كان الاستقبال الدافئ والاهتمام الواسع بزيارة خادم الحرمين لتركيا، ومشاركته في القمة الإسلامية بإسطنبول، في أعلى المستويات، وأصبحت لقطة احتفاء الرئيس أردوغان الشهيرة بالملك سلمان، حين النزول من منصة الصورة الجماعية أبرز صور القمة.
كان الاستقبال الدافئ والاهتمام الواسع بزيارة خادم الحرمين لتركيا، ومشاركته في القمة الإسلامية بإسطنبول، في أعلى المستويات، وأصبحت لقطة احتفاء الرئيس أردوغان الشهيرة بالملك سلمان، حين النزول من منصة الصورة الجماعية أبرز صور القمة.
بل إن احتفاء أنقرة بالزيارة وبرئاسة الملك للوفد السعودي، ربما كانت تعادل اهتمامها بالقمة، كل ذلك كمعانٍ خاصة تحملها تركيا وحزب العدالة الإسلامي للشراكة السعودية، ودورها الحيوي اليوم في تحقيق توازن لمحور الشرق أمام العلاقات الغربية الإيرانية الجديدة، لا يُمكن أن تحققها إلا دولتان في حجم وتوازن المملكة وتركيا.
بقي هنا أن نُشير لتخصيص الرئيس أردوغان في كلمته، إشارة صريحة عن سياسة الملك الخارجية كصمام أمان، والتي توجهت فورا لدى المراقبين بأنها تعني دوره في مواجهة المشروع الإيراني، والذي لا يُصرّح به عادة لتوازنات السياسة التركية الدقيقة ومصالحها مع إيران.
وهنا نحن في صدد موقف معنوي مهم لا بد من تثبيته وتطويره في النظر إلى تركيا، الحليف المسلم الشرقي، وإن كنتُ لا أزال أؤكد أن الخطط والعلاقات المشتركة، ينبغي أن تصاغ في إطار المصالح المشتركة والواقعية السياسية، وإن بقيت جذور ونزعة الأمة الواحدة التي تجمعنا مع الأشقاء الاتراك.
وهنا أساسيات أمام المثقف العربي عند النظر للدور المحوري المهم للشرق الإسلامي:
1- نحن لا نزال في مرحلة خطيرة تهدد الاستقرار المركزي الذي يحفظ السلم الأهلي العام في الشرق الإسلامي، ولا تزال حروب الدول المستعلية وجماعات التطرف ساخنة، مع انقسام مجتمعي ومذهبي خطير.
2- لا يمكن للشرق المسلم أن يستقر دون اتفاقيات وسياسات مشتركة تقودها الدول المحورية، ولا يوقف مثل هذه العواصف خطاب الفكر ولا منابر الوعظ، ولا المنظمات الأهلية إنما سياسة الدول .
3- إن الهم الإصلاحي موجود في كل دول الشرق الإسلامي، ومهم جداً أن يكون ضمن ثقافة وقرارات الدول القطرية، لأنه يعزز مسيرتها، وهذا لا يمنع من أن عدم الوصول الى هذه المساحة من التغيير الإصلاحي، لا يوقف تآزر الأمة لدعم أي تكتل يحافظ على استقرارها، ولا يُمكن أن يتم هذا دون تعديل في الميدان الذي يتجه لصالح الطرف الآخر.
وفي ضوء ما تقدم فإننا نرقب بوضوح مسارات مهمة للشراكة النوعية الاستراتيجية، بين تركيا والسعودية في المجلس الذي تم تدشينه في إسطنبول، وإطلاق حراكه الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي.
ونوجز ذلك في الآتي:
1- أبرز ملف تم تناوله في القمة وفي كلمة الزعيمين هو الإرهاب، وأبرز ملف يتم تناوله في الغرب، وفي إيران وموسكو بل ونظام الأسد الارهابي هو الإرهاب أيضاً، وهذا يشير لحجم التضليل الواسع لأطراف عديدة في استثمار هذا المصطلح.
2- ولذلك فإن الشرق الإسلامي أكبر متضرر من قضية إدارة حرب الإرهاب، عبر التسييس المصلحي الغربي أو الطائفية الإيرانية، في حين التعاون التركي السعودي ممكن أن يخلق منهجا مختلفا حتى في خطاب الوعي الاسلامي المتفق عليه .
عبر منظومة خطاب فكري وتعاون ثقافي وإعلامي، يُدشن الوعي الجديد للأمة، ويوثّق أسباب الإرهاب الأخرى، من حروب الدول أو استبداد الأنظمة، والتوافق السعودي التركي يعني التقاء توجهين سنيين مهمين للاتفاق على مصطلح الإرهاب والمناعة الفكرية أمامه.
3- الشرق بحاجة إلى ضبط خطاب المنبر الإسلامي وتصحيحه ومشاركته، لا ازالته ومحاربته، ومن ذلك الرد على المشروع الطائفي الإيراني وتسييس التشيع، والتقاطع الغربي معه، بخطاب الاعتدال الإسلامي الذي يُبصّر الشاب بحقيقة هذا الاختراق وكوارثه، لكن أيضاً يعلّمه ما هي مفاهيم الإسلام المطلوبة منه، وآداب التعامل مع المختلف والشراكة الاجتماعية الوطنية وحقوق المدنيين من البشر، وعدم نقل الحروب الطائفية إلى المجتمع المستقر.
4- من أهم الملفات الاتفاق على كيف يُواجه التقدم الروسي الإيراني في سوريا، وماهي الخطة الميدانية التي تشارك بها أنقرة والرياض، في دعم تسليحي للثوار، وعمليات تدخل بري خاطفة لا تصطدم بالروس وتنسحب فور تنفيذها، وتنفيذ الخطة باتفاق الطرفين أي انقرة والرياض، وليس المتطلب الغربي المتواطئ مع الروس والإيرانيين، وإن استخدمت مظلة التحالف الدولي ضد الإرهاب.
5- تراجع داعش الأخير والواضح، يُعطي مؤشرات لمستقبل مختلف، والحاجة الى استيعاب أولئك الشباب بأي طريقة مأمونة قبل إعادة توظيفهم في مشروع إرهاب آخر، وإعادة دمج اجتماعي لمن لم يتورط بجرم، لأن هزيمة داعش لن تُنهي بالضرورة أعمال العنف والإرهاب، وقد تُسبب اختراقات أمنية مخيفة للشرق الإسلامي، وتوافق أنقرة والرياض قد يمنع الكثير منه.
6- اجتياح الموصل الذي يُعد له الإيرانيون وتصفيتهم لأي حضور سياسي عربي عراقي خارج منظومتهم الموالية في بغداد، كلها تشير إلى عملية اجتثاث بذراع إرهابي هو الحشد الشعبي، وهذا لن يحل قضية الإرهاب بل سيفجرها، وموقف المجلس السعودي التركي سيكون فعّالا جدا مع الغرب ومع الداخل العراقي حين يتبنى موقفا ثالثا.
خاصة حين يتم عبر علاقة خاصة مع أكراد العراق، توقف توظيف بعض الجماعات الكردية في سوريا وتركيا، المتورطة بمشاريع انفصالية دموية، وتتفق على إدارة الموصل من قبل أهلها، وحضور الرياض في أي وساطة مع الكرد، تنسق مع انقرة في صالح المشرق العربي، والذي يحتاج الى جسور حيوية مع الكرد قطعت من عقود.
هذه هي أهم المنعطفات، وكان توجها صحيحا أن تَعزل الدولتان الملفات غير المتفق عليها، خارج طاولة العلاقات ثم تستدعيها وتهيئ لها الأجواء الأفضل، ومن ذلك ملف المصالحة المصري، المهم لاستقرار مصر والمشرق العربي، وبالعموم ما يهم هو بدء مسيرة المجلس السعودي التركي بثقة، وخطوات منهجية لا تتراجع.
نقلا عن اليوم السعودية