كتابات خاصة

حكايات من قلب المقاومة (16)

أحمد عثمان

أصبح الحصار هو السلاح الأهم الذي يُعوَّل عليه لكسر مدينة تعز، بعد يأسهم من اقتحامها عسكرياً.. كل طرق السيارات مسدودة، حتى الطريق الترابية التي كانت غير معروفة أغلقت.

طريق الحمير 
أصبح الحصار هو السلاح الأهم الذي يُعوَّل عليه لكسر مدينة تعز، بعد يأسهم من اقتحامها عسكرياً.. كل طرق السيارات مسدودة، حتى الطريق الترابية التي كانت غير معروفة أغلقت.
بعد مرور ثلاث مدرعات قادمة من عدن للمقاومة، تم تكليف مجاميع بالاقتراب إلى شرقي صبر ونصب أسلحة ثقيلة تمهيداً لاكتساح المنطقة، وبعد خمسة أيام قُدم تقرير عن الحصار.. فوجئ القائد الحوثي (أبو عريج) بالتقرير يتحدث عن وصول مواد وتسرب بضاعة إلى المدينة.. وأن الحصار لم يؤت ثماره.
جُن جنونه، فقد كان ينتظر كلاما سارا عن نجاح الحصار وانتفاضة الناس ضد المقاومة.
وبدأ يرغي: ما هو هذا يا (أبو أكرم)؟ قد سدينا كل الخُزَق.. من وين تدخل البضاعة للدواعش؟  أكيد في خيانة وتلاعب وتهريب.
– أبو سليم: يا سيدي البضاعة تنقل عن طريق (الحمير) من شرقي صبر.
– قبح الله الحمير حتى (الحمير) صارت دواعش.. اسمعوا اشتي منع طريق (الحمير).
– كيف نمنعها؟
– كيف؟  امنعوها من الوصول.
 الحمير تطلع أمامكم في شرق صبر اضربوها نار.. وليش أعطيناكم مدافع وصواريخ؟! الآن (الحمار) أصبحت (عقبة) مثل أي مقاتل داعشي وأخطر.. اضربوها ولقطوا كل (الحمير) وجمعوها.. احجزوها في مكان.
— إلى أين يا سيدي؟
  إلى أين؟.. إلى جنب إخوانهم الدواعش.. مدينة الصالح ههههه
— احجزوها في حديقة الحيوانات (يقول أبوسليم).
— ابو عريج: وُهِيه.. تمام في حديقة الحيوانات ولا تخلوا حمار …حتى الحمير تتحدانا.. والله عجبه!
 الأوامر بالهجوم على الحمير لم تعد مزحة فهي تساهم بشكل أساسي بإفراغ قرار الحصار وافشاله.
عندما صعدت مجموعة من الحمير إلى شرق صبر لتتجه إلى المدينة محملة بالحاجات الضرورية والخضروات، تم ضربها بالرشاشات وحتى دانات المدافع لتسقط مجموعة من الحمير ضحايا القصف، صاحبتها حملةٌ لمطاردة (الحمير) واحتجازها، وفعلا تم تجميع ما يقرب من ثلاثين حماراً إلى حديقة الحيوانات بتعز بتهمة إفشال الحصار و(الدعششة)!
الأستاذ (عارف) وهو مدرس تاريخ يعلق:
هذه أول تهمة في التاريخ على (الحمير)، وعلى هذا النحو، وأول اغتيال واعتقال سياسي لحمير؛ فلم يقم به أحد من قبل كما فعلت جماعة (الحوثي وصالح)!!
 هم لا يعرفون ان ارادة الانسان عندما تنهض وروحه عندما يتوهج دفاعا عن الأرض والكرامة، يحارب معه الحيوان والشجر والحجر ومناقر العقاب.
(أحمد صالح) صاحب نكتة يمر على صاحبه (مهيوب) الذي فقد (حماره) بالقصف، يعزيه: عظم الله أجرك يا (مهيوب)، معك (حمار) أحسن من بعض الناس ويلتفت إلى جهة بيت (شمسان).
مبروك يا (مهيوب) لأنك معك (حمار) قاوم الظالمين وساعد الناس وصنع المعروف.. (الحمير) هذين مسخرات من الله مش مثل باقي (الحمير) البشرية.. أيوه وااا مهيوب (حمارك) مثل (حمار) عزير و(كلب) أهل الكهف.. سُعيدك مدري مشتدخلش الجنة بسببه.. أما أنت الله يعلم كيفك!.
يخرج (شمسان) من بيته، وشمسان هذا (متحوث) أعلن مؤخرا أنه محايد.
قال (شمسان) معترضاً:
اِستغفر الله يا (أحمد صالح) مو شتدخل الحمار الجنة.. كثرتم به.. ذلحين الجنة حقك.. حتى اللي يُقتلوا معكم الله يعلم كيف حالهم.. سكّهْني.
– منو اذى؟ (شمسان) ارحب ارحب.. ما أنت شحلف يمين إن (حمار) مهيوب أفضل منك بألف درجة، على الأقل معها موقف وأنت ما معك إلا الهواء المطلي.. هي قتلت بتهمة مساعدة الناس وإغاثة الأطفال والنساء المحاصرين، وأنت تتشفى بهم وتتحالي..  أسألك بالله أيّوُه أفضل.. كما ربي عادل مش مثلك ووو شمسان.
– هيا اخرط لك اخرط يا (أحمد صالح).
الحجة آمنة من أمام بيتها: خَبَر (أحمد صالح) صدق.. والله صدقُه.. يُخبّر بحق الله.. الله يسترك و(أحمد صالح).
-أحمد صالح: مالك منه هذا يا خالة (آمنة) الله قا حرُمه من الجنة.
– شمسان: كيف؟؟  أحرمنا من الجنة! مو حق أمك.
أحمد صالح: مش أنا اللي قلتوا.. الله هو اللي قال إن الجنة محرمة عليك. 
شمسان: كيف يا (احمد صالح) قا أنت نبي؟
أحمد صالح: ليش ما تقراش القران، اقرأ وشوف مو يقول الله.
شمسان: مو يقول يا عِرّيف؟
أحمد صالح: يقول الله وهو يخبر عن الجنة: (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا)..  وشمسان انت…؟ وزوجتك زمهرير الجنية.. اللي قِلت العام إنك ازوجته.. وتزيد عليك.
تضحك (آمنة) حتى تكاد تقع على الأرض وتقول: والله اللي يقوله أحمد صالح أنِي سمعته من الحاج أحمد وهو يصلي.
يغضب (شمسان) ويتوعد بشكوى صالح وآمنة عند شيخ القرية.. ويدخل بيته.
– أحمد صالح: ادخل..  لا معك عقل مشتقفْش مع اللي يقتلوا أهلك ودمروا بيت ابن عمك باطل.
– (يمسخ الله جبال واا أحمد صالح.. بس قا حقه معه)، تقول آمنة وهي تهم بحلب البقرة المربوطة بجانب البيت.
بينما يتحرك (أحمد صالح) نحو المسجد لصلاة الظهر ومزيدا من تطفيش (شمسان) يصيح ووا (شمسان).. باكر شنروح نتظاهر لإخراج الحمير الأبطال من معتقلات اصحابك الله يخزيكم..  اشتجئ معانا؟ والله إنك شتكفر عن ذنوبك.
– آمنة: بس خلاص يا أحمد صالح يكفي امش صلي.
– والله مهما عملوا إننا شننتصر يا خالة (آمنة).. الله معنا.. نحنا أصحاب حق.. يقتلوا اللي يقدروا أطفال ونساء وشباب.. يفجروا، وذلحين يخافوا من الحمير ويسجنوها ويحرقوا الأرض.. والله إن تعز شتنتصر واليمن شتنتصر عليهم، وإذا قدروا يطفوا شمس ربي شطفوا تعز وشكسروا اليمن.
أصبح تعامل الحوثة وجماعة صالح مع الحمير محل تندر، بينما بدت الحمير تكسب شعبية في مواجهة الحصار، ولم تفلح حملة تصفية واعتقال الحمير.
 تمر الشهور والمقاومة تزداد صلابة وعمقا وقوة، والمليشيات في موقع المرتبك، ومن النادر أن يتحول المحاصر إلى مخنوق والمهاجم إلى مدافع خائف من شراسة المدافعين.
طيلة فترة الحصار والمدينة تعج بالحركة والوقفات الاحتجاجية والندوات والمهرجانات المقاومة والمؤتمرات الحقوقية.. كل شيء يقاوم وكل يوم يزداد الشارع صلابة.
القائد الحوثي (أبو عريج) يستمع للتقرير الأخير.. هو يعرف سير المعارك اليومية جيدا، لكنه كان يتلهف للاستماع لتقرير الحصار ونتائجه.. لكن هذه المرة جاء أسوأ بالنسبة له.
 قال (أبو أكرم) وهو يقرأ ملخص التقرير: إن المدينة كأنها تروضت وبدا أن البضائع تتسرب إلى المدينة بطريقة منتظمة.. صحيح أن أسعارها أغلى لكنها متدفقة بصورة ما.
مسك (أبو عريج) على رأسه كمن صدعته تعز وهو يقول: مه.. يعني في جن يدخلوا البضاعة.. قال متدفقة.. ما هو؟ يعني في خونة يسربون البضاعة بفلوس.
– أبو سالم: لا لا يا سيدي البضاعة تدفق من جهة التربة والمسراخ وتمر عبر جبل (طالوق).
– ومن متى طريق طالوق؟ كل طرق السيارات قلتم مقطوعة من أين جاءت طريق (طالوق) هذه؟
– طريق طالوق عبر جبل صعب، ولا يوجد فيه طريق سيارات والبضاعة تنقل على الحمير والجمال والأفراد، لكن الحمير هي الوسيلة الأولى وهناك عدد ضخم جداً من الحمير، فبعض الأفراد اشترى أكثر من عشرين حمارا، و في أسفل نقيل طالوق يوجد سوق مزدحم بعدما كان مكانا للقرود و الغربان.. لقد ازدهرت هناك تجارة حقيقية على طريق الحمير.
-(أبو عريج): الحمير ثاني.. يعني حملة إعدام وحجز الحمير لم تنفع.. منعناهم من الشرق جاؤوا من الغرب.. هذا مش معقول مش معقول. نجحنا في منع طرق السيارات وسدينا كل منفذ وفشلنا أمام (طريق الحمير).
 أطرق يفكر قليلا ثم رفع رأسه: خلاص يا (أبو سالم) ويا (أبو حسن)، لا بد من تجهيز حملة لاقتحام (المسراخ) من جهة الأقروض بالتعاون مع أصحابنا.. معانا هناك رجال من “أنصار الله” شجعان أفضل من أي منطقة.
– صادق متحوث مقرب من أبو عريج: وين كتائب أنصار الله خلصت؟ 
– اسكت يا (صادق) أنت لا تتكلم.
– أبو حسن: لكن يا سيدي يا (أبو عريج)، ذهابنا إلى المسراخ ليس ضرورياً ولا يوجد فيها هدف.
– إلا في هدف وهدف استراتيجي كمان؛ وهو قطع (طريق الحمير) في طالوق وقطع خط أسفل النجد.. نقطع عليهم آخر شريان، والمنتصر من يصبر.. الحمير أفشلت علينا الحصار.
– (صادق) يهتف محاولاً مجاملة أبو عريج:
الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، الموت للحمير.
– أبو عريج غاضباً: احبسوا هذا الأهبل (الحمير) حق الدوعش انفع منكم.
في هذه المرحلة علَتْ سُمعة الحمير، وبرز دورها في مواجهة الحصار؛ وعندما سقط (حمار) في طريق طالوق من شدة الإعياء تناقلت صورته وسائل التواصل الاجتماعي شرقا وغرباً! وتنوعت التعليقات المشيدة بالحمار والساخرة من خصومه، كما بدأ البعض بكتابة قصائد شعرية عن الحمار ودوره والمقارنة الساخرة بالبعض، وتم تكريم الحمار بوقفة شبابية واحتفائية خاصة في أحد شوارع المدينة.
(أبو عريج) يؤكد غاضباً: المهم جهزوا لاقتحام (طريق الحمير) في طالوق، وبعدها صفوا كل حمار.. اقتلوا وفتشوا كل مكان، ولا تخلوا حمار هذولا دبور! (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)، هذولا منظرهم وأصواتهم وأهلهم منكر ونكير.
ينهي القائد الحوثي الاجتماع ويخرج متوتراً..
عندما خرج من بوابة محل الاجتماع اعترضهم (حمار) لأحد بائعي بضاعة الثياب المتنقلة، وبمجرد رؤية الحمار صاح (أبو عريج) مثل الملسوع:
 وقف.. وقف.. وقف أعوذ بالله والدبور. 
نزل من السيارة وتوجه بهستيريا ليرش الحمار بقرن رصاص من بندقيته ويصعد وهو يتعرق.. هه أعوذ بالله. اخطى.. اخطى.
لم يجد الناس تفسيرا لهذا الموقف؛ فَسَرَت شائعة تقول إن انتحارياً حاول تفجير سيارة (أبو عريج) من ظهر حمار.
لم يعلموا أن الرجل أصبح ينظر للحمير كابوساً وشؤماً وعلامة هزيمة.
لكن الفقي إسماعيل يؤكد أن فزع الجماعة من (الحمير) مرتبط بحسبة لديهم في الكتب القديمة، وحساب المنجمين، وملخصها (تنتفشون وتهيجون ويفتح أمامكم المدن وتنقاد الجيوش، حتى يقف أمامكم قوم عزل معهم تحاربكم (الرباح)، وتفزعكم الحمير والإبل، وحينها يحل بكم الهلاك فيتحول بعضكم إلى (ركام) والبعض يمسخون (المسخة الثانية).
– أيش المسخة الثانية يا فقي إسماعيل؟
يبتسم الفقي ويستوي في جلسته وهو يقول: المسخة الأولى هي مسخ اليهود إلى رباح (قردة)، عندما حرفوا التوراة وادّعو أنهم أبناء الله والشعب المختار والبشر عبيد لهم.
 و(المسخة الثانية) بحسب الرواي في آخر الزمان يمسخ قوم إلى (بغال وحمير)، بعدما يدعون دعوة اليهود بأنهم المصطفون الأخيار و(أسياد) على الناس وحكام بـ(بصيرة) من السماء. هههههه
 وإلا ما تفسير ما يجري؟ هؤلاء يقتلوننا وأنفسهم بدافع الاستعلاء المقيت والخرافة السوداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى