لماذا ينجذب البعوض إلى بعض الناس أكثر من غيرهم؟
يمن مونيتور /قسم الأخبار:
سعى فريق بحثي بقيادة الأستاذة في جامعة روكفلر، ورئيسة مختبرها لعلم الوراثة العصبية والسلوك، ليزلي فوسهال، إلى تحديد سبب تعرّض بعض الأشخاص للسعات البعوض أكثر من غيرهم، ونُشرت نتائج البحث في مجلة سِل البحثية خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل الحالي.
على مدار 3 سنوات، طلب الباحثون من مجموعة من 64 متطوعاً ارتداء جوارب نايلون على أذرعهم لمدة 6 ساعات يومياً على مدار عدة أيام. بنى الفريق غرفة زجاجية من الأكريليك، ووضعوا فيها فردتي جوارب لشخصين مختلفين، ثمّ أطلقوا بعوض الحمى الصفراء في الغرفة، وراقبوا مدى انجذابها إلى كلّ جورب.
سمح هذا الاختبار للباحثين بتصنيف المتطوعين في الدراسة إلى نوعين: “مغناطيس البعوض” و”الأقل جاذبية”. فحص الباحثون جلد المتطوعين المصنفين على أنّهم مغناطيس للبعوض، ووجدوا امتلاكهم نسبة أعلى من 50 مركباً جزيئياً مقارنةً بالآخرين.
قالت فوسهال لـ”سي أن أن”: “لم تكن لدينا أفكار مسبقة حول ما سنجده”، لكن خلال البحث لاحظوا أنّ الأشخاص الجاذبين للبعوض يملكون معدلات أعلى بكثير من حمض الكربوكسيل على جلدهم، مقارنة بالأشخاص الأقل جاذبية.
توجد الأحماض الكربوكسيلية في الزهم، وهي المادة الزيتية التي تخلق حاجزاً، وتساعد في الحفاظ على رطوبة البشرة.
وأوضحت فوسهال أنّ الأحماض الكربوكسيلية عبارة عن جزيئات كبيرة، مشيرةً إلى أنّها لا تمتلك رائحة قوية بحدّ ذاتها. لكنّ البكتيريا المفيدة الموجودة على الجلد “تمضغ هذه الأحماض التي تنتج الرائحة المميزة للإنسان”، والتي قد تكون ما يجذب البعوض، وفقاً لفوسهال.
دور رائحة إفرازات الجلد
كانت جوارب أحد المشاركين، الذي أعطي اسم “سبجكت 33″، أكثر جاذبية للبعوض بمئة مرّة من المشاركين الأقل جاذبية.
وأشارت فوسهال إلى أنّ درجة انجذاب البعوض إلى جوارب المتطوعين المختلفين ظلّ ثابتاً إلى حدّ ما طوال سنوات البحث الثلاث. وأضافت: “لم يمرّ يوم لم يكن فيه سبجكت 33، على سبيل المثال، أكثر البشر جاذبية للبعوض”.
عندما يتعلّق الأمر ببعوض الحمى الصفراء، فإن إناثها تفضّل استخدام دم الإنسان لتغذية إنتاج البيض، ما يحفّزها على السعي للعثور على البشر والانقضاض عليهم. وقالت فوسهال إنّ هذه الحيوانات المفترسة الصغيرة تستخدم مجموعة متنوعة من الآليات لتحديد واختيار البشر الذين يعضونهم.
لا تحلّ الأحماض الكربوكسيلية سوى قطعة واحدة من لغز كيفية اختيار الحشرات المزعجة لأهدافها، إذ تلعب حرارة الجسم وثاني أكسيد الكربون الذي نطلقه عندما نتنفس، دوراً مهمّاً في انجذاب البعوض إلى البشر.
وبحسب فوسهال، فإن العلماء لا يعرفون حتّى الآن السبب وراء جذب الأحماض الكربوكسيلية البعوض إلى هذا الحد، ويمكن أن تكون الخطوة التالية استكشاف آثار تقليل الأحماض الكربوكسيلية على الجلد.
قالت: “لا يمكنك نزع المرطبات الطبيعية من الجلد تماماً، فهذا من شأنه أن يضر بصحة بشرتك”، لكنّها أشارت إلى أنّ منتجات العناية بالجلد قد تكون قادرة على تقليل مستويات حمض الكربوكسيل وتقليل لدغات البعوض.
وتابعت: “كلّ لدغة من هذا البعوض تعرض صحّة الناس العامة للخطر”، إذ تنقل بعوضة الحمى الصفراء مجموعة من الأمراض مثل حمى الضنك والحمى الصفراء وفيروس زيكا. وأشارت فوسهال إلى أنّ الأشخاص الذين يتمتعون بجاذبية أكبر للبعوض سيكونون أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات.
تطوّر البعوض ليصطاد بالرائحة
قال الأستاذ المشارك في جامعة فلوريدا الدولية والمتخصص في علم الوراثة العصبية للبعوض، ماثيو ديجينارو في حديث مع “سي أن أن” إنّ نتائج الدراسة تساعد في الإجابة عن أسئلة طويلة الأمد عن العوامل التي تجعل البعوض “يحبّ” بعض البشر أكثر من غيرهم.
وقال ديجينارو: “هذه الدراسة تظهر بوضوح أنّ هذه الأحماض مهمة. ويضعنا ذلك أمام سؤال: كيف يلاحظ البعوض هذه الأحماض الكربوكسيلية؟ إنّه أمر مثير للاهتمام، لأن هذه المواد الكيميائية ثقيلةٌ حقاً ويصعب شمّها عن بعد”.
وتابع: “يمكن أن تكون هذه المواد الكيميائية عرضة للتغيير، ما ينتج رائحة نفّاذة. كذلك، قد يكون هناك عوامل أخرى في البيئة تساعد على تحللّ الأحماض قليلاً، ما يسهل على البعوض اكتشافها”.
ورأى ديجينارو أنّ النتائج “مثالٌ رائعٌ على جودة حاسة الشمّ لدى الحشرات”. مضيفاً: “هذه الحشرة تطوّرت لمطاردتنا”.
وقال الباحث إنّ مزيداً من البحث قد يقودنا إلى صنع منتجات فعالة أكثر في تقليل لدغات البعوض، مضيفاً: “أعتقد أنّه إذا فهمنا سبب اختيار البعوض لأشخاصٍ معيّنين، سنكون قادرين على إنتاج مواد طاردة جديدة، تمنع البعوض من استشعار المواد الكيميائية التي تجذبه”.
(CNN)