كان منتظرا الإقدام على تعديل في هرم السلطة في اليمن. لم يكن طبيعيا أن يكون على رأس السلطة شخصان (عبدربّه منصور هادي وخالد بحّاح) هناك تناحر يومي بينهما. كذلك لم يكن ممكنا إبقاء الشمال غائبا عن تركيبة السلطة. ولكن، هل كان لا بدّ من الإتيان بالفريق علي محسن صالح الأحمر، بحسناته وسيئاته، والذي لديه صلة قربى بعلي عبدالله صالح، وابن قريته في مديرية سنحان، ليكون نائبا لرئيس الجمهورية؟
كان منتظرا الإقدام على تعديل في هرم السلطة في اليمن. لم يكن طبيعيا أن يكون على رأس السلطة شخصان (عبدربّه منصور هادي وخالد بحّاح) هناك تناحر يومي بينهما. كذلك لم يكن ممكنا إبقاء الشمال غائبا عن تركيبة السلطة. ولكن، هل كان لا بدّ من الإتيان بالفريق علي محسن صالح الأحمر، بحسناته وسيئاته، والذي لديه صلة قربى بعلي عبدالله صالح، وابن قريته في مديرية سنحان، ليكون نائبا لرئيس الجمهورية؟
يعتبر علي محسن صالح، القريب من الإخوان المسلمين والسلفيين، والعدو اللدود للرئيس السابق، العنوان الأساسي للتغيير الذي حصل، وهو تغيير استبق انعقاد جولة جديدة من المفاوضات بين اليمنيين في الكويت، بإشراف من الأمم المتحدة.
كلّ ما في الأمر أن المفاوضات التي ستدور في الكويت في غاية الأهمّية. وهذا يستوجب، في طبيعة الحال، أن يكون لدى الشرعية فريق متماسك يمثّل كل اليمن. لذلك، لم يكن مقبولا أن يكون هناك غياب للشمال وللزيود، على الرغم من أن علي محسن صالح زَيْديّ بالولادة فقط، لكنّه تحول إلى إخواني وسلفي لاحقا، وسعى إلى أن يخلف علي عبدالله صالح.. أو أن يكون في الموقع الذي كان فيه بين 1978 و2004، أي الرجل القويّ في البلد، عندما بدأت الحروب مع الحوثيين على خلفية التوريث في اليمن. كان علي محسن صالح يعتبر نفسه الخليفة الطبيعي لعلي عبدالله صالح وذلك قبل أن تطفو نغمة خلافة أحمد علي عبدالله صالح لوالده في مرحلة معيّنة.
قبل بروز نجم أحمد علي عبدالله صالح، كان علي محسن صالح الرجل الثاني في الدولة، أقلّه من الناحية الواقعية. كان يعتبر نفسه المؤهل للحلول مكان علي عبدالله صالح أو لأن يكون في الموقع نفسه متى خلف الشيخ حميد عبدالله بن حسين الأحمر علي عبدالله صالح. لا بد من الإشارة مرة أخرى إلى أن لا علاقة قربى عائلية لعلي محسن صالح بآل الأحمر، زعماء حاشد، أقوى القبائل اليمنية، سابقا. هناك علاقة قربى وطيدة بينه وبين علي عبدالله صالح، فيما آل الأحمر، وهم من عمران، شيء آخر كليا.
لا يمكن تجاهل أهمّية علي محسن صالح الأحمر ودوره في اليمن. لا شك أن اختياره نائبا للرئيس يشير إلى وجود نيّة في سدّ فراغ بقي قائما منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء في أيلول – سبتمبر من العام 2014 وتوصّلهم إلى “اتفاق السلم والشراكة” الذي كان بمثابة استسلام لإيران. وقتذاك، سارع الأمين العام لـ“حزب الله” حسن نصرالله إلى الإشادة بـ“اتفاق السلم والشراكة” الذي باركته الأمم المتحدة، للأسف، عبر جمال بنعمر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وقتذاك. عكس كلام نصرالله مدى ارتياح إيران لوضع الحوثيين يدهم على صنعاء.
كان لا بدّ من سدّ فراغ معيّن في الوفد الرسمي الذي يمثل الشرعية في اليمن، وذلك قبل جولة المفاوضات بين الأطراف اليمنية في الكويت. لم يكن معقولا أن تبقى الشرعية مقتصرة على ممثلي الجنوب، علما أن لا شيء يؤكّد أنّ علي محسن صالح يمكن أن يشكّل وزنا في الشمال باستثناء أنه كان ولا يزال رجلا لديه نفوذه بين بعض القبائل وفي أوساط عسكرية. تكمن مشكلة علي محسن صالح في أنّ لديه عداوات كثيرة في الشمال منذ كان قائدا للفرقة الأولى/مدرّع، كما كانت تسمّى، والتي كانت رأس الحربة في الحروب الست مع الحوثيين بين 2004 وبداية 2010، وهي حروب كانت في جانب منها حروبا بينه وبين علي عبدالله صالح لم يكن هناك من يريد أن يحسمها بأي شكل من الأشكال.
سيكون وفد الشرعية في مفاوضات الكويت في وضع أفضل، بوجود الأحمر أو بدونه، خصوصا في حال نجحت المفاوضات التي يجريها الوفد الحوثي في الرياض. وكان الأمير محمد بن سلمان، وليّ وليّ العهد السعودي، أكّد حصول هذه المفاوضات مشيرا إلى “تقدّم كبير”، مضيفا “نحن نضغط في اتجاه ترجمة هذه الفرصة على الأرض، لكنّنا جاهزون في حال انتكست الأمور”.
إذا كان مطلوبا اختصار الوضع اليمني بعبارة واحدة، كلّ ما يمكن قوله إن مفاوضات الكويت تشكّل فرصة لوضع الأسس لتسوية تأخذ في الاعتبار الحاجة إلى صيغة جديدة لليمن في غياب القدرة على العودة إلى ما كان عليه البلد سابقا، أي أن يكون بلدا محكوما من المركز الذي اسمه صنعاء.
ما لا بدّ من تذكّره أن الكويت لم تكن يوما بعيدة عن اليمن أو غريبة عنه. حتّى عندما كان اليمن يمنين، كانت الكويت على علاقة باليمن الجنوبي. تجاوزت كل الاعتبارات التي تدعو إلى مقاطعة هذا البلد وحاولت مساعدته قدر المستطاع. كانت الكويت وراء معظم المشاريع ذات الطابع المفيد في اليمن الجنوبي قبل الوحدة. بنت الكويت طرقات وأنفاقا وجسورا ومدارس ومستشفيات، حتّى عندما كانت معظم دول الخليج تقاطع الدولة الماركسية الوحيدة في العالم العربي.
في العام 1979، أي مباشرة بعد تولّي علي عبدالله صالح السلطة في الشمال، استضافت الكويت، إبان الحرب الباردة، مفاوضات بين الشمال والجنوب إثر اشتباكات حدودية بين بلدين مستقلين كادت تتحوّل إلى حرب شاملة بينهما. نجحت المجموعة العربية، وقتذاك، في منع اندلاع حريق كبير في اليمن.
في الواقع، نجحت الكويت وقتذاك، بدعم عربي سعودي وعراقي وسوري، في استيعاب الأزمة الخطيرة بين عدن وصنعاء في وقت كان الجنوب يعتقد أن علي عبدالله صالح سيكون لقمة سائغة، خصوصا أنّه لم تمض سوى أشهر قليلة على وصوله إلى الرئاسة.
تمتلك الكويت خبرة طويلة في اليمن. لا شكّ أن الشرعية ستكون في وضع أفضل في المفاوضات التي ستستضيفها الكويت في ظلّ تبدّل عميق في المعادلة القائمة منذ بدأت “عاصفة الحزم” التي حالت دون تحوّل اليمن إلى مستعمرة إيرانية. وهذا يشكّل بحدّ ذاته نجاحا كبيرا للمملكة العربية السعودية وقيادتها الجديدة وللملك سلمان بن عبدالعزيز شخصيا.
جديد المعادلة اليمنية أن علي محسن صالح صار جزءا من الشرعية في ظل الحاجة إلى عبدربّه منصور هادي بكل ما يرمز إليه من بقايا شرعية. هناك أيضا رئيس للوزراء من حضرموت هو أحمد عبيد بن دغر يمتلك بعض الخبرة السياسية، خصوصا أنه عمل في ظل الحزب الاشتراكي الذي حكم الجنوب حتّى العام 1990، كما تعاون في مرحلة لاحقة مع علي عبدالله صالح وحزبه “المؤتمر الشعبي العام”. بقي أن رفض نائب الرئيس السابق خالد بحاح للقرار سيكون عاملا مهما في تحديد مسار الأمور.
جديد المعادلة أيضا، وجود الوفد الحوثي في الرياض والحشد الكبير الذي استطاع علي عبدالله صالح جمعه في صنعاء قبل أيّام لإثبات أن العاصمة لا تزال تحت سيطرته أكثر بكثير مما هي تحت سيطرة الحوثيين.
هناك بكل بساطة معادلة مختلفة في اليمن. ليس صدفة انتقال الأطراف المعنية إلى الكويت بدل العودة إلى جنيف في ظل توازن جديد استطاعت السعودية فرضه. إنّه توازن عسكري وسياسي في آن، قد تكون الأطراف المعنية أخذت علما به بعدما تبيّن أن “عاصفة الحزم” لا يمكن أن تتوقف قبل بلوغ أهدافها.
نقلا عن جريد العرب اللندنية