“تيك توك” يشغل العالم: هل من مفرّ؟
يمن مونيتور/قسم الأخبار:
يمكن القول عن “تيك توك” إنه مالئ الدنيا وشاغل الناس هذه الأيام؛ تفرد صحف ومواقع إخبارية أجنبية صفحات كثيرة للحديث عن التطبيق الذي يجذب أكثر من مليار مستخدم نشط شهرياً، ويثير غيرة منافسيه (فيسبوك، إنستغرام، يوتيوب) الذين يسابقون الوقت لاستنساخ ميزاته وتقليد استراتيجياته التي تلقى نجاحاً ملحوظاً، وتحديداً بين المراهقين.
كان يفترض أن يكون “تيك توك” تطبيقاً للتسلية، لكنه سرعان ما تحول إلى مساحة للنقاشات السياسية والاجتماعية، وأثار قلق الخبراء والمشرعين، لا لاحتمال ارتباطه بالسلطات الصينية فقط، بل لما يثيره من أزمات تنعكس سلباً على أرض الواقع.
التطبيق، الذي نُصب ملكاً على عرش منصات التواصل الاجتماعي (نيويورك تايمز) ووُصف بآلة لصنع النقود (بلومبيرغ) وملتهم الإنترنت (واشنطن بوست)، بات حاضراً في النقاش حول الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ومساحة للاحتيال وبيع الأوهام للمهاجرين إلى الولايات المتحدة يستغلها المهربون (ذا غارديان، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2022)، والمنصة الأبرز لبث الشائعات والأخبار الزائفة قبل الانتخابات النصفية الأميركية المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وملاذاً لكارهي النساء والمتطرفين، وبيئة تشكل خطراً على المراهقين إلى حد دفعهم إلى الانتحار، وفرصة لاستكشاف مطاعم وصيحات وأساليب للنجاة خلال الشتاء من أزمة الطاقة في أوروبا، وطبعاً وسيلة لتحقيق الشهرة وكسب المال.
في البداية، لم يكن حضور “تيك توك” ملحوظاً خارج آسيا. ولكن عام 2017، اشترت الشركة المالكة بايتدانس الصينية تطبيق Musical.ly، وسرعان ما نقلت مستخدميه، البالغ عددهم مائة مليون، إلى “تيك توك”. في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد نحو 4 سنوات فقط من إطلاق التطبيق، بات يجذب مليار مستخدم، وهذه علامة فارقة، إذ استغرقت منصات فيسبوك ويوتيوب وإنستغرام 8 سنوات لاستقطاب هذا العدد من المستخدمين، وإن كان عدد الأشخاص المتصلين بالإنترنت عند إطلاقها أقل من الآن. عام 2020، كان “تيك توك” تطبيق الهواتف الأكثر تحميلاً. وفي حين فترت حماسة الشباب إزاء “فيسبوك”، فإن التطبيق الصيني لم يترك لهم مجالاً للهرب. وفقاً لشركة الإحصاءات إي ماركتر، 44 في المائة من مستخدمي “تيك توك” من الأميركيين تقل أعمارهم عن 25 عاماً، مقارنة بـ16 في المائة من مستخدمي “فيسبوك”.
تكنولوجيا
كيف ساعدت الخوارزميات “تيك توك” على اكتساح الإنترنت؟
وهذا الصعود تربطه صحيفة ذي إنتلجنسر، إلى جانب عوامل عدة، بـ”قصة جيوسياسية”؛ “ميتا”، مالكة “فيسبوك” و”إنستغرام” و”واتساب”، شركة أميركية عامة يملك فيها مؤسسها مارك زوكربيرغ سلطة استثنائية، ولكنها غير تامّة. “بايتدانس”، على الجانب الآخر، شركة صينية مملوكة للقطاع الخاص. إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هددت بحظر تطبيق تيك توك بشكل كامل على الأراضي الأميركية. وإدارة الرئيس الحالي جو بايدن أكدت أنها تعتزم مواصلة التحقيقات بشأن التطبيق الذي وصفته بأنه منتج يسيطر عليه “خصم أجنبي”.
في 14 سبتمبر، استجوب الكونغرس المديرين التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا. مديرة العمليات في “بايتدانس”، فانيسا باباس، حاولت تهدئة مخاوف المسؤولين الأميركيين بشأن مشاركة بيانات المواطنين مع بكين، وأكدت أن مقر الشركة الرئيسي ليس في الصين، لأنها “لم تعتمد مقراً على الإطلاق”، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز. وكان موقع بازفيد الإخباري قد كشف عن أدلة تثبت وصول موظفي “بايتدانس”، المقيمين في الصين، مراراً وتكراراً، إلى بيانات غير عامة تخص مستخدمي التطبيق في الولايات المتحدة.
ووسط المعارك التي يخوضها التطبيق هنا وهناك، فإنه تأثيراته على القطاعات كافة لا يتوقف. في المملكة المتحدة، حيث يستخدمه 23 مليون شخص شهرياً وأصبح مصدر الأخبار الأسرع نمواً لدى البالغين (أوفكوم، معهد رويترز)، أثيرت نقاشات قلقة حول قضائه على “الصحافة التقليدية”. في الوقت نفسه، برز رأي آخر يدعو المؤسسات الإعلامية إلى الاستفادة من شعبية التطبيق (كريس ستوكل-ووكر في ذا غارديان). منصات إعلامية عدة، على رأسها صحيفة واشنطن بوست، نزحت فعلاً نحو التطبيق. وفي يوليو/تموز الماضي، تحدثت “نيويورك تايمز” عن تحول التطبيق إلى ركيزة في قطاع النشر ومحرك رئيسي لبيع الأعمال الأدبية. وفي سبتمبر، أصبح التساؤل واجباً عن التأثير الذي يمكن أن يتركه “تيك توك” على الوظائف، وتحديداً تلك التي يمارسها الجيل زد (المواليد بين منتصف التسعينيات وحتى منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين)، بعدما لجأوا إلى التطبيق للحديث عن طبيعة وظائفهم والرواتب التي يتقاضونها.
العربي الجديد