آراء ومواقف

تحسين مشاريع “تحسين سُبل المعيشة”

أحمد جبران

“لقد قمت بإنتاج كمية كبيرة من البخور، تحسُّباً لزيادة الطلب خلال أيام عيد الأضحى، لكن للأسف الإقبال لم يكن كما كُنتُ أتوقع، لقد كلّفني ذلك قرابة 200 ألف يمني، وما قمت ببيعه حتى الآن لا يتجاوز ربع الكمية”. هكذا قالت “رحمة” التي تخرجت قبل أشهُر من أحد برامج التدريب المهني في مجال “صناعة البخور” الذي تموّله إحدى المنظمات الدولية في اليمن، ضمن برامج تحسين سُبل المعيشة. البخور الذي تصنعه رحمة جودته عالية وسعره مقبول، إلا أن زيادة عدد مُنتجي البخور جعل العرض أكثر بكثير من الطلب، وأصبح في كل حارة عشرات النساء اللواتي ينتجن البخور، وهذا يتطلب من المنظمات مراجعة قوائم برامجها التدريبية بشكل دوري، بما يتناسب مع احتياج السوق.

وتهدف المنظمات من تفعيل برامج تحسين سُبل المعيشة “التّمكين الاقتصادي”، إلى نقل المجتمعات الأكثر ضعفاً وتدهوراً من مرحلة الاحتياج إلى مرحلة الإنتاج، بإكسابهم لمهن وحرف تساعدهم على الاعتماد على ذواتهم، وفتح مشاريعهم الخاصة، أو الحصول على فرص عمل تحقق لهم عائداً مجزياً يساعدهم في الحصول على الحدود الدنيا من الحياة الكريمة، على الأقل في مجالات الغذاء، والصحة، والتعليم، لتحقيق تحسّن معيشي مُستدام، لأن المساعدات النقدية والعينية التي تقدّمها المنظمات للمجتمعات الفقيرة ليست مستدامة، وموازنات هذه المنظمات تعتمد على التبرعات التي تتلقاها من الدول أو الجهات المانحة، وبالتالي فإن توقف المساعدات أمر وارد في أي وقت، لذا فإن برامج تحسين سُبل العيش هي الملاذ الآمن طويل الأجل لهذه المجتمعات.

للمرأة اليمنية

وصناعة البخور ليست التّخصص المهني الوحيد الذي وصل السوق إلى مرحلة التشبُّع منها، وفي الحارة الواحدة عدد كبير نت منتجيه، فهنالك العشرات من خريجات التجميل “الكوافير” مثلاً يلزمن منازلهن ويكتفين بالتطبيق على أهلهن لعدم حصولهن على فرص العمل بسبب الفائض في المعروض من العمالة في هذا المجال، ومع ذلك ما زالت العديد من البرامج تقيم دورات تدريبية في هذه المجالات ومجالات أخرى لم يعُد السوق يحتاج إليها، وهذا يؤثر سلباً على تحقيق أهداف هذه المشاريع، وتظل هذه الأُسر بحاجة للمساعدات الإنسانية رغم إكمالهن لمرحلة التدريب.

وتُعتبر المساعدات الإنسانية والإغاثية ضرورية في حالات الطوارئ، ومن ثم ينبغي الانتقال للجانب التنموي والتأهيلي، لأن المساعدات على المدى الطويل تخلق بيئة من الاتكالية، وتزيد من نسبة البطالة، نتيجة اعتماد الناس على هذه المساعدات والتوقف عن البحث عن فرص عمل، حتى بعد حدوث استقرار نسبي في البلد، فإذا كان الفرد يضمن سلّة غذائية متكاملة نهاية كل شهر بلا تعب، لن يرغب بالعمل إلا بالشروط التي يراها مناسبة له، وتتحول هذه المساعدات الإنسانية إلى “غاية” لأفراد المجتمع الذين ينشغلون ليل نهار بالتفكير بالطّرق والوسائل التي تُمكّنهم من الحصول على أكثر من سلّة غذائية، كما أن عدداً من هذه السلّات يتم بيعها في الأسواق بأسعار أقل من قيمتها.

وتعمل برامج تحسين سُبل المعيشة على الحد من نسبة البطالة والتعافي المبكر من الأزمات والكوارث، عبر تأهيل أفراد المجتمع في المجالات المهنية والفنّية والتلمذة المهنية، وكذلك تشجيع المؤسسات والبرامج المالية على تقديم القروض الميسّرة لهم بعد التأكد من قدرتهم على ريادة وإدارة مشاريعهم الصغيرة التي تدر عليهم الدّخل. ويمثل تحسين سبل العيش خط الدفاع الأول الذي يحمي المجتمعات من اللجوء إلى الأعمال غير المشروعة من أجل توفير احتياجاته.

ومن خلال هذه البرامج تُساهم المنظمات المحلية والدولية والأممية بتحقيق عدد من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، مثل القضاء على الفقر بجميع أشكاله، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين جميع النساء والفتيات، وتعزيز النمو الاقتصادي المطّرد والشامل للجميع والمستدام.

 

تحديث التخصصات

من أجل تحسين مخرجات هذه البرامج ينبغي على المنظّمات المراجعة الدّورية لقائمة التخصصات التقليدية التي اعتادت على تنفيذها، وشطب التخصصات التي لا يحتاجها السوق، حتى ولو كان هنالك إقبال عليها من قبل المستفيدين، وإضافة تخصصات جديدة عليها طلب في السوق، أو من المتوقّع أن يكون لها مستقبل، لأن ذلك سيُسهم في تحقيق الفائدة التي تسعى لها المنظّمات، بدلاً من الاهتمام بعملية رصد أرقام عدد الخريجين، وإضافتها إلى قائمة الإنجازات، كما تعمل بعض المنظّمات.

فمن خلال الدروس المستفادة من التدريبات السابقة، ودراسة احتياج السوق الذي سيعمل فيه المتدربون ومعرفة الفرص المتاحة، واكتشاف قدرات وإمكانات أفراد المجتمع المستفيد من البرامج، ونقاش وتبادل التجارب بين المنظمات التي تعمل في هذا المجال، واستشارة الخبراء في مجال التمكين الاقتصادي، يمكن تحسين وتطوير البرامج التدريبية وجعلها أكثر فاعلية وتلافي القصور الحاصل، وإدراج تخصصات جديدة يمكن أن تحقق لأصحابها فرصة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

كما ينبغي على المنظمات المساهمة في تذليل الصّعاب أمام خريجي التدريب المهني، وتشجيعهم على فتح مشاريعهم الخاصة، من خلال إلحاقهم ببرامج التّلمذة المهنية لدى أحد المشاريع في مجال تخصصاتهم نفسه، لتطبيق ما تعلموه وإكسابهم مهارات التعامل مع العملاء وإدارة المشاريع، وكسر حاجز الخوف من الفشل، وإضافة عدد من الدورات التدريبية المصاحبة في المجالات الحياتية والإدارية ضمن التدريب، وكذلك التنسيق مع الجهات الحكومية لتسهيل فتح مشاريعهم الخاصة، وتوعية المجتمع بأهمية تشجيع المشاريع الصغيرة، وإقامة معارض لعرض منتجاتها، والقيام بعملية الإشراف والمتابعة وتقديم الاستشارات بعد إكمال التدريب.

*نشر أولاً في عربي بوست..

*أحمد جبران،، باحث اقتصادي يمني، مختص في مجال سُبل العيش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى