تعيش اليمن اليوم مرحلة صعبة ينحسم فيها الصراع بين الماضي بأشكاله ووجوهه ووجهاته المتعددة، وبين المستقبل بتمثلاته وتجلياته البارزة. هذا الماضي في معاودته الحضور يختبر حساسيتنا المستقبلية ويمتحن نزوعنا للانعتاق ويضعنا جميعا أمام تعيش اليمن اليوم مرحلة صعبة ينحسم فيها الصراع بين الماضي بأشكاله ووجوهه ووجهاته المتعددة، وبين المستقبل بتمثلاته وتجلياته البارزة. هذا الماضي في معاودته الحضور يختبر حساسيتنا المستقبلية ويمتحن نزوعنا للانعتاق ويضعنا جميعا أمام أكبر التحديات المصيرية. يدرك اليمنيون اليوم أن قدرهم هو التقدم نحو الأمام والانتقال موقفًا ورؤية وتطلعًا إلى الآتي ومكافحة هذا الانشداد المرضي لمواريث التخلف التي تشل حركتهم وتثقل عقولهم وقلوبهم وكواهلهم على الدوام. وكما يتشارك الحالمون جهود التجاوز والانطلاق نحو اليمن الجديد يتضافر الماضي بتحالفاته لعرقلة هذه الجهود، يشهر الماضي أسلحته في وجه التوجهات الجديدة، وكلما تشدد المستقبليون في السير نحو الأمام استنفر الماضويون كل طاقاتهم في المواجهة.
الحوثيون يطالعوننا من أزمنة غابرة موقفا وخطابا واحتشادا عصبويا ونقمة. لا يقترح الحوثيون مشروعا يمكن التفاهم حوله. صالح يتحول إلى جزء من ذاكرة اليمن الشادة المقعدة إذ يغدو طالب حق مقدس في الحكم هو الآخر. ما يحدث في الجنوب كذلك استنفار مرهق للذاكرة، وحراك محبط محترب داخل ذاته لا يقترح حلولا واقعية للراهن والمستقبل، بل يقترح العودة إلى الماضي بجعله موئلا للحنين، وبإعطائه أبعادًا فردوسية ذكرى الانكفاء والكفاية والمعاش المنتظم دون النظر إلى حركة الزمن وتغير الواقع ونمط الحكم وعلاقة المجتمع بالدولة. هذا الحنين لا يبدو بريئًا البتة كونه يعيد تمجيد نمط عتيق من علاقة المجتمع بالدولة، تأسس على تبعية مطلقة لا على المواطنية. هذا التوجه الانكفائي يتنصل من الصيرورة ولا يعد نفسه جزءًا من حركة التاريخ.
محارب الذاكرة يخوض صراعا خاصا مغلقا، يعزز انفصاله عن المجتمع. لا يريد أحدًا معه. يريد الاسئثار بصراعه والانفراد بمظلوميته لكي يدعم حضوره ويطلب استحقاقاته. يستسعد ببقائه ضحية لا يريد الانتقال إلى دائرة المسؤولية إنها هزيمة الذاكرة ثمة قواسم مشتركة بين محاربي الماضي النزعة الإقصائية، إنكار الآخر، عدم الاعتراف به، الشحن العصبوي وتغذية مشاعر العداء، الحضور الإشكالي المقلق والمهدد للدولة وللفضاء المجتمعي العام.
تبقى الثقافة بنى راسخة قد يصعب تغييرها جذريا لكن ما يمكن فعله إيجاد دولة متعالية على صراع المجتمع. تمثل هوية الجميع وتنظم وجودهم وتضمن حرياتهم وحقوقهم المدنية دولة الحرية والمساواة والعدالة والشراكة والمواطنة دولة المجتمع الحر المختلف المؤتلف والتي لا يستطيع أحد فيها فرض تحيزاته وخياراته السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية على الآخرين وأعتقد أن الحوثيين يقدمون صورة ساذجة وكاريكاتورية لمعتقداتهم السياسية المنتمية إلى قرون اذ يختزلون الدولة في أنماط من التعاملات البسيطة لا يختلفون في رؤيتهم هذه مع أكثر التنظيمات المسلحة تطرفًا وتشددًا وانغلاقًا
فكرة بناء الدولة كانت وستظل العامل الأهم في القضاء على هذه الظهورات المتلبسة والمتلفعة أردية عصبوية دينية وثقافية شتى في حين أنها نتاج غياب الدولة.
أدرك أحرار اليمن منذ بواكير النضال أن الدولة الوطنية هي الضمان الوحيد لتذويب كل نزوعات ما قبل الدولة سواء كانت قبلية طائفية مذهبية مناطقية أو جهوية.
ويقيننا أن هذه المرحلة البائسة بكل مكبوتاتها الطافحة وضغائنها المصطنعة مرحلة زائفة وليست حقيقية ولا تعبر عن روح اليمن التي نعرفها ويقيننا أن لدينا في عمق الروح والوجدان والتاريخ. والواقع سياجات حامية ستظل تعمل وتقينا الضياع وتحمينا من الشرور والتصدعات والشروخ
ما نعانيه حصاد تحويل الدولة إلى كيان مسخي غريب محكوم بنظام شائه كرس بقاءه ضد المجتمع وخارج السيطرة العامة.
منتجة أزمات وصراعات وانقسامات وحروب رعناء وهدفا للتوجهات المتطرفة البدائية
والتي عشنا ونعيش منها فصولا كوميدية ساخرة وشديدة السواد يتصارع فيها الماضي كله على التهام الحاضر والمستقبل.
ما حدث تجريف مسعور لكل شيء، ضرب للدولة ونسف للمؤسسات قتل لمفهوم الوطن والمواطنة اقتحام وحشي للوعي إعدام للإنسان عودة مكلفة لوراء الوراء صناعة مزبلة كبيرة عاود فيها التاريخ دلق وإفراغ مهازله بغرور وانتفاش وبتصميم قاتل، مزبلة لم يعد فيها معنى لأي شيء، سوى لليمن المقاوم المتطلع لزمن آخر جديد.
نقلا عن الشرق القطرية