منوعات

اختبار شفوي يودي بحياة طفلة مصرية والأموات جيران عائلة فلسطينية!

يمن مونيتور/ قسم الأخبار:

انتشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي قصة مؤلمة وحزينة جداً تفاعل معها بكثافة رواد التواصل الاجتماعي. إنها حكاية بسمة أسامة، طفلة مصرية صغيرة تبلغ من العمر تسع سنوات. بسمة استحالت في لحظات قليلة إلى «دمعة» والديها وحرقتهما التي لن تهدأ يوماً.

كيف بدأت القصة؟

استيقظت بسمة صباحاً، وهي تحمل كل الشوق إلى زميلاتها في المدرسة بعد عطلة صيف طويلة. ارتدت زيها المدرسي وودعت والديها، ولكنها لم تكن تعرف أنه الوداع الأخير. لم تكن تعرف أنها لن تعود إلى بيتها الدافئ ولن ترى وجه أمها الحنون من جديد، ولن تعانق والدها ولن تلعب مع إخوتها. اتجهت ببراءة إلى صفها وجلست على مقعدها الدراسي كباقي زميلاتها.

يومها قرر الأستاذ إجراء اختبارات شفوية لتحديد مستوى طالباته. وجاء دور بسمة فأخطأت في بعض الجمل. ولم تتذكر بعض المعلومات. ولكن الأستاذ لم يقم بتصحيح أخطائها، كما يفعل المدرسون «الطبيعيون» بل قتلها. نعم لقد قتل الطفلة. قرر أن يعاقبها بوحشية. ولم تتوقف أذيته بضربها على يدها أو رجلها، بل اختار أن يحمل عصا خشبية ويطرقها بشكل مباشر على رأسها ليكسره فتدخل بسمة في غيبوبة كاملة.

هكذا نقلت إلى المستشفى ليعلن الكادر الطبي في اليوم التالي وفاتها.

تم إلقاء القبض على المدرس وفتحت النيابة العامة تحقيقاً واسعاً لمعرفة تفاصيل القضية، التي هزت المجتمع المصري.

ولكن هل المدرس هو المجرم الوحيد في تلك الحادثة؟ وكيف تجرأ على تعنيف بسمة أمام كل زميلاتها، لو لم يكن الضرب أمراً اعتيادياً في تلك المدرسة؟!

إن العنف لا يولد إلا العنف. ولو كان ذلك المعلم يدرك ويعي أهمية دوره في تشكيل شخصية الطلاب وتحديد مستقبلهم والتأثير على سلوكهم وصحتهم النفسية والجسدية لما استخدم سلطته في أذيتهم.

ولكن الكارثة تقع حين يكون الأستاذ نفسه يحتاج إلى تأهيل نفسي، بسبب اضطرابات وأمراض عقلية تجعله يفقد صبره فتستفزه أخطاء الطلبة إلى حد ممارسة العنف والتحول من أستاذ إلى قاتل!

بسمة توفيت، ولكنها ليست ضحية الأستاذ الوحيدة. إن زميلاتها اللواتي شاهدن الحادثة هن أيضاً من ضحاياه، وقد يعانين من انتكاسات نفسية مثل الاكتئاب والقلق والخوف وغيرها من العوارض التي قد ترافقهن طيلة الحياة. بالإضافة إلى الأضرار الاجتماعية التي تؤدي إلى الانطواء والعزلة وعدم القدرة على تشكيل علاقات اجتماعية وعاطفية طبيعية في المستقبل.

لا يمكننا الحد من العنف المدرسي إلا بوضع قوانين صارمة في المدارس تؤدي إلى طرد الأساتذة المعنفين وتسليمهم إلى الجهات الأمنية المختصة لزجهم في السجون. وذلك بتعيين حراس أو وضع كاميرات مراقبة داخل المدارس للاطلاع الدائم على يوميات الأساتذة مع الأطفال.

كما يجب أن توفر إدارة المدارس، وبشكل مستمر، برامج تدريبية وتوعوية للمدرسين ومحاضرات عن كيفية التعامل مع الصغار وخطورة العنف وآثاره.

ولا يمكن أن ننسى أيضاً أهمية دور الأهل في فضح المدرسين المعتدين في حال رؤية آثار ضرب على أجساد أبنائهم أو اعتراف الأطفال بتعرضهم للعنف. فبعض الأهالي قد يترددون في إخبار الإدارة خوفاً من انتقام الأستاذ أو الإدارة من أبنائهم او بناتهم.

بسمة الصغيرة ماتت لتطرح بموتها قضايا خطيرة يجب دراستها وإيجاد الحلول الناجعة لها من أجل إنقاذ أطفالنا.

سكان المقبرة الأحياء

ومن مصر إلى فلسطين وتحديداً غزة. هناك حيث تقطن عائلة مؤلفة من ثماني أفراد في مقبرة صغيرة. من قال إن المقبرة للأموات؟ ومن قال إنها تمثل العتمة؟ في قاموس المهمشين والمحرومين والمتألمين الأحياء قد تكون الملجأ الدافئ. وقد تصبح البيت والغطاء والأمان.

هي المكان الذي تسكن فيه كاميلا كحيل مع زوجها وأطفالها الستة منذ 16 سنة. لقد أصبح الأموات جيرانها المحبون. جيران نائمون بلطف وهدوء نومهم العميق. لا يتكلمون، ولكنهم يحرسون أحلامها المبعثرة وأمانيها المؤجلة ويرتبون أفكارها. يحفظون أسرارها ولا يرهقهم ضجيج أطفالها. ولا يرغبون بانتزاع القبر الذي تسكنه مع عائلتها.

هناك باب خشبي مخلع، وروؤس صغيرة تطل منه لتعيد له الحياة. باب عتيق يقف وحده متردداً وكأنه يحاول مقاومة الانكسار والهزيمة، ولا شيء خلفه سوى كمشة دموع وعصارة من الأوجاع وتاريخ من الألم.

هناك قرب الأموات يصلون وقربهم يطبخون ويشربون الشاي ويبكون ويضحكون وينامون. وكأن الموت التصق بالحياة وامتزج بها حتى أصبح مفهوماً واحداً أو مرادفاً لها. هناك تآلف الموت مع الحياة.

تقول كاميلا بحرقة: «لو تحدث الموتى سيقولون لنا اخرجوا من هنا».

لا لن يطردكم الأموات، لأنهم أكثر حياة ورحمة وكرماً من الأحياء. وربما سيستقبلون غداً أو بعده، بالزغاريد والورود والشموع، جيرانا أحياء جددا لتوطينهم. ففي ظل الدمار الذي ألحقته اسرائيل بالأماكن السكنية في حروبها المختلفة وتأخر الإعمار والارتفاع الكبير لعدد السكان لم يعد أمام الأموات إلا أن يفتحوا قبورهم لاحتضان الأحياء.

فهل هناك حل سوى القبور في ظل الأزمة الديموغرافية المستمرة والمتزايدة التي تواجهها غزة أمام صمت العرب؟!

 

الكاتبة لبنانية: مريم مشتاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى