(تحليل) مدونة سلوك الموظفين الحوثية.. حملة تطهير مذهبية بطرق العصور الوسطى
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ تحليل خاص:
أصدر الحوثيون مدونة جديدة للسلوك الوظيفي، تقوم على أسس طائفية “شيعية” وتحاول تدجين الموظفين الحكوميين ليصبحوا أداة فاعلة لخدمة الجماعة المسلحة التي تسيطر على صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية الأكثر كثافة سكانية.
يقدم هذا التقرير تحليلاً “لمدونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات العمل في وحدات الخدمة العامة”، التي فرضها الحوثيون على موظفي القطاع العام في مناطق سيطرته والذي يتجاوز عددهم 800 ألف موظف.
تبدأ المدونة الجديدة بكلمة توجيه من زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، ثم تأكيد مهدي المشاط أن المدونة مُلزمة على الموظفين فهي: تصحـــح مفهوم الوظيفـــة العامـــة، باعتبارهـــا مســـؤولية لخدمة الناس فـــي المقـــام الأول، وينظر إليهـــا نظرة مقدســـة.
يقول محررو المدونة أنهم حرصوا على أن تكون الوظيفة العامة “وظيفة تعبدية، وممارسة أخلاقية وضمانة فاعلة للانضباط الوظيفي”.
لا يفرق الحوثيون في المدونة بين موظفي الدولة وبين أعضاء الجماعة، وتعتبر الموظفين أعضاءً في الجماعة المسلحة ومسؤولين في حلقاتهم، فإما أن الحوثيين يريدون الاستحواذ على ما تبقى من الوظيفة العامة بطرد الموظفين الحاليين أو أنهم يريدونهم أتباعاً خُلص لفكر الجماعة ومعتقداتها وهذا صعب إن لم يكن مستحيلاً.
طائفية بالكامل
عدا الإشارة إلى أن الوظيفة تعبدية يكافئ صاحبها ويتم ترقيته بناءً على الالتزام بها وإقالته بموجبها، فإنها لم تشر -المدونة- إلى حقوق الموظفين، في وقت لم يتسلم الموظفون الحكوميون رواتبهم منذ عدة سنوات.
تقول المدونة إن الإطار المرجعي لها يقوم على أساس مرتكزات أساسية كأساس قانوني، وتشير إلى الطائفية بشكل واضح لا لبس فيه. من الهدي النبوي والذي يضم أعلام الهُدى بطبيعة الحال وهم في المذهب الزيدي وينضم إليهم عبدالملك الحوثي. و”عهد الإمام علي لمالك الأشتر” وهو عهد شيعي يقدم الحوثيين بصفتهم الحُكام ومن غيرهم بصفتهم تابعين وموالين يفرض مفهوم “الولاية” أو “الحق الإلهي” للجماعة والشعب رعايا. ودروس ومحاضرات من هدي القرآن الكريم، وهي عنوان نصاً يأتي من ملازم حسين بدر الدين الحوثي مؤسس الجماعة ثم شقيقه الزعيم الحالي عبدالمك الحوثي.
كما أن المدونة تشير إلى “خطابات ومحاضرات عبدالملك الحوثي” باعتبارها واحد من المرتكزات الأساسية إلى جانب “الهوية الإيمانية” التي تحاول الجماعة فرضها وتؤسس لمجتمع تابع لها.
أما المراجع والتي تعتمد عليها المدونة فليست لها علاقة بالمرتكزات إذ كونها مرجعية بحثية أكاديمية، لكن جرى البحث فيها بما يتوافق مع المرتكزات الأساسية. وهذه المراجع “الدستور والقوانين واللوائح والعرف الإداري”! والتي لم يتم تضمينها بالمطلق في هذه المدونة.
تشير المدونة إلى أنه لضمان تطبيق المدونة: الربط الوثيق بين مدى الالتزام بالمدونة وإجراءات تقييم الموظفين؛ والمساءلة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب فيما يتعلق بالالتزام بالمدونة؛ يقوم جميع الموظفين بتوقيع تعهد خطي بالالتزام بما جاء في المدونة.
الوظائف لمن يؤمن بالولاية
تشير المدونة إلى المبادئ والقيم إلى أن “التولي لله عز وجل ولرسوله وللذين آمنوا” ووفقاً لمرتكزات مالك لأشتر فإنها تأتي من تولي علم الهدى عبدالملك الحوثي. وعادة ما يقوم المجندون الحوثيون بتقديم شعار: اللهم إنا نتولاك، ونتولى رسولك، ونتولى الإمام علي، ونتولى من أمرتنا بتوليه، سيدي ومولاي عبدالملك بدرالدين الحوثي.
وفقاً للمرتكزات الأساسية، فإن المدونة تشير إلى العوامل التي تعين على أداء المسؤولية بينها “الاهتداء بكتاب الله وبرسوله الله وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب”. وهو أمر متعلق بالولاية والحق الإلهي كما أسلفنا.
في مسؤوليات الموظفين تقول المدونة إن على الموظف: الالتزام بمبدأ الولاية لله ورسوله والذين آمنوا، وذلك بالاتباع الصادق والعملي في الموقف والنظرة والتوجه.
تلزم المدونة الموظفين بما تسميه “التربية الإيمانية” وهو مصطلح يشير الدورات الثقافية لجماعة الحوثي المسلحة. وتشير نقطة أخرى إلى أن مهمة الموظفين “العمل مع بقية الجهات على تفعيل البرامج والأنشطة التي تحافظ على الهوية الإيمانية ومواجهة كافة الأنشطة العدائية التي تستهدف وحدة المجتمع.
تفرض المدونة على المسؤول أن يسعى “للارتقاء إيمانياً وأخلاقياً” بمرؤوسيه، في إشارة إلى أنه أعلى رتبة تنظيمية من بقية الموظفين!
التحشيد للقتال
يفرض الحوثيون بموجب المدونة على السعي المستمر لما أسموه “الارتقاء الإيماني” من خلال التفاعل الجاد مع الدورات الثقافية والبرامج التربوية الخاصة بالجماعة.
هذه هي المرة الأولى التي يقوم الحوثيون بوضع الدورات الثقافية الخاصة بالجماعة كمعيار -مكتوب- في التوظيف على الرغم من كون الجماعة تمارسه منذ سيطرتها على صنعاء في سبتمبر/أيلول2014م.
تفرض المدونة على الموظفين المشاركة والتحشيد “لما أسمتها الروح الثورية والمشاركة في إحياء المناسبات الدينية والوطنية”.
في مسؤوليات الموظفين يفرض الحوثيون على الموظف “تبني المواقف الواضحة من أعداء البلد والأمة والاشتراك بفعالية في أنشطة التعبئة العامة”.
تعيد المدونة الإشارة إلى الوظيفة بصفتها مسؤولية بنظرة مقدسة ودينية.
التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام
وحظر الحوثيون تواصل الموظفين الحكوميين مع وسائل الإعلام ونشر البيانات والمواد على وسائل التواصل الاجتماعي،
وأفردت المدونة الجديدة، قسماً خاصاً بضوابط التعامل مع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وتقول إن على الموظفين الحكوميين “عـدم الإدلاء لوسـائل الإعلام أو النشـر في وسـائل التواصـل الاجتماعي، بـأي معلومـات أو تقـديم أي وثائـق، أو مسـتندات، أو التعليـق، أو التصريـح، أو المداخلة في أي مواضيع خاصة ذات علاقـة بوحـدات الخدمة العامـة وتخالف التوجـه العـام والمصلحة العليـا للدولة”.
وتضيف المدونة إن على الموظفين الحكوميين عدم إصدار بيانات أو معلومات تناهض جماعة الحوثي والسياسة العامة للسلطة التي تديرها. بالقول: عـدم إصـدار أو نشـر بيانـات، أو خطابـات، أو مـواد، أو معلومـات تتعـارض مـع تعاليـم وقيـم الإسلام، أو تناهـض السياسـة العامـة للدولـة وتتعـارض مـع النظـام العـام”.
وحظر الحوثيون على الموظفين الحكوميين عدم نشر أي إشكاليات إدارية وعملية أو حتى التعاطي معها في وسائل التواصل الاجتماعي.
ويجبر الحوثيون الموظفين الحكوميين على مقاطعة وسائل الإعلام التي تعتبرها “معادية ومشبوهة” وتفرض عليهم ضرورة التحذير منها.
وحسب ديباجة المدونة فإن على كل موظف التوقيع عليها والالتزام بها، وتقع على عاتق المسؤولين الإداريين وضعها في ملف الموظف وتقديم تقارير حول مدى تنفيذ هؤلاء الموظفين وربطها بالرواتب والمكافآت والترقية.