الشاعرة ميسون الإرياني: المثقف اليمني حالة نادرة
مرت تجربة الشاعرة والمترجمة اليمنية ميسون الإرياني بأكثر من شكل من أشكال الهندسة الشعرية بين التفعيلة والنثر، وأصدرت مؤخرا مجموعة “حِيَلْ ”عن دار مخطوطات في لاهاي هولندا، وهي مجموعتها الرابعة المتوقع صدورها بنسخة مترجمة للإنكليزية منتصف العام الحالي.
يمن مونيتور/العرب اللندنية
مرت تجربة الشاعرة والمترجمة اليمنية ميسون الإرياني بأكثر من شكل من أشكال الهندسة الشعرية بين التفعيلة والنثر، وأصدرت مؤخرا مجموعة “حِيَلْ ”عن دار مخطوطات في لاهاي هولندا، وهي مجموعتها الرابعة المتوقع صدورها بنسخة مترجمة للإنكليزية منتصف العام الحالي.
وتأتي هذه المجموعة بعد “سأثقب بالعاشقين السماء” 2009، و”مدد 2010”، و”الموارب من الجنة” 2013. كما أن لها نصوصا شعرية ضمن كتاب “بوسع قلبي: قصائد وقصص قصيرة جداً من العالم العربي” الصادر باللغة البولندية عن دار مينياتورا في مدينة كراكوف، العاصمة الثقافية لبولندا 2008م، ونصوص شعرية أخرى ضمن موسوعة “قلائد الذهب” لنماذج من الأدب العربي المعاصر الصادر في رومانيا، والمترجم لثلاث لغات. وتعكف حاليا على عدة مشاريع أدبية خاصة بالصحافة والترجمة. لكن الشعر أيا يكن شكله كان دائماً -حسب الإرياني- خاضعاً لمزاجها الصعب والحاد.
تأثير الكتابة
كتب عنها الناقد العراقي حاتم الصكر “أحسب أن ديوان ‘مدد’ أدخل ميسون الإرياني كاسم آخر في الكتابة الشعرية النسوية العربية ذات المحصول الطيب بمقياس النوع والكم، وقبل ذلك بالاحتكام إلى الوعي النوعي بوضع المرأة من جهة، وبدور الشعر في تمثيل ذلك الوعي وإظهاره فنيا من جهة ثانية”.
نص الإرياني مشغول بمحاولة وضع صياغة جديدة للعلاقة بين الأنثى والرجل، الأنثى والعالم، الأنثى والكتابة. وكأنها تحاول ترميم العالم، وفي حديثها معنا عن مناخات تجربتها تختار الإرياني الهرب من كل ما يحدث في العالم من مآلات لا إنسانية وتلوذ لحالة الشعر الإنساني، تقول “مناخات إنسانية بحتة في ظل حرب ظالمة للإنسان والثقافة، فمن الحب إلى الحرب إلى الخوف إلى الرغبة في العزلة والغياب عن كل ما يجري في هذا العالم والوضع المخيف والمتشابك”.
وتتابع “أؤمن بأن الأنثى هي العلاقة الصرفة التي تربط بين كل من العالم، الرجل والكتابة، فلا العالم بذكوريته يستطيع أن يتخلى عن الحياة كأنثى ترفده بالكينونة والوجود، ولا الرجل كان ليكون موجودا لولا الأنثى التي يحب ويرغب قيها لتكون له تلك الأحرف الفاتنة التي تجره جراً للإبداع من كتابة ورسم ونحت ولحن، هي الأنثى من تشكل تلك العلاقة وتصوغها. أما عن ترميم تلك العلاقة فالإشكالية تكمن في ذكورية المجتمع والذي يرفض أن يتعاطى مع العقل ويرى في الجسد الأنثوي غايته ومبتغاه، نعم أعتقد أن الكتابة ستحدث تأثيراً لكنها تحتاج للكثير من الوقت لتتمكن من ذلك”.
نص لميسون الأرياني
لا تؤمنوا بي
النجمة خبرتني أني سأندثر
ويزرعني الصيف نعيا
لا تؤمنوا بي
فالوطن الجائع
لا تكفيه ذاكرتي،
تاريخي الأعرج
ولا النافذة المعطلة،
المدرجة
في فهرس أصابعي..
لا تؤمنوا بي
فأنا تحت
شجرة التفاح
أقضم صوتي،
أزرع زهرة..
هي ذاتها
لا تريد الحياة.
وعن قراءتها الخاصة عن تحوّلات جيلهم الشعري في اليمن الذي يمتلك تجربته الخاصة ووعيه المختلف عن أجيال سبقته في ذروة الأيدلوجيات السياسية والتحزبات الثقافية تتساءل الإرياني “إلى متى سيتم تهميش وإقصاء وإلغاء الحالة الجديدة للشعر بمختلف تسمياته وتصنيفاته؟ ولمَ يجب علينا الارتهان لأسماء شعراء سابقين للنجاح كمبدعين يحملون لغاتهم الخاصة وهموما أدبية قد تختلف أبجدياتها عن هموم من سبقونا؟ متى سيفقد الورق والحبر رونقهما في ظل اجتياح التكنولوجيا؟”.
وتعتزّ الإرياني بالأجيال الثقافية السابقة وتعتبرها قامات كبيرة وثرية وخصبة، لكنها ترى أنها تحاول -تعني الأجيال السابقة- جاهدة السطو على الأصوات الجديدة بأبوية مفرطة إلى حد ما. تقول الإرياني “تبقى الأجيال السابقة صاحبة فضل بطريقة ما أو بأخرى على فكرة الشعر لدينا وتمرده وكسره لحاجز الإحساس بالجغرافيا النصية للحرف والصوت، وهذا ما دفع بالعديد من الشعراء الشباب نحو خلق مناخ خاص بهم يصنعون من خلاله تحوﻻتهم الخاصة والجديدة والخارجة أحيانا عن التقليد أو المألوف. هذا المناخ ليس معيبا في تمرده لكنه في أحيانا كثير يرفض اﻻستعانة بخبرة الأصوات السابقة نتيجة الأبوية مما خلق نوعا من التنافر غير المستحب وكأننا في حالة صراع معنا نحن وماذا نريد وماذا يُرغب بنا أن نكون أو نصبح”.
حالة نادرة
وتتفق ضيفتنا مع الرأي الذي يقول إن إشكالية النص الجديد هو غياب القضايا القومية والوطنية الكبيرة، واهتمامه بشكل مباشر بكل ما هو مشخصن ضمن تجربة الشاعر أو الشاعرة في حدودهما اليومية. لكنها تتساءل “لماذا هذه الحالة من الغياب لهذه القضايا في الوجدان، إن طرحت هذا السؤال على أي شخص يمر أمامك ستأتيك الإجابة الصادمة والموجعة، لأن الواقع المعيش ألغى القضايا العامة والوطنية والقومية بقتله للفكرة وللإنسان، فبات الوجدان العربي مسلوب الحرية في رغباته وما يريده، وأسيراً للحاجيات المادية للحياة بكرامة. لكن صدقني ﻻزال في ذاكرة الوجدان هموم جمعية سيحين دورها حين ننتهي من مشاريع الموت والترهيب في بلداننا”.
وفي سؤال عن مدى معاناة المثقفين اليمنيين من الانقسام الداخلي في المواقف على خلفية الأحداث في اليمن، وهل هنالك من استطاع أن يحيّد الثقافي عن السياسي وسط الأزمة. تجيب الإرياني “المثقف اليمني هو حالة نادرة أساساً، فهو منقسم على نفسه، متشرذم على رغباته، متشظ على أفكاره وميولاته قبل الحرب وأثناءها وبعدها أيضا. فاليساري بأفكاره يميني بتصرفاته منفتح بمقالاته مناطقي بممارساته صاحب لغة حرة وأسيرة لمشيخيات وأسياد وأصحاب نفوذ، إلا قلّة، الحرب فقط كانت عامل كشف للمستور ﻻ أكثر، والساحة تضج بأسماء وأدلة، وإلى الآن لم أرَ من يمكنني أن أقول عنه بأنه فصل بين السياسي والثقافي”.
وسط هذا الانقسام، وبحكم القرب الجغرافي التاريخي بين مثقفي اليمن والسعودية الذي رسم وما يزال تشابهاً كبيراً في معالم التجربة الثقافية والفكرية بينهما.
ترى الإرياني أن “التواصل الثقافي والتاريخي ﻻ يمكن لحرب واحدة، ولا لعدة حروب أن تفصله أو تبتره، لكنها قد تحده وتخفف منه. وسرعان ما يعاود العمل لترميم ما فقد. وأخوتنا في السعودية وأهلينا في جنوبها ﻻ تصنع الحروب منهم خصوما لنا وأعداء وأن تخاصمت الأنظمة وتناحرت حتى في هذه الحرب ﻻزال لي علاقتي الطيبة بكتاب من أرض الخليج عامة، فالحرب ﻻ تقتل إلا الإنسان الهش وتنال من روحه. لكن الإنسان كحالة وجدانية ﻻ تكسره حروب عالمية وإن طالت”.