عمن تكون.. هم الذين كانوا يضعونك على رأس قائمة من يعرفون، ولن يضيرك تجاهلهم ودهشتهم وتصنّعهم وتساؤلهم .. سيضيرهم هم .. وسيعلمون.
***
يستطيعون إثارة الزوابع حولك، وبث الإشاعات عنك، والتشكيك بكل ما تعمل أو ما تقول أو تكتب، لكنهم لن يستطيعوا أبداً تبديل حقيقتك أمام نفسك، أو أمام الآخرين، أو حتى أمامهم.. لن تتغير في أفضل نتيجة لمحاولاتهم سوى صورتك.
***
يستطيعون خداع أهلك وأصدقائك كلهم، إن لم يكونوا هم أنفسهم، بل يستطيعون خداعك أنت، لكن الخديعة كائن مريض، لا تعمر طويلاً، وستنكشف حتماً. ستكون محظوظا إن انكشفت قبل فوات الأوان، وأقل حظاً إن انكشفت لحظة الأوان.. وليس هناك احتمال ثالث. ذلك أن أوان انكشافها لن يفوت أبداً.
***
يستطيعون إقناعك بأنك الأهم في حياتهم، وأنهم لن يقدروا على فراقك، ولن يتحملوا بعادك، وأنهم سيضحّون بكل غال مقابل التمسك بطرف الخيط الطويل المعقد الموصل إليك. لا تصدقهم. سيبادرون إلى قطع الخيط بأسنانهم لحظة يقرّرون أو يشعرون بالملل، أو يكتشفون أنهم سينكشفون، من دون أن يستشيروك أو يخبروك.
***
يستطيعون أن يعدوك بالبقاء حتى آخر العمر، ويغلظون الأيمان استجلاباً لابتسامتك الرضية، بانتظار آخر العمر الموعود، لكنهم سيتركونك فجأة على قارعة الأحلام، تعد الليالي والأيام بالدقائق والثواني، وتقيس المسافات بالسنتيمترات، بانتظار عودتهم. لن يعودوا، لكنهم سيرسلون إليك الوهم والخيبة بالبريد المسجل مع أطيب التمنيات.
سيكون أمامك أن تغير عنوانك الثابت، قبل وصول البريد بوقت طويل.
***
يستطيعون اجتراح ألف معلّقة ومعلقة في مديحك، يكتبونها بماء الذهب، ويعلقونها على أستار قلبك، ويركعون تحت قدميك صلاةً مكتملة الأركان، لولا النيات السوداء الذاهبة بقدسيتها إلى الجحيم. وهكذا، لن تقبلها إلا على نية السخرية.
***
يستطيعون.. كثيراً، لكنك أنت أيضاً تستطيع.
“العربي الجديد”