حرب شوارع وانشقاقات وتمردات داخل الجماعة… كيف تنهار سلطة الحوثيين في محافظة إب؟ (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
تتلاشى سلطة الحوثي في محافظة إب جنوب صنعاء، في أحدث مؤشر على تراجع قوة الجماعة المسلحة وفقدانها السيطرة على قيادتها ومناطق سيطرتها.
شهدت المحافظة الاستراتيجية الواقعة وسط اليمن، على احداث خلال الأسبوعين الماضيين تكشف حجم فشل الجماعة، وغضب السكان من سياساتها للجبايات والنهب والطائفية.
في الأيام القليلة الماضية، طالب ناشطون في إب على وسائل التواصل الاجتماعي، بتغيير أبو علي الكحلاني مدير الشرطة الحوثية في المحافظة، نتيجة فشله الأمني.
” نعوس، فاشل، ضعيف ” توصيفات أطلقت على الكحلاني بعد خمسة أشهر تقريبا على توليه منصب مدير أمن المحافظة.
وخلال أيام خطف الحوثيون ثلاثة من ناشطي المحافظة، وهم ماجد ياسين ومراد البنا وخالد الانس، وكلهم قد دخلوا سجون الحوثي من قبل.
اقرأ أيضاً.. ما تبعات تصنيف قيادة الشرعية اليمنية لجماعة الحوثي “منظمة إرهابية”؟ (تقرير خاص)
تزايد الانفلات
في رصد خاص ليمن مونيتور عن أعداد القتلى في محافظة إب في النصف الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بلغوا 16 شخصا بينهم اثنين شنقا، في انفلات أمني يتركز معظمه في مركز المحافظة.
بينما ذكرت إحصائية أمنية صادرة عن الحوثي المحافظة، أن من بين الجرائم المضبوطة خلال شهر سبتمبر/أيلول/ شهر “صفر” الماضي،11 جريمة قتل عمد، و20 جريمة شروع في القتل و3 جرائم قتل غير عمد.
يشير الفجوة بين الرقمين إلى محدودية القدرات الحوثية في ضبط المتهمين.
بينما بلغت أعداد المفقودين حوالي 8 أشخاص، بينهم طفلين وطفلة، عثر لاحقا على معظمهم، يتحفظ الموقع على ذكر الأسماء.
اقرأ أيضاً.. خلال يومين.. أربع قصص تكشف انفلات أمني ونهب مرعب في شبوة
الاشتباكات متواصلة
تستمر المعارك في المدينة خلال الأيام القليلة الماضية، حسب مصادر تحدثت لـ”يمن مونيتور” فإن ستة اشتباكات خلال أيام في المدينة ومديرية العدين المجاورة.
كان ابرزها خلافات قياديين من الحوثيين يوم الخميس أدت إلى مقتل وإصابة خمسة أشخاص على الأقل. وقالت مصادر محلية، لـ”يمن مونيتور”، إن “اشتباكات اندلعت ظهر اليوم (الخميس) بين مسلحين من جماعة الحوثي، على خلفية خلافات على قطعة أرض ملعب الاتحاد في منطقة السحول بمديرية المخادر بمحافظة إب (وسط البلاد)”.
وأوضحت المصادر، أن “المواجهات يقودها فصيلين من الجماعة أحدها بقيادة القيادي في جماعة الحوثي عباس الهندي عضو المجلس المحلي بمديرية المشنة، والأخر بقيادة القيادي في الجماعة يحيى الرزامي المكنى بـ”ابو عبدالله الرزامي”.
وأضافت المصادر أن “الاشتباكات أسفرت عن مقتل عنصرين من أفراد الرزامي وإصابة ثالث، فيما أصيب آخرين من أفراد الهندي”.
ونوهت المصادر، إلى أن “الوضع ما زال متوتراً وقابل للانفجار في أي اللحظة”.
واندلعت خمس معارك أخرى بين مجاميع مسلحة أربعة منها في مركز المحافظة، والخامسة في العدين.
وبحسب مصادر محلية لم يضبط الحوثي في النصف الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلا على زعيم عصابة في مديرية ذي السفال بعد فترة طويلة من أوامر القبض القهري عليه اعتدى مؤخرا على نجل شيخ قبلي نافذ.
تحدثت معظم المصادر لـ”يمن مونيتور” شريطة عدم الكشف عن هويتها خشية الانتقام.
تلاشي سطوة الجماعة
بالنسبة لجماعة الحوثي المسلحة، فإن السيطرة الأمنية، والسيطرة على المؤسسات الإيرادية مثل الزكاة والأوقاف، فضلا عن الضرائب والجمارك الانفصالية، هي ما يهتم به في أي محافظة.
مع ذلك، يمكن اعتبار حالة منصب مدير الشرطة مؤشرا على مدى الفوضى والتراجع في قوة الجماعة المسلحة.
حيث عينت الجماعة بعد اقتحام صنعاء (سبتمبر/أيلول2014) بأربعة أشهر، القيادي الحوثي من محمد الشامي مديرا للشرطة في المحافظة، واستمر في عمله حتى منتصف 2018.
بعد عزل الشامي عين الحوثي القيادي الآخر من المحافظة عبدالحافظ السقاف مديرا للشرطة، يشيد ناشطون في إب المقيمين فيها بتحسن الأمن خلال فترة السقاف، وهو هاشمي عمل مع المؤتمر الشعبي العام، وخاض أول معركة حوثية في عدن في مارس/آذار 2015 بعد قرار جمهوري بعزله من قيادة الأمن الخاص فيها، وله نفوذ واسع بين الأسر الهاشمية في إب، وبين المؤتمر الشعبي الموالي للحوثي.
بعد سنة من عمله في منصب مدير الأمن، خاض معركة مع القيادي الآخر في مليشيا الحوثي، إسماعيل عبدالقادر سفيان، وهو هاشمي من أشد الموالين للحوثي ويعمل معه منذ الحرب الأولى في صعدة 2004 وكان يشغل منصب وكيل محافظة إب.
بعد أيام من المعارك في يونيو/حزيران 2019قتل سفيان، وأرسل الحوثي قوات كبيرة للسيطرة على اقتتال الفصائل التابعة له في إب، وعزل السقاف ونفاه إلى صنعاء، حيث لا يستطيع العودة إلى مسقط رأسه في إب.
عين الحوثي قياديا آخر في إدارة أمن إب يدعى محمد حفظ الله الحمزي، وبعد ستة أشهر فقط، سرعان ما عزله ليعين عبدالله الطاووس، الذي لم يلبث طويلا، وفي يونيو/حزيران الماضي عين أبو علي هادي الكحلاني.
والكحلاني كان قائد حماية عبدالملك الحوثي، ثم أرسله زعيم الجماعة لقيادة الأمنيين الحوثيين في الحديدة، في ذروة المواجهات التي أوقفها اتفاق السويد مطلع 2019.
اقرأ أيضا.. تأثير احتجاجات إيران على الحوثيين في اليمن (تقرير خاص)
الانهيار يتواصل
بينما تهز المعارك في محافظة إب وفي مركز المدينة تحديدا، تشمل معظم شوارع المدينة، خاصة القديمة منها والوزاعية وجرافة وغيرها، وصولا إلى قلب المدينة يظهر مقربون من الكحلاني يحذرون من غضبه وقدرته على البطش.
يصف آخرون الرجل بأنه عاجز، وفاشل.
أثارت قضية صراعات حوثية في مديرية المخادر التساؤلات عن مدى قدرة الرجل على القيادة أو تلاشي السيطرة الحوثية واقتصارها المدينة دون الريف.
قالت مصادر في “المخادر” الأسبوع الماضي إن هادي الكحلاني أقدم على إغلاق قسم شرطة بمديرية المخادر بعد صراعات بين عناصره، في محاولة يائسة منه لحل الصراع.
تبدو القضية لأول وهلة إجراء عاديا سرعان ما قد يعود القسم إلى عمله، يشير باحثون إلى ضعف قدرة الحوثي في السيطرة، ووحدة المليشيا.
اقرأ أيضا.. تأخير إقرار القواعد المنظمة.. من يسعى لإفشال “الرئاسي اليمني”؟! (تقرير خاص)
أراضي الدولة تشق الحوثيين
في أواخر أغسطس/آب الماضي، قرر هاشم الشامي مقرب من أحمد حامد مدير مكتب مهدي المشاط يعمل مدير هيئة أراضي وعقارات الدولة عزل مدير فرع الهيئة في إب، ويدعى علي بن علي النوعة ويشغل أيضاً منصب وكيل المحافظة للشؤون المالية والإدارية، ويسيطر فعليا على موارد ثلاث مديريات بحسب مصدر خاص في محافظة إب تحدث عن أسباب قوة النوعة.
رفض النوعة وهو هاشمي له علاقات واسعة مع الحوثي في صعدة، الامتثال للقرار، وحشد مسلحين تابعين له مطلع سبتمبر الماضي، بعد حديث عن ضرورة تسليم مكتب الأراضي للمعين خلفا له ويدعى أكرم شرف الدين.
استمرت محاولات الإقناع أكثر من شهر كامل دون جدوى، حتى تراجع شرف الدين عن قبول المنصب.
أمام هذا التمرد، عين الحوثي شخصا آخر يدعى ” أحمد شرف الدين” في منصب مدير هيئة الأراضي، تعنت النوعة ورفض تسليم مكتب الهيئة. وفي 6 سبتمبر/ أيلول ادعى النوعة أن هجوما القنابل استهدفت منزله، ثم حشد أنصاره المسلحين في اليوم التالي تحت مبرر التضامن معه. وعقب رفض “النوعة” قرار العزل نشر “شرف الدين” الذي لم يتمكن من استلام عمله إعلانا بصحيفة الثورة الحوثية بتغيير ختم هيئة الأراضي والسجل العقاري.
حتى اضطر أحمد حامد وهو أحد أقوى القادة الحوثيين على مستوى الجماعة كلها إلى زيارة محافظة إب منذ منتصف سبتمبر/أيلول وحتى مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري لبحث قضية تمرد النوعة.
وتشير وثيقة حصل عليها يمن مونيتور إلى أن حامد أوصى بضرورة أن يسلم “النوعة” مكتب هيئة أراضي الدولة بعد إغلاق دام أسابيع طويلة.
تعتبر أراضي محافظة إب الأعلى قيمة على مستوى البلاد وتصل قيمة اللبنة الواحدة في المدينة إلى أكثر من 50 مليون ريال (الدولار=558 ريال)، فهي مصدر ثراء سريع لمعظم القادة الحوثيين.
الصراعات تتفاقم
في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، أصدرت الهيئة العامة للأوقاف الحوثية ذي السطوة والايرادات في محافظة إب بيانا تتهم فيه قياديا في جماعة الحوثي بمحاولة اغتيال رئيسها.
وقالت في بيان لها إن الشيخ القبلي ناصر العرجلي وهو من قبائل عمران حاول اغتيال بندر العسل وهو من عمران أيضا، في صنعاء، في ذروة احتفالات حوثية بذكرى دخول العاصمة صنعاء وإسقاط مؤسسات الدولة بأيديهم.
لاحقا؛ أظهرت كاميرات مراقبة كذب العسل، تعرض العرجلي لمحاولة الاغتيال، أصيب أخوه بجروح خطيرة، وتوفي في16 أكتوبر/تشرين الأول. استعان العرجلي بقبيلته في مواجهة العسل، وقياديا هاشميا يدعى ناصر جحاف يعمل وكيل هيئة الأوقاف.
بحسب مصادر خاصة يتنازع الطرفان على عقارات في إب، تبلغ قيمتها أكثر من ملياري ريال في أرض تدعى المعموق، تتكون من آلاف اللبن.
استدعاء القبيلة في قضية خاصة وقعت في صنعاء بين متنافسين على محافظة إب، يؤشر على عدم قدرة الحوثي على حل القضايا المتعلقة بالصراع الداخلي للجماعة.
وهو الأمر الذي أشار إليه عبدالملك الحوثي قبل أكثر من شهر في خطاب له بأن بعض قادته يسعون لنيل ما يعتقدون أنه استحقاق لهم نتيجة انخراطهم في حروبه، وأضاف أن كثير منهم تراجعوا عن الغايات الخاصة للمليشيات لصالح تفكيرهم الشخصي.