فنان يمني يقاوم أوجاع الحرب بالطرب الشعبي
يمن مونيتور/ د ب أ
لم تثن ظروف الحرب الصعبة العديد من اليمنيين عن مواصلة هواياتهم الفنية والتربية، ونشر ثقافة الفن والسلام في بلد يعاني جراء الصراع المتصاعد منذ نحو ثماني سنوات، فبرز فنانون ومطربون في عدة محافظات، يعزفون أوتار السلام والمحبة والوئام، رغم قسوة الأوجاع المتواصلة والآلام المستمرة.
“علي عبد الله مهيوب”، أحد هؤلاء المطربين الشعبيين الذين تمسكوا بالعزف في مقاومة تداعيات الحرب، وكان لهم نصيب من الفن الجميل الذي انتشر في أوساط السكان.
يقيم علي الذي يبلغ من العمر 57 عاما، في تعز، المحافظة الأكثر سكانا في اليمن، والتي تعد عاصمة الثقافة في البلاد، وكان لها نصيب أكبر من دمار الحرب وأوجاع الصراع.
يمتلك على هواية الفن والطرب منذ بدأت طفولته قبل عقود، وقد شرع في تعلم العزف على العود في الثمانينيات من القرن الماضي، عندما قدم له ابن عمته آلة العود بعد عودته من سوريا آنذاك.
يفيد علي في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) أن ابن عمته كان حينها يدرس في سوريا ويعزف بجميع الآلات الموسيقية ولديه هواية في الفن، فقدم له هذا العود هديه ليكون من بين الأسباب التشجيعية الرئيسية التي ساعدته في شق طريق الطرب.
ويوضح أن مسيرته الفنية بدأت في تقليد أغان يمنية شهيرة للفنان المحلي المعروف أيوب طارش العبسي الذي يعد أحد أبرز المطربين في البلاد.
وإلى جانب ذلك قام بتنمية ثقافته الفنية والأدبية، حيث حرص على قراءة كتب الشعر الغنائي للشاعر اليمني الشهير الراحل عبد الله عبد الوهاب نعمان، الذي غنى لها كثيرا الفنان أيوب طارش.
وكان علي يقوم بتلحين بعض القصائد ويمارس الفن عليها بشكل مستمر، إضافة إلى غنائه مقاطع فنية قصيرة من موروثات شعبية يمنية وشامية وأجنبية.
وينتمي علي إلى أسرة فنية في ريف تعز، وهو ما أثر بشكل أكبر في تنمية موهبته الغنائية، حيث كان والده مطربا ومنشدًا دينيا، ويمتلك صوتا جميلا.
فذات مرة أثناء بداية تعلمه الغناء في طفولته، قام على بتسجيل مقطع لوالده، واستطاع تقليده باحترافية، مع الضرب على الأواني المعدنية لإضفاء جانب موسيقي للأغنية، ضمن مسار البدايات التي مارسها كثير من المطربين.
ومن بين المواقف الفنية الجميلة التي مازال يتذكرها، يروي علي أنه قام بأداء أغنيات فرائحية أثناء زفاف أخيه قبل نحو أربعين عاما، ولاقى إعجاب الكثيرين، وكان حينها لا يوجد أدوات تسجيل لتوثيق أغانيه وذلك الفرح.
علي رجل متزوج ولديه خمسة أبناء، أحدهم أكمل دراسة في كلية الصيدلة وثان ما زال يدرس في جامعة تعز، فيما ثالث يدرس في الثانوية العامة، إضافة إلى ابنتين.
يمارس على هوايته الفنية بشكل يومي في منزله ويحظى بإعجاب الزائرين، ويقول إنه لا يملك عمل آخر غير ممارسة فنه، خصوصا بعد أن ساء وضعه الصحي نتيجة لإصابة تعرض لها خلال الحرب.
وهو من بين ملايين اليمنيين الذين تضرروا جراء الحرب، لكنه كان من بين أكثرهم وجعا بسبب إصابة تعرض لها وأدت إلى بتر ساقه خلال سنوات الصراع.
توقف علي عن العزف لثلاث سنوات عندما بترت قدمه عام 2018 جراء انفجار لغم ولم يستطع المشي أو العزف كما كان في السابق.
يقول إنه بعد إصابته وبتر قدمه تأثر كثيرا حتى أنه كاد أن ينسى كيفية العزف، ففقدان قدمه أعاقت حركته ولم يستطع حمل العود أثناء تنقله من مكان لآخر.
وبعد أن حصل على قدم صناعية بدأ ممارسة العزف من جديد ومزاولته دون أي أخطاء بسبب شغفه وحبه للفن ونقل الموروث الفني القديم للأجيال ونشره في نطاق واسع، عكس ما كان سابقا حيث لا توجد أدوات تسجيل ونشر، كما يقول.
ويواجه الفنانون في اليمن صعوبات كبيرة في ممارسة هواياتهم، من بينها ضعف الجانب الأمني والمعيشي، وغياب التشجيع الحكومي والرسمي.
وفي هذا السياق يقول علي “واجهت العديد من المعوقات في حياتي الفنية، مثل إيجاد أجهزة تسجيل وتوثيق غنائي، إضافة إلى قلة دعمي في نشر أعمالي عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي”.
ولفت إلى وجود بعض الأشخاص الذين يقفون حجر عثرة أمام نشاطه الفني، لكنه مصر على مواصلة طموحاته.
ويقول إنه “تجاوز جميع المعوقات بسبب الصبر والعزيمة، حتى باتت الآلة الموسيقية شيئا أساسيا يمارس الفن من خلالها بشكل يومي”.
ويأمل علي كثيرا في أن يعود اليمن إلى ما كان عليه قبل الحرب، من حيث الأمان والسكينة والسلام.
ويشدد على ضرورة مواصلة رسالة السلام في أوساط اليمنيين حتى يتم إنهاء جميع الصراعات والخلافات.
ويتابع حديثه “أريد أن أوصل رسائل سلام وحب وفرح وإخاء… يجب أن ننسى الحرب وأوجاعها الكئيبة”.
ووجه رسالة لجميع الفنانين المتضررين بسبب الحرب أن يمارسوا هوايتهم وعملهم وأن لا يفقدون الأمل، وأن يقاوموا ظروف الحرب بالفن والأمل والسلام.