كتابات خاصة

ياليد يا يهودي (2-2)

معاذ المقطري

صديقي العيلوم سليمان يحي الحلي ..
كيف وصلت إسرائيل ؟..
سيكون عليك أن تجيبني بنفس السؤال ؟ .. صديقي العيلوم سليمان يحي الحلي ..
كيف وصلت إسرائيل ؟..
سيكون عليك أن تجيبني بنفس السؤال ؟ .. وكأنك وصلتها معصوب العينيين، لا تحت عدسات الإعلام التي تربصت بك في المطارات وفق تشبيك واسع أجرته الوكالة اليهودية..
أعلم الكثير عن الوكالة اليهودية؛ فهي المنظمة العالمية غير الحكومية الأوسع والأعرق نشاطا في إعادة توطين اليهود في إسرائيل وربطهم بتراثهم، لكن احدا لا يعلم كيف دارات الصفقة التي نفذتها  وأدارتها  هذه الوكالة لتختتم بك وعائلتك يهود ريدة عمليات البساط السحري التي تبنها لتهجير يهود اليمن الى اسرائيل منذ العام 1948.
من جهتي تابعت لحظة وصولك تل أبيب، الاحد قبل الماضي، لأرى كيف تتصرف كيهودي يمني؟.. وما الذي ستحيكه للإعلام عن كيفية وصلك وعائلتك الكريمة كأخر عائلة يهودية يمنية تبنت الوكالة اليهودية  مهمة ترحيلها إلى اسرائيل؟..
أما تفاصيل الصفقة التي أدارتها الوكالة اليهودية بين اليمين الاسرائيلي ممثلا بحكومة نتنياهو، واليمين اليمني ممثلا بجماعة أنصار الله “الحوثيين” فيمكنني فهمها بمقاربات من نوع ما مقنعة..
لقد طلبت منك الوكالة ما هو مطلوب من الاعلام العبري القريب من مصادر القرار وهو الحرص كل الحرص على توجيه الرأي العام الاسرائيلي والعربي للحديث عن الأهمية الدينية والاثرية للمخطوط الذي وصلت تتأبطه  كبساط سحري أنت وعائلتك آخر الواصلين عليه كما تزعم الوكالة .
سألك أحد المراسلين بنشوة متكلفة: أيمكنك القول بأن هذا المخطوط ابقائكم على قيد الحياة؟..
أجبته كيمني حاذق: “تبارك الرب الذي أوصلنا إلى هذه اللحظة”..
ظل حديثك مع الإعلام مركزاً حول أهمية المخطوط، الذي  يعود عمره لنحو 800 عاماً، على كل حال، الأمر الذي التزم به حرفيا بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل.. وحتى الإعلام العبري المتقدم نسبيا في مجال الصحافة الاستقصائية وحرية الإعلام لم يسبر أغوار الصفقة حتى اللحظة..
في العام  2010 أثيرت أنباء عن عرض تقدمت به الوكالة لشراء المخطوط بمبلغ تراوح رقمه بين 100-200  الف دولاراً، كان المحطوط حينها قد اصبح بحوزة الحوثيين إثر مداهمتهم للمكتبة اليهودية الخاصة بيهود آل سالم وسلب مقتنياتها في صعدة..
وحين زرتك نهاية العام 2012 تطرقت معك لهذا الامر، لكنك اعتبرت مبلغ كهذا تافه للغاية قياساً بالقيمة الدينية والاثرية للمخطوط؛ الذي قلت بأنه حميرياً..
يومها في محيطك القبلي المسلم المتجانس في منطقة خارف – ريدة –  ظلت تلاحقنا نظرة الريب والازدراء بمجرد ان سألنا الناس عنك؟..
ظنوا بأنا جئناك لممارسة السحر الذي اتهمت ومن معك من يهود بتحضيره على نحو يفرق بين المرء وزوجه..
والحق أنك يا ليد ساحر للغاية، فعملية “البساط السحري”  التي تبنتها الوكالة اليهودية اختتمت أعمالها بمقدمك طاويا تحت إبطك البساط السحري ذاته..
(ناثان شارا نكسي) المدير التنفيذي للوكالة اليهودية اعتبر وصولك حاملا للمخطوط نقطة النهاية في تاريخ يهود اليمن..
 وقال شارا نكسي في بيان صادر عن الوكالة فور وصولك اسرائيل “إن هذا الفصل في تاريخ واحد من أقدم المجتمعات اليهودية في العالم بلغ نهايته”.
صديقي سليمان دعني اقارب معك الامور :
أولا إذا كنت توافق بأنك والواصلين البالغ عددهم 17 يهوديا قد طويتم الصفحة الأخيرة من عمليات البساط السحري؟ فماذا  إذا عن الخمسين يهودياً الذين لا زالوا في العاصمة اليمنية صنعاء ويعيشون في المدينة السكنية “سعوان” بالقرب من السفارة الامريكية المغلقة منذ عام؟؟
إن بقاء خمسين يهوديا في سعوان مع مغادرتك بكل من تبقى من يهود ريدة يجعلنا نفهم بأن يهود سعوان ظلوا كضمانة بيد الحوثيين لتنفيذ بنود الصفقة المبهمة في التفاصيل الدقيقة خصوصا التفاصيل المتعلقة بالشيء الذي حصل عليه الطرف اليمني “الحوثيين”، لقاء وصولك وعائلتك بما معك من مخطوط.
 التعتيم شرط أساسي للصفقة، أي عدم كشف اسرارها  أمام الرأي العام العالمي، حتى وإن حاول الاعلام العبري كشف ذلك بما لديه من أدوات وشروط ممكنة للوصول إلى المعلومة والحصول عليها..
ومهما يكن فثمة ضرورة انسانية لمغادرتك ويهود اليمن إلى بلد ما آمن في العالم، فالمعاناة العميقة والانتهاكات الحاطة بالكرامة الانسانية ظلت تلازمك وأربع عائلات يهودية صمدت معك بعجائزها وأطفالها في ريدة إلى أن هاجرت معك إلى اسرائيل…
حين زرتك والزميلان عبد الرحمن شمسان ومنصور الاصبحي قبل ثلاثة أعوام كان اليهودي الذي يعيش بالقرب من السوق الرئيسي لمدينة ريدة، يرتعد خوفا عندما يطرق زائر ما باب بيته، لم يكن يقوى حتى الافصاح عن اسمه، فقط هو يشير بأصبعه في الاتجاه الذي كان فيه مسكنك، الكائن خلف الطريق الاسفلتي الذي يربط بين ريده وخارف..
شكوت لنا تكرار الاعتداءات الجسدية والنفسية عليك ومن معك من يهود وعن تعرض منزلك للسرقة،  ومع انك كنت تعلم بهوية اللصوص الذين سرقوك 35 مليون ريال، إلا أنك كنت لا تقوى على البوح..
لم يكن معك من اليهود سوى أربع عائلات هي إلى جانب عائلتك “الحلي” عائلة “حيم” التي تعيش بالقرب منك وعائلتي “سالم” و”يعيش” داخل مدينة ريدة، يومها قدرت معنا عدد سكان هذه العائلات 70 فردا معظمهم من الأطفال والنساء..
جارك اليهودي داؤود، لا أعلم كيف حاله معك اليوم ؟ كان يومها يواجه مضايقات كثيرة من قبل رجال القبائل لإجباره على مغادرة منزله الذي يتمتع بموقع جيد على الطريق الاسفلتي بخارف..
حين كنا نسأله عن معاناته لم يكن رجال القبائل يسمحون له بالرد بل ويتحدثون بالنيابة عنه فكان علينا أن نرتب معك موعدا للاتصال به في ساعة متأخرة من المساء حين يكون رجال القبائل قد هجعوا..
شكوت لنا تعرضك ومن معك من يهود لاعتداءات وجرائم كراهية مع تنامي حضور الجماعة الدينية الاسلامية، وما اسفر عن مقتل العيلوم اليهودي عايش النهاري في العام 2008. واجبار نساء اليهود على الزواج بمسلمين واعتناقهن للإسلام..
قلت إن (شعار الموت لأمريكا..  الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود) يشكل ارهابا مباشرا لك ومن تبقى من اليهود الذين تناقص عددهم لدرجة أنك تفشل في اداء صلاة الجماعة التي تشترط عشرة مصلين وفقا لتعاليم الدين اليهودي..
تكرر شكرك للشيخ مجاهد أبو شوارب الذي قلت لنا بأنه كان يحمي اليهود ويمنع تعرضهم للاضطهاد والإيذاءات الجسدية واللفظية، لكن هذا الشيخ الشهم كان رحل عن الحياة قبل حوالي 9 سنوات بحادث أليم وغامض.
أتعلم يا سليمان.. أنك ظريف وحبوب للغاية، بعد سقوط عمران بما فيها ريدة في يد الحوثيين قبل أكثر من عام كان عليك أن ترفع مع الحوثيين شعار الموت لأمريكا الموت لإسرائيل كما تظهر بعض الصور!!.. حين شاهدت ذلك انفجرت ضاحكا ولا زل الضحك ينتابني كلما تذكرت..
في تاريخ الوكالة اليهودية وتهجير اليهود إلى اسرائيل أنت رجل غير عادي فقد كنت تضغط على كرامتك إلى أن تنجح الوكالة في إبرام الصفقة..
طريقتك كانت شبيهة بطريقة الرئيس اليمني الحالي عبدربه منصور هادي حين كان عليه أن يضغط على كرامته لأقصى مدى تحت سلطة الحوثيين ذاتها ليسهل على وكالة ما عملية تهريبه إلى عدن، ليحرك بعده حلفاً عربياً كاملا لضرب الحوثيين وقوات الرئيس السابق على عبد الله صالح بحكم انقلابهما على شرعيته..
أتذكر حين سخرت من تمثيلكم بأربعة مقاعد في مؤتمر الحوار الوطني وقلت متهكما: “مثلونا، وقدحنا خاطيين” اي مغادرين، ما عاد بو حد إلا العجائز والأطفال”.
وأتذكر صورة  لزيون جولان الفنان اليهودي اليمني المقيم في اسرائيل، كانت الصورة تعلو مجلسك وتشير إلى روح “الفهنة والطرب التي تتمتع بها”.
انها يا سليمان روح نفقدها وتكسبها اسرائيل..
دم سالما ياليد يا يهودي..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى