ككل مرة لا تحمل الحقيبة الحمراء في جعبتها ما يسر،أوراق لشيطنة العالم،واستخلاص شروره وبثها لصنع النزاعات والخلافات التي تعزز الهيمنة الأمريكية على الأرض،وعلى منطقة الشرق الأوسط بالذات.
ككل مرة لا تحمل الحقيبة الحمراء في جعبتها ما يسر،أوراق لشيطنة العالم،واستخلاص شروره وبثها لصنع النزاعات والخلافات التي تعزز الهيمنة الأمريكية على الأرض،وعلى منطقة الشرق الأوسط بالذات.
مؤخراً اجتمع وزير الخارجية الأمريكي – حامل الحقيبة الحمراء – بوزراء الخارجية الخليجيين،وُصف الإجتماع بالمهم،وخُصص لمناقشة تطورات المنطقة عموماً واليمن خصوصاً،بدا هذا العنوان مملاً للغاية،حيث أنه لم يأتِ بجديد،فأوباما كان في الرياض من أسابيع لذات الغرض،فما الذي يجعل كيري يعود على وجه السرعة لمناقشة ذات الموضوع؟
كان المحور الخفي مختلفاً،ينذر بكارثة حقيقية على الجزيرة العربية،وقضايا المنطقة برمتها،فالوزير الأزور جاء بما لا تشتهيه أشرعة سفن الخليج العربي..هذه المرة جاء حاملاً سؤالاً تفضيلياً،مع ترجيحه كالعادة لأولوية الأخذ بما تراه الولايات المتحدة في ظل الظروف الدقيقة والصعبة حسب وصفه.
أوعز كيري لنظراءه الخليجيين بضرورة تحوير البوصلة تجاه العدو الذي يعتبره بالمخيف والخِطر،محذراً إياهم من استمرار تصويب الجهود العسكرية تجاه اليمن دون الأخذ بتمدد تنظيم داعش وتزايد خطره،ويواصل نصائحه الغير صالحة زمانياً قائلاً أن داعش هي الأولى بالمواجهة والتعامل الحازم على أن تتوقف الأعمال القتالية في اليمن ويُتاح المجال لحل سياسي هو الأنجع لوضع حد للأزمة اليمنية حسب تعبيره.
عزز كيري بهذه النصائح المكنونة بتوجهٍ أمريكي جديد في المنطقة ما تناقلته عنه عدد من وسائل الإعلام حول عدم ضرورة إجراء التعديلات الأخيرة في اليمن واصفاً إياها بأنها لا تدعم الجهود السياسية المبذولة لإنهاء الوضع القائم في البلاد،وهو ما يفتح المجال أمام تساؤلات عديدة تنذر بعديد تكهنات قد تحول دون إتمام عمليتي الحزم والأمل والتوقف عند حد حل سياسي يكون للحوثيين فيه نصيبٌ ضامنٌ لما بعده،سيكون بمثابة الحفاظ على مكونهم،ومد يد النجاة له بعد اجتماع أكثر من20 دولة عليه لإنهاءه وجعله عبرة لكل تنظيم مسلح يحاول العمل كيدٍ عابثة حسب إملاءات دول أخرى.
ليست داعش بتلك الأولوية التي تجعل الولايات المتحدة تجمع الطاقات المسلحة لمواجهتها،فيما عجز التحالف الدولي تحقيق شيء يذكر على الأرض،وأظهرت صحيفة بريطانية أرقاماً مذهلة لمدى المغالطات الواضحة التي تقوم بها دول التحالف الدولي وهي تسوق تقريراً مفصلاً عن العمليات ضد التنظيم المثير للجدل حول نشأته والطفرة الكبيرة التي رافقت عملياته النوعية في غضون أشهر قليلة من مولده..ما كان لتنظيم داعش أن يترعرع دون غض الطرف عنه،ومباركته من كبرى القوى العالمية وذلك لمآرب شتى أبرزها ضمان استمرار المنطقة في فوضى دائمة،إضافة لإقحام دول أخرى في مربع تلك الفوضى وهي في غنىً تام عنه،لكنها باتت اليوم مجبرةً للتعامل مع المتغيرات التي أحدثها التنظيم المعجزة،الملتهم لكبرى المعسكرات العراقية،والمسيطر على رقعة أرض واسعة من سوريا،في زمن قياسي أثار العديد من الشكوك عن حقيقة ما جرى ويجري حتى اليوم بدءاً بظروف نشأته وظهوره ،ثم اقتحامه المدن وتهاويها أمامه،ومن ثم الممارسات المشينة التي حرص على ارتكابها من مدينة إلى أخرى في تصوير حقيقي لمدى مخالفته للشرع والقوانين والأعراف الدولية.
هذا ما تريده أمريكا وحلفاءها،ولذا تعمل بكل قوتها الدبلوماسية على إقحام دول الخليج – ذات القوة المادية والعسكرية – للخوض في قتال عقيم مع تنظيم مزود بكافة احتياجاته منها،وتعمل كذلك على تخفيف وطأة الحرب ضد مليشيات الحوثي التي باتت أقرب للخضوع بعد فقدانها العديد من المحافظات في ظل الغارات المتواصلة لطيران التحالف والعمليات العسكرية المستمرة من محافظة إلى أخرى.
كل المعطيات تعطي الأولوية لاستقرار اليمن،وتأمينها،ومن ثم الخوض في غمار حرب أخرى للخلاص من وباء التنظيم الدولي المستتر بالإسلام النزاعي الطائفي المتعجرف،حيث لا يمكن التوجه لحرب جديدة وبوابة الجزير الجنوبية الأوسع لا تزال محكومة بالقلاقل والنزاعات،وتدثر بالفرقة والآلام التي لا تتوقف..على دول الخليج أن تجيب على سؤال كيري بكل وضوح،حيث خيرها باليمن أم داعش،مع محاولته فرض التوقف في اليمن واستمرار عملياتها ضد داعش،فيما تبدو اليمن هي الأهم وهي فاتحة أي انتصار محتمل للدول الخليجية على تنظيم داعش وأقرانه من التنظيمات الأخرى.
اليمن أولاً،ومن ثم نزال آخر،فلا أمن للمنطقة دون وضع حد لهواة الفوضى والخراب،ولا استقرار إلا بمواصلة الحزم وصنع الأمل لبلد لا زالت الحرب تأكل أخضره ويابسه،وتُنزف دماءه،وتوغل في أبناءه،وسط هدنة لا تعدو عن كونها كذبة إبريل الكبرى في وطن لا يزال أبناؤه ينتظرون أن تترجل الحرب عنهم وتذهب إلى حيث لا رجعة.
وهو ما يعيد السؤال على طاولات ومكاتب زعماء الخليج بكل ما حملته الكلمات السابقة..اليمن أم داعش؟!
فهل من إجابة فعلية،توقف الغطرسة ذات النزعة السلالية،وتفتح الباب لدخول صنعاء دون انتظار الموافقة الأمريكية،لتكون اليمن أولى من داعش؟!