الصورة الملتقطة لمستفيد نقص في خيرية الخير، اتهام له، تحويل لمساره، إعادة موضعة وزحزحة له إلى الأسفل!! ليس علينا في كل مرة أن نصيح: لا تنشروا صور المحتاجين والمستفيدين من المشاريع الخيرية والإغاثية. الصورة الملتقطة لمستفيد نقص في خيرية الخير، اتهام له، تحويل لمساره، إعادة موضعة وزحزحة له إلى الأسفل!! ليس علينا في كل مرة أن نصيح: لا تنشروا صور المحتاجين والمستفيدين من المشاريع الخيرية والإغاثية.. افعلوا الخير نعم، هذا هو المطلوب من كل إنسان، لكن ليس من داع لأن توثق خيرك بتصوير المستفيدين..
حين تلتقط كاميرتك وجه أبي أو أخوك أو أمنا أو ابنها وهو يتناول حقه.. أنت تلتقط منه شيئا من اعتداده، تقضم منه جزءا من ذاته، فلاش كاميراتك يلسع وجهه الذي كان أجمل قبل خيرك المصور.. صوت تصويرك يؤذي سمع كرامته الذي احتمل الاحتياج حتى جاء الفرج، ولحظة وصوله كان شائكا مربكا: يتردد صاحب الحاجة بين ذاته وذات من ينتظره، يتقدم مهدرا جزءا من كبريائه الذي ظل يحرسه منذ لحظة الميلاد الأولى ليسد رمق حاجة من يعول!!
أعرف أنك أتيت بنفس محبة للإكثار من الخير فذهبت تصور الجميع، لكنك بكل أسف يا ناشطا/ خيّرا/ محبّا/ … أسأت من حيث أحسنت، وأنقصت من حيث ظننت الازدياد، وأهنت من حيث كنت تقصد مزيدا من الإكرام.
قبل كل صورة ضع نفسك/ زوجتك/ أختك/ أمك/ ابنتك/ طفلك، ضع هؤلاء أمام عدسة كاميرتك محتاجين، ثم انظر كيف ستتصلب إصبعك على الزناد؛ نعم الزناد!
احتياجات الانسان تأتي في الأساس، وهي مع سواها تشكل صعودا فكرة الذات.. الذات هي الهدف النهائي والمأمول على هذه الأرض.. فإذا أهدرتها فلم كل ذلك الجهد المهدور في الخير إذن؟! لقد فعلت ما عجز عن فعله الذين أوصلوا الناس إلى أن يكونوا اسماء في قائمة محتاجي جهودك.
تذكر أيضا أن مردودك من الفرح والرضى الشفيف أكبر مما نالوه هم، فلم كان عليهم أن يدفعوا مقابل فرحتهم الصغيرة جزءا من ذواتهم، وأن تحوز أنت الفرحة الأكبر وذاتك موفورة بالتمام والكمال؟! بل لربما زدت ذاتك شموخا وما أدركت أن تلك الزيادة ربا أخذته بغير حق من ذوات الآخرين!
الخير رقيّ، والرقي أن تتعامل مع الانسان بأكمله، الانسان الجائع ليس بطنا لإشباعها فحسب، الانسان العاطش ليس محلا للإرواء فقط، الانسان العاري ليس ملكانا للتغطية فقط، هو مع كل ذلك انسان مترف الحساسية الداخلية، باذخ الشعور بالكرامة، حامل لألم الحاجة على طول الطريق، هو حارس أمين لكبرياء حضوره وماء وجهه.. وليس من الرقيّ أن يكون الخير طريقا إلى النيل من الأعمق فيه.. ولا من الخير أصلا أن تجرح حيث لا يشفى.. ولو كان علينا أن نكون بين خيارين فـ: أن تكف فلا شك خير من أن تمد خيرك..
يا كل مسارع وفاعل: الانسان صورة الله على الأرض، فاحذر إليها أن تسيء..