محاولة لتجنيد البردوني
يعلق أ.جمال أنعم على إصدار هيئة للكتاب تابعة للحوثيين ديوانين "مشبوهين" للأديب والشاعر اليمني عبدالله البردوني
البردوني: روح، وجدان، تاريخ، وذاكرة وحساسية خاصة وذائقة لا تخطئه على الإطلاق.
لم نقف يوما مرتابين أمام شعر هذا المعجز الساحر العصي على التقليد و التزييف؛
وإذ تحضر الريبة اليوم فلها مبرراتها؛
الحوثيون لا يمكن أن يكونوا أمناء على شعره؛
في هذا الإصدار الشائه المثير للشكوك؛
في الجزء الأول “رحلة ابن شاب قرناها” قصائد لا يمكن أن تجد البردوني فيها. بالنسبة لي، هي محل شك شكلاَ ومضموناَ وبما شابها من أخطاء صادمة. هناك قصيدتان في هذا الجزء تشبهان البردوني. وذكر مطلع الأولى في حواره مع ليلى الأطرش سنة ٩٧ “في زفة الجواهري من آخر المجرى إلى أول النبع ”
أنهى طريقا مستهلا طريق.
نهاية العنقود بدء الحريق
الثانية “بلا عنوان”:
من مرت..؟ بنت الطلاحة
الأحلى والأجنى راحة.
هاتان فقط تبدوان لي بردونيتين من 12 قصيدة.
في “العشق في مرافئ القمر ” هذا الجزء والذي لا أدري سبب تأخيره في الإصدار رغم أن”مراد” (عبدالرحمن مراد رئيس هيئة الكتاب التابعة للحوثيين) يؤكد في مقدمته أنه آخر دوواين البردوني. ضم 7 قصائد تقرأ فيهن البردوني على نحو واضح.
من حقنا ان نتشكك ونرتاب شعرياً وسياسياً وعلى كل مستوى فنحن في حرب وهذه اللجنة واللجان المشكلة الأخرى فيهن نظر، لا تقولوا: هم شعراء وأدباء انقياء وأبرياء من أي دوافع سياسية؛ وأن هذه الانتقادات من أجل “مماحكات بائسة من شخصيات وجهات لم تفعل شيئا للبردني”- كما عبر شاعر وأديب معروف.
تبسيط مخل ومحاولة انتصار فجة للطرف الذي تولى الطبع والإصدار، عبر تبخيس كل صوت مستريب أو منتقد.
الروائي علي المقري كان أقترح تشكيل لجنة أكثر حيادية للنظر في هذه الجلبة. اغضبهم مقترحه وردوا عليه بحنق باد. قال “مراد” في رده؛ حول الأخطاء الصادمة: “- منهج اللجنة في التدقيق كان يقوم على نشر ما هو موجود دون تعديل، أو توضيح، أو حذف أو إضافة”.
واضاف “- فكرة هامش “زربا” الذي ورد كأنه خطأ جسيم ترتكبه الهيئة ورد كما هو في المخطوط دون تدخل من اللجنة ولا من الهيئة وفق المنهج المتبع (مرفق صورة من المخطوط).
وقال “منهج اللجنة في التدقيق كان يقوم على نشر ما هو موجود دون تعديل او توضيح او حذف او اضافة ” . وانظر هذا الكلام السابق المناقض:”. واستعرض “مراد” الخطوات التي سبقت مرحلة الإعداد لهذين الديوانين منذ استلامهما وتشكيل لجنتين للاستلام والإعداد للطباعة وحتى استكمال التصحيح والتدقيق والصف والإخراج.” وتابع: “بعد أن تم الاستلام باشرت هيئة الكتاب بالخطوات الفنية اللازمة من التنضيد والصف الإلكتروني، وشكل رئيس هيئة الكتاب لجنة للمراجعة والتدقيق. حيث حدد قرار رئيس هيئة الكتاب مهام واختصاصات اللجنـة كالتالي:1 – التأكد من صحة النصوص.2 – المراجعة النحوية واللغوية.3 – المطابقة مع المخطوطات إقرار المحتوى بعد التأكد والتوقيع على المحاضر”.
ويقول “تمت هذه الإجراءات لاعتبارات عدة”!
ولاحقا كتب الشاعر جميل مفرح توضيحا واعتذارا عن تلك الأخطاء باعتباره أحد الذين تولوا التصحيح محاولا رغم ذلك تبريرها والتهوين منها واتهام نوايا المنتقدين.
أستغرب كيف يحتشد شاعر وأديب محترم كمحمد القعود ليدبج تلك المقدمة الفخيمة وكأنه لم يقف على تلك الأخطاء الفاحشة الظاهرة بجلاء بشكل ينتقص من قعوده عن القيام بما يليق وفاءا لشاعرنا الكبير. ومع ذلك سأقفز فوق “القعود” متجاوزا مقدمته الترويجية المتعامية تلك.
لسنا في أوضاع عادية وطبيعية. نحن في سياق صراع يستدعي الريبة والشك. وحين يكون الاهتمام بالبردوني “تنفيذا لتوجهات القيادة السياسية الثورية وبرعاية ودعم واسناد محمد علي الحوثي -بحسب “مراد”– فالأمر يستوجب ما هو أكثر من مجرد الارتياب والشك.
هي مهمة لتجنيد البردوني، يريدونه ضمن شعراء ” النفير”. وهو توجه بدأ باكرا من خلال لجنة الثقافة بالمجلس الزيدي، بهدف حشد الشعراء للحرب وجمع القصائد والنصوص المكرسة للقتال وللتحشيد والتعبئة والدعاية والتغني بالصمود والمعنويات العالية والتحدي!
وصدر عن هذا المجلس “شعراء على منصات النفير(٢٠١٧)”؛ فكرة وإعداد بسام الحسام وعبد القوي محب الدين. عضو لجنة إصدار البردوني، مختارات لقائمة طويلة من الشعراء والمتشاعرين حوثة ومتحوثين.
ولم ينسوا أن يدسوا نصا للدكتور عبد العزيز المقالح ضمن محاولاتهم البائسة تجييره.
وبالطبع من شعراء النفير عبد الرحمن مراد ومعاذ الجنيد ممن تولوا الإصدار الأخير ومعهم آخرين ممن نعرف ومنهم عبد الإله القُدسي بضم القاف وتسكين الدال.
في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه العمل على الاصدارين مجهولي المصير، وحضره محمد علي الحوثي، و”مراد” رئيس هيئة الكتاب التابعة للحوثيين، ذكر انه “تنفيذا للتوجه الصادق والحر والنبيل للقيادة الثورية والقيادة السياسية، نعلن اليوم الشروع في طباعة أعمال الشاعر اليمني والعربي الكبير عبدالله البردوني”.
مشيرا إلى “اهتمام عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي الذي وجه ودعم وساند ورعي وعبر عن حرصه على إعادة طباعة الأعمال الشعرية الكاملة للبردوني كما هي في الإصدارات الفردية حيث وقد لوحظ الكثير من الأخطاء والحذف والتعديل في الأعمال الكاملة الصادرة عن الهيئة عام ٢٠٠١م، وسوف تعمل الهيئة – وفقا للتوجيهات – على إعادة طبع أعمال البردوني الشعرية والنثرية وتوفيرها للجمهور”.
من الواضح أنهم يعتزمون السطو على البردوني ويمهدون لتوجه أشمل في التعامل مع شعره وإعادة إنتاجه وتوظيفه. فهو ” أحد أسلحتهم الثقافية في وجه العدوان”-بحسب ابتسام المتوكل.
ويرى “مراد” أن هذا الإصدار يأتي “بمناسبتين مهمتين هما: يوم الشعر العالمي 21 مارس وذكرى العدوان “. ويقول “وقد كان للبردوني منه مواقف شعرية قبل أن يحدث ونظرات نثرية واستبصار
عقلي جدير بالتأمل … ”
حماسة غير بريئة وعمل فيه الكثير مما يدعو للاشتباه والتوقف.
ياهؤلاء.. البردوني يراكم.
وللريبة بقية،،
*جمال أنعم: صحافي وأديب يمني