(حصري) قرارات وأجهزة مخابرات جديدة.. كيف يواجه الحوثيون مخاوف السخط الشعبي والانشقاقات الداخلية؟
يمن مونيتور/ وحدة التحليلات/ خاص:
كثفت جماعة الحوثي المدعومة من إيران، الجهود لتعزيز قبضتها الأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، منذ بداية العام خشية تحركات شعبية مناهضة لها بدأت ملامحها تظهر في أكثر من محافظة.
بلغ السخط الشعبي ذروته في مارس/أذار الماضي عندما أقرت الجماعة المسلحة جرعة سعرية على الوقود من 10 آلاف للجالون سعة 20 لترا إلى 16 آلاف ريال (الدولار=555 ريالاً)، الأمر الذي أدى إلى رد فعل غير متوقع من الشارع وتحديدا في أمانة العاصمة، ومحافظات إب والبيضاء ومناطق أخرى، حيث قاموا بركن سياراتهم وتغطيتها في الشوارع العامة. وانتشرت جداريات غاضبة “ارحل يا حوثي، واليمن ليس تبع إيران، متنا من الجوع ولم تمت أمريكا”، واجهت مليشيا الحوثي الشعارات بحملات خطف مكثفة وحولت أصحاب المنازل والشوارع التي كتب عليها الشعارات إلى أدوات للمراقبة والتجسس وهددتهم بمصادرة منازلهم إن كتبت الشعارات مرة أخرى، وفقا لمصدر في إب تحدث إلى يمن مونيتور.
عزا الحوثيون تلك الموجة من السخط العام إلى “العدو” في إشارة إلى الحكومة المعترف بها دولياً والتحالف الذي تقوده السعودية. وسعيه لتمزيق “الجبهة الداخلية من خلال حربه النفسية اليومية”- حسب بيان المتحدث العسكري باسم الجماعة يوم 21 مارس/آذار الذي هدد بأن قوات الجماعة “تهيب بكافة أبناء الشعب اليمني الحفاظ الكامل على ما تحقق من إنجاز خلال السنوات الماضية والبناء عليه من خلال الاستمرار في عملية الصمود حتى تحقيق الحرية والاستقلال”.
اقرأ/ي أيضاً.. حرب شوارع وانشقاقات وتمردات داخل الجماعة… كيف تنهار سلطة الحوثيين في محافظة إب؟ (تقرير خاص)
أولويات الداخل
الأهم في ذلك البيان هو تحول أولويات الحوثي من مواجهة الحكومة خاصة بعد هزيمة الحوثي مطلع العام في جبهتي مأرب وشبوة إلى ما يسميه الجبهة الداخلية بتأكيده أن قوات الجماعة “ستقف إلى جانب الجهات الأخرى في التصدي الجاد والمسؤول لتلك المحاولات”.
بعد أشهر قليلة من تلك التصريحات عمدت جماعة الحوثي إلى إنشاء سلسلة من أجهزة الاستخبارات الجديدة في مناطق سيطرتها، مع مخاوفها من انعكاس الأوضاع الحالية وحالة السخط الشعبية على مستقبل الجماعة.
في يوليو/تموز الماضي نشرت وكالة سبأ الحوثية خبرا عن لقاء مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى للمليشيا بالقيادي في الجماعة عبدالمحسن الطاووس، ولقبته بمسؤول ملف الاستقطاب المعادي.
وقالت الوكالة: أن المشاط والطاووس ناقشا سبل مواجهة الاستقطاب الذي يقوم به العدوان، ومتابعة كافة الجهات المعنية وذات العلاقة بهذا الملف عبر الآلية المعتمدة، وشدد على أهمية وضع خطة لمواجهة الاستقطاب المعادي وتجفيف منابعه.
يمثل الطاووس رجلاً لـ”أحمد حامد” مدير مكتب الرئاسة المسؤول الأول تنظيمياً عن مهدي المشاط، يوصف داخل جماعة الحوثي بصفته “رئيس الرئيس” ومقربا للغاية من عبدالملك الحوثي. ويعزز أحمد حامد نفوذه داخل الجماعة منذ مقتل صالح الصماد بغارة جوية في محافظة الحديدة عام 2019م.
إلى جانب مواجهة المنتقدين في مناطق سيطرتهم، أو السخط الشعبي، يخشى الحوثيون من حالة استقطاب داخل الجماعة لخصومهم في الحكومة المعترف بها دوليا خاصة مع زيادة الخلافات الداخلية الذي وصفه قيادي في الجماعة ب”الصدام” بين أحمد حامد من جهة ومحمد علي الحوثي وأقاربه من جهة أخرى. لمواجهة ذلك تزدحم المهام في مكتب عبدالملك الحوثي أو ما يوصف داخل الجماعة بـ”مكتب السيد” بالقضايا والشكاوى بين الطرفين وحلفائهم في المحافظات ومؤسسات الدولة.
اقرأ/ي أيضاً.. (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟
عروض عسكرية موجهة
في ذات السياق ظهر عبدالملك الحوثي في سلسلة خطابات قبيل عيد الأضحى، وبعده في خطابات عنوانها عهد علي بن أبي طالب إلى الاشتر، ضمن محاولات المليشيا تهدئة الغضب الشعبي، المتفاقم الذي صار صوته يسمع بقوة في وسائل التواصل الاجتماعي على الأقل ضد قرارات حوثية مثل تعديلات المناهج أو نادي الخريجين وهو أمر لم يكن موجودا من قبل.
لم تتوقف المليشيا عند حد معين من إجراءات الترهيب، وبدأت سلسلة عروض عسكرية غير مسبوقة في أمانة العاصمة والحديدة وإب وذمار، وبينما كان الحوثي في خطابه يزعم أنها موجهة ضد الحكومة والتحالف، أثناء مفاوضات الهدنة، فإن مراقبين قالوا ليمن مونيتور إن الهدف الرئيسي من العروض هو مواجهة الداخل الذي ازدادت مطالبه من الحوثيين.
وقال مسؤول في وزارة الداخلية التابعة للحوثيين في صنعاء لـ”يمن مونيتور” إن العرض العسكري في صنعاء كان لوزارة الداخلية والأمن والقوات الخاصة وجميعها قوات مهددة للداخل.
يشير المسؤول إلى أن “الحوثيين جمعوا جميع الجنود السابقين ومن تم إضافتهم في قوائم الوزارة وهم بالآلاف قبل أكثر من أسبوعين في تمارين يومية للتحضير لذلك العرض العسكري”.
على عكس العرض العسكري في محافظة الحديدة، غلب العرض العسكري في صنعاء بأسلحة خفيفة ومتوسطة، يقول المسؤول في الداخلية إن الرسالة كانت واضحة للمسؤولين المحليين الموجودين في صنعاء أنهم متفرغون لتعزيز الجبهة الداخلية وقمع أي أصوات مناوئة للجماعة.
في سبتمبر/أيلول الماضي كان الجميع على موعد مع تظاهرات بمناسبة ذكرى 26 سبتمبر الثورة اليمنية ضد الحكم الإمامي الكهنوتي الذي يُتهم الحوثيون بصفتهم حركة لإحياء الدكتاتورية الكهنوتية السابقة؛ اعتقل الحوثيون المئات في تلك الليلة والأيام اللاحقة.
تحدثت المصادر لـ”يمن مونيتور” شريطة عدم الكشف عن هويتها لأنها غير مخولة بالحديث لوسائل الإعلام.
اقرأ/ي أيضاً.. (تحليل) مدونة سلوك الموظفين الحوثية.. حملة تطهير مذهبية بطرق العصور الوسطى
جهاز مخابراتي جديد
ومع بدء الاحتجاجات الشعبية في إيران المناهضة للنظام في سبتمبر/أيلول عقب مقتل شابة كردية على يد شرطة الأخلاق، والاحتفال العارم في وسائل التواصل الاجتماعي وفي محافظات أمانة العاصمة والحديدة وإب بذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، (وهو تطور لم يكن ممكنا من قبل) أنشأ الحوثي جهازا مخابراتيا جديدا، باسم برنامج الصمود الوطني.
لم تفصح المليشيا مضمون البرنامج الذي اعتمدته بقرار من المشاط، كما لم تنشره الجريدة الرسمية للجماعة، لكن وكالة سبأ التابعة لهم نشرت مقتطفات عن البرنامج.
واعترف المشاط في تدشين البرنامج قبل إصدار قرار إنشائه في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي بأن “الوضع صعب، رغم الهدنة، وهناك صعوبات وتحديات نواجهها”.
وكعادة جماعة الحوثي ظاهر البرنامج تحسين مستوى خدمات مؤسسات الدولة، وقال المشاط : “هدفنا جميعاً هو الوصول إلى كل مواطن في إطار سلطة المجلس السياسي الأعلى بالخدمات والتنمية، هذا هدفنا العام، ولا يوجد لدينا هدف يخص فئة أو منطقة”.
وتوعد مجددا الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بالقول “الحرب لم تنته بعد بل هي مستمرة وبطرائق متعددة، وسلاحها الوعي في هذه المرحلة، وعليه يجب الارتقاء بالوعي وعدم الاستماع للمنظماتيين وأبناء ومخلفات السفارات”- في إشارة لمنظمات المجتمع المدني.
اقرأ/ي أيضاً.. سياسة نهب الأراضي.. خطة الحوثيين لإحداث تغيير ديمغرافي في المُدن اليمنية (تقرير خاص)
مراقبين في كل مكان
وبحسب مصادر مفتوحة اطلع عليها يمن مونيتور فإن أهم ما ورد في برنامج الصمود الوطني وقرار إنشائه الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري برئاسة قاسم الحمران أحد أهم القادة الحوثيين هو: تأسيس جهة تنفيذية مستقلة بموارد من حكومة الحوثي تعمل على استمرار التعبئة والحشد في كل القرى والمناطق، بالإضافة إلى تعيين مراقبين في مختلف المدن والمناطق والمديريات والحارات، لكشف المشككين والمناوئين لحكم الحوثيين وملاحقة الأشخاص المثيرين للرفض الشعبي تجاههم، ومعاقبتهم أو إحالتهم للأمن والمخابرات.
الأخطر في البرنامج أن له “حق استخدام جميع مؤسسات الدولة في تنفيذ نشاطاته وتحقيق أهدافه”، رغم ادعاء قاسم الحمران أن البرنامج ليس بديلا عن مؤسسات الدولة في مناطق سيطرة الحوثي.
ومن جانب آخر عمدت جماعة الحوثي في نوفمبر/تشرين الثاني أيضاً إلى إصدار مدونة السلوك الوظيفي في المؤسسات الحكومية، التي نصت على أن على كل موظف حكومي أن يوقع على المدونة للبقاء في منصبه، (رغم انقطاع المرتبات من ست سنوات عنهم) وأن يؤمن بولاية عبدالملك الحوثي عليه، وأن يحضر جميع الفعاليات الثقافية الحوثية ودوراتها الطائفية، وأن لا يتكلم مطلقا على وسائل التواصل الاجتماعي بأي مظلمة سواء عن المؤسسة العامة التي يعمل فيها أو بأي تعليق مخالف للنظام، وفق ما جاء في المدونة.
القرارات الحوثية الجديدة اعتمدت على مجموعة من القيادات الحوثية شديدة الولاء للحوثي ومن دائرته الضيقة: فعبد المحسن الطاووس من ذمار من أوائل المقاتلين مع الحوثي في صعدة، وأول مشرف حوثي على محافظة ذمار بعد سيطرة الجماعة في 2014 ثم تولى الأمانة العامة لمجلس التنسيق والمساعدات الحوثية سكشما.
وقاسم الحمران عمل نائب وزير تربية للحوثي ويمسك بالمناهج فعلا، وقاد تعديلاتها، بالإضافة إلى منصبه الجديد عسكريا بقيادة قوات الدعم والإسناد التي تعمل على طريقة الباسيج الإيراني وفقا لتقارير دولية.
ويشغل أحمد حامد الرجل الأقوى في مليشيا الحوثي في صنعاء منصب مدير مكتب مهدي المشاط أو ما يعرف على نطاق واسع برئيس الرئيس أو مشرف الرئيس وصنفه تقرير خبراء العقوبات في مجلس الأمن بأحد ثلاثة أقوياء في مليشيا الحوثي، كما يشغل منصبا جديدا مستحدثا باسم رئيس القطاع الإداري لمؤسسات الدولة.