القاعدة الكبرى للمعاملات تنص أن عدم الاضرار بالآخرين أهم وأولى من جلب النفع لهم، وعليه واجبك الأساسي أن لا تسبب ألماً ﻷحد مهما كانت المبررات..
القاعدة الكبرى للمعاملات تنص أن عدم الاضرار بالآخرين أهم وأولى من جلب النفع لهم، وعليه واجبك الأساسي أن لا تسبب ألماً ﻷحد مهما كانت المبررات..
أما أن تسعد الآخر فتلك مرتبة أعلى من باب التفضل والكرم منك.
من هذه القاعدة لنبدأ في التحدث عن مساوئ النقد الجارح وفق مستويات التفكير المنطقي التي تكلمنا عنها في المقالة السابقة؛ ولتتضح الفكرة دعونا نستعرض موقفاً يتكرر في بيوتنا على سبيل المثال لا غير..
يدخل الزوج البيت ويجد غرفة الاستقبال ليست نظيفة.
الآن هو يريد انتقاد زوجته لكنه بدلاً من أن ينتقدها لتصحح بدون تجريح ينجرف لسخطه ويلقي نقداً غير منضبط.
لاحظوا تصاعد النبرة في كل مستوى…
في مستوى البيئة: (أرى أن الغرفة غير نظيفة).
لابد أنكم تشعرون هنا أن هذا النقد ملاحظة موضوعية مقبولة.
في مستوى السلوك: (يبدو أنك لم تنظفي الغرفة).
بدأ الكلام ينغرس للداخل..
في مستوى القدرات: (كالمعتاد أجدك لا تستطيعين التنظيف..)
صارت أعمق..
في مستوى المعتقدات: (متأكد أنكِ تعتقدين أن الوساخة شيء جيد)!
صارت أشد الآن وفيها جرح متعمد.
في مستوى الهوية: (أنتِ في الحقيقة مش نظيفة).
الآن سباب مؤلم..
في مستوى الصلة: (لا عجب أنكِ مثل أهلكِ قذرين ولا تعرفون النظافة..).
هذا اعتداء صارخ لا علاقة له بالحوار ولا النقد..
إن مستوى الألم هنا عند الطرف الآخر وصل لأعلى درجة ولا يمكن أن يتقبل أي نصيحة أو فكرة منك مهما كان معترف بخطأه..
لعلكم الآن تتذكرون مواقف مؤلمة حصلت لكم في الاسرة أو المدرسة أو العمل، تحول فيها النقد إلى تجريح واعتداء بل وتعذيب نفسي.. مواقف حطمت ودمرت نفوس، ولم تصلح شيئاً مما انتقدته..
لذا عند النقد لابد من التزام مستوى (البيئة) ولو اضطر الأمر (السلوك).. وأن لا يتعدى ذلك.
نجد المصطفى عليه الصلاة والسلام أبرع وأفضل تجسيد للنقد المهدف والتوجيه العميق…
لم يكن نقده يتعدى هاذين المستويين، وفي المرة الوحيدة التي استعمل فيها تصعيداً قوياً كان تصدياً منه لسابقة سيئة جداً لابد من ردعها، حين شتم أحد الصحابة بلال بن رباح بقوله (يا بن السوداء)؛ فأوقفه الرسول بشدة قائلاً: (إنك امرؤ فيك جاهلية). كان ردع في مستوى الهوية.
تلك الشدة كانت هي الوحيدة في النهج النبوي وكان لها ما يفرضها.
وفي كل تربيته للصحابة كان يركز على البيئة أو السلوكيات دون الجرح أو الطعن أو التشهير او السخرية…
بالمقابل نجد أن المدح أو التوجيه لعمل جيد يجب أن يبدأ من (الصلة) أو (الهوية) ليكون أثره طيب العمق داخل الشخص.
فأنت تسعد كثيرا حين يدعو لك أحدهم بالخير، لكنك تسعد أكثر حين يترحم ويدعو لوالديك.
ولهذا حين أراد الرسول منح سلمان الفارسي أكبر تعزيز معنوي ليشجعه على مواجهة قسوة حياته قال: (سلمان منا آل البيت).. وهذا هو مستوى الصلة التي تعتبر أهم ما يعتنقه الفرد.
وكان عليه الصلاة والسلام يكثر من الألقاب المشجعة مثل الفاروق والصديق وأمين الامة.. الخ. وهي ما تمنح الفرد هوية خاصة فريدة لها اعتزازها وتقديرها.
هذه الروح الحماسية جعلت المجتمع من حوله عليه الصلاة والسلام متحفز للتحسن وللخير، وهو ما يجب أن نحرص عليه جميعنا.
أن تقولي لزوجك: (أنت تصرف بكرم علينا).. كلام طيب لكن أن تقولي له (أنت كريم وابن كرام)، فهو تشجيع وتحفيز على أعلى مستوى؛ إنه تقدير يجعل الشخص حريصاً أن لا يفقده أبداً..
وبالمثل أن تقول للموظف عندك: (عملك ممتاز).. كلام جيد، لكن سيكون أبلغ لو قلت له: (أنت بارع وقدراتك في العمل ممتازة).
هذا سيجعله سعيداً، ومتحمس لفترة طويلة.
كأب يقول لابنته: (طبخك حلو).. يا سلام كلام رائع، ولو قال لها: (أنتِ الطباخة حق العائلة).. هذا سيجعلها تطير فرحاً وستصبح أكثر امتلاء بالتقدير لذاتها مما سيحصنها لمحن المستقبل.
دعونا نتقي الله في بعضنا البعض، فإن جبر الخواطر من موجبات المغفرة وكسرها من موجبات البؤس والعذاب.
بالتأكيد أنكم تلمسون بأنفسكم تجسد ذلك في مجتمعاتنا سواء على الجانب الجيد أو السيء، فلننهِ هذا الامر لتستقيم حياتنا…
وربنا المستعان،