هروب من عبث الحروب!
نحن الذين عبثت بنا الحروب لسنوات عديدة كمْ نحتاج في كل لحظة وحين أن نهرب من هذا الواقع الأليم الذي سئمنا العيش فيه، نتمنى أن نهرب منه، تمامًا كما يحلم السجين بالخروج من السجن- الذي أودع فيه ظلمًا – إلى فناء الحرية والنعيم؛ لينعم بعيش كريم كبقية العالمين.
ولحسن الحظ فالكثير منا يقدر على الهروب ولو لبعض الوقت، الكثير منا اليوم من يهرب من واقعه المليء بالوجع إلى عالم الإنترنت فيعيش هناك وقتًا طويلًا في شرود كبير محاول أن ينسى من خلال هذا العالم ما يحدث في أرض الواقع، أو يهرب إلى الكتابة التي من خلالها يقدر على رسم واقع جميل كما يريد هو، ومن ثم يعيش مع هذا الواقع الذي رسمه بكلماته لبعض من الوقت، فيكون هذا الوقت أسعد ما يمكن أن يعاش.
لقد أصبح للشبكة العنكبوتية والكتابة والرسم دور بارز في التنفيس عن النفس للكثير من اليمنيين في ظل هذه الأوضاع الصعبة والواقع المليء بالمنغصات.
الكثير من اليمنيين اليوم يهربون إلى واقع الإنترنت فيعيشون فيه أكثر أوقاتهم وذلك بعدما كانوا يحلمون بواقع جميل لكنهم لم يجدوا إلا عكس ما يحلمون به، كانوا وما يزالون يحلمون بسلام يعم البلاد وعادة ما تفزعهم أصوات المدافع وأنباء الموت التي تتوالى عليهم من كل مكان، يحلمون بعيش هنيء فيوجعهم غلاء الأسعار والكدر المعيشي وتدني سعر العملة بين حين وآخر، يحلمون بحياة يملؤها الأمن الغذائي والصحي والعلمي فيفيقهم من حلمهم هذا صوت طفل يبكي لأنه لم يحصل على قطعة خبز، وآخر لم يجد قلمًا يكتب به دروس اليوم، وثالث يتلوى ألم إثر إصابته بمرض هو منتشر في البلاد عامة.
الكثير من الناس اليوم من يلجأ للكتابة والرسم، والكثير منهم من يلجأ لعالم الإنترنت لينشر فيه ما يختلج في صدره، يبوح عن مكنون الفؤاد بالطريقة التي يقدر عليها وبالأسلوب الذي يمتلكه، وكل هذا له تفسير واحد وهو الهروب من العناء الذي يعيشونه في الواقع ومحاولة منهم لصناعة عالم صغير خاص بهم فيه القليل من الحب والهدوء والاستقرار الذي حرمهم منه الواقع.
يلجأ الكثير من اليمنيين اليوم للكتابة ليرسموا لهم عالمًا آخرًا جميلًا، عالمًا لم يقدروا على رؤيته في الواقع فيحاولون أن يبحثوا عنه بين السطور ويغرسونه في وسط الكلمات لكي يعودوا لرؤيته كلما أتعبهم الواقع وكلما أنهكتهم الحياة بمنغصاتها التي لم تنتهِ؛ بل تظهر بكل حين بوجه جديد أشد بشاعة من ذي قبل.
هكذا نحن الذين عبثت بنا الحروب… نريد أن نعيش ما نكتبه ونرسمه، نريد أن نعيشه ونحيا فيه ولو لوقت قصير ولهذا أنا نكتب، بل إننا في الكثير من الأحايين نفرض على القلم أن يكتب أشياء جميلة متحدين الواقع الذي يفرض علينا أن نعيش في جحيمه طوال الوقت.