أكبر مأساة تتعرض لها عدن, أنها تتلقى الصفعات ممن قدمت لهم يد العون والمساعدة , لتحريرهم من الجهل والتخلف والمرض والعصبية, من عبودية الإقطاع , وانتشر أبنائها في البراري والصحاري والجبال والجزر قبل الاستقلال وبعده , في مناطق نائية , تفتقد لأبسط سبل الحياة الادمية , وتفتقد للثقافة الإنسانية , لم تبخل عليهم عدن بكل ما لديها من مقومات النهضة والتطور , وكل ما كسبته عدن من تجارب إنسانية في تلاقح الأفكار و الأعراق والأطياف التي سكنت عدن , وقدمت نموذج للتعايش والتأخي والتآزر , للتطور والنهضة , لكل جديد كانت عدن تستقبله من العالم , وتقدمه ليضيء ما حولها من مجتمعات مظلمة , بنور المعلومة والتكنلوجيا والنهضة , واليوم يصبون غضبهم على عدن بحقد دفين .
عدن المجتمع المدني , والثقافية التحررية التي تشكلت بفعل التلاقح الفكري , في المنتديات الثقافية والجمعيات والنوادي , بفعل العمل النقابي , ودور المجلس العمالي , المجتمع الذي تشكل بفعل موقعها الاستراتيجي , ومركزها الاقتصادي , وبفعل أطماع المستعمرين , اكتسبت عدن تجارب إنسانية عدة , لو كانت عدن انانية , لقبلت اغراءات المستعمر , وقبلت مشروعه الجنوب العربي , الذي سيقدم لعدن حكم ذاتي , ذات خصوصية اقتصادية وميناء حر( سنغافورة , وهونج كونج) , بشرط ان يتخلى أبناء عدن عن دورهم في رفع راية المشروع القومي العربي , والمشروع الوطني اليمني , التخلي عن ثورة سبتمبر واكتوبر, والثورة الجزائر, مؤازرة جمال عبدالناصر , هل يعلم العابثون اليوم , ان معظم سلاطينهم كانوا عملاء الاستعمار ومشروعه , وكانت عدن تقاوم تلك المشاريع , وترفض سلخها من هويتها اليمنية , وعمقها العربي , حتى نراهم اليوم يتماهون مع مشاريع المستعمر , ويستخدمهم لمعاقبة عدن.
ما يحدث في عدن لا تفسير له غير ان المستعمر وأدواته في المنطقة , يقدمون الدعم السخي للقوى الغبية , والأدوات العصبية , ويشكلون أدوات العنف , التي تسمم عدن وتعيق مجتمعها المدني , لتحولها لمجرد قرية متوحشة بالعصبيات والكراهية والعنصرية , لتعطيل معايير العلاقات الاجتماعية النبيلة , من تعايش وتأخي , بل لتدمير القيم والاخلاقيات التي ترفع من شأن الأمم , كان لابد لدور عدن ان يغيب في مرحلة مهم في بلد قادم نحو تغيير وتحول منشود .
اليوم تتعرض عدن للتجويع والمجاعة , انظر لترى من يتحكم اليوم في قرارات السلطة المحلية , التي تحولت من سلطة إصلاح لتخريب , سلطة بناء وتنمية , لسلطة تصنع أزمات , بل تزيد من حجم المعاناة لدى الناس , سلطة جبايات , وتلك الجبايات معناها رفع قيمة السلعة , قيمة المواد الغذائية , قيمة اللقمة , والعيش , وسقوط قيمة العملة المحلية , اليوم التاجر يتعرض لنهم وجشع سلطة الجبايات الغير قانونية , بمئات الآلاف , من جبايات تفرض وفق المزاج , على الرصيف وعلى اللوحة , وعلى لون الباب , والطاقة , ويفرز التجار حسب البطاقة الشخصية , ليدفع بالتاجر لتعويض خسارته على قيمة السلعة التي يتحملها المواطن , وهو المطلوب لعقاب التاجر والمواطن معا , ضرب اسفين بينهما لينشغلوا عن المتسبب الرئيسي .
بعد صبر ومصابرة , لم نجد ما يقال غير ما قلناه , لا مؤشرات خير ممن يريد ان يحكمنا بقوة البندقية , ونزعة العصبية , ونثرة الكراهية , بتصنيف الناس لأعداء , لزرع بذور الفتن , والبحث في الجينات , وكثيرا هي مؤشرات السوء , وان سكتنا فالقادم أسوأ , الحقيقة يجب ان تقال , ولو على جثثنا , ليصلح الحال , والله على ما أقول شهيد.