ما يزال الحديث عن طبيعة الصراع في اليمن مثارا للجدل فيما إذا كان قد أخذ بُعداً سياسياً أم طائفياً، رغم مرور أكثر من سنة ونصف من اجتياح جماعة الحوثي المسلحة على العاصمة صنعاء كأبرز حدث شهدته البلاد. ما يزال الحديث عن طبيعة الصراع في اليمن مثارا للجدل فيما إذا كان قد أخذ بُعداً سياسياً أم طائفياً، رغم مرور أكثر من سنة ونصف من اجتياح جماعة الحوثي المسلحة على العاصمة صنعاء كأبرز حدث شهدته البلاد.
وحين نتعقب سردية الأحداث لاستنطاق ما إذا كان الصراع سياسي أم طائفي فمن غير الصواب البدء من دخول جماعة الحوثي صنعاء باعتبارها طرفاً بارزاً يمثل مشروع طائفي ذا أقلية في البلد، ولكن الحرب في دماج كانت أول شرارة حرب طائفية جسدت مشروع طائفي بامتياز.
قادت جماعة الحوثي هذا المشروع تحت شعار “يا لثارات الحسين”، وكان تهجير مركز دار الحديث (سلفي) تطبيقا عملياً لهذا المشروع، إذ لو كان لهم مشروع سياسي لاكتفوا بإبقاء المركز وفرض عليهم شروط يضمن عدم التعرض لأي منهم كما فعلوا مع بقية المراكز كمركز محمد الامام في معبر.
لكن الحوثيين حين بدأوا مشروعهم من صعدة كانوا يستنهضون البُعد المذهبي حتى تلتف حولهم الحواضن الزيدية لسهولة التوسع دون صدام مسلح مع القبائل التي كانت تعارضهم سياسياً وهي القبائل الموالية لصالح وبيت الأحمر، حتى وصلوا إلى مشارف صنعاء.
دخل الحوثيون صنعاء وهم على تصور راسخ بأن السلطة التي انتزعت من سلالة “البطنين” لابد أن ترجع لهم كحق إلهي مشروع، حتى وإن كلفتهم الحرب ألف سنة. حينها، وبعد أن تمكنوا من السيطرة على مؤسسات الدولة كان عليهم أن يوجدوا مبرراً جديداً لبقائهم وشرعنت هذا الواقع.
وجد الحوثيون أن صنعاء ليست كصعدة ولا عمران، بل مدينة القرار السياسي يجتمع فيها كل الفئات السياسية والمذهبية ومن جميع المناطق في البلد، وهو ما جعلهم يتقمصون دور النموذج الطبيعي السياسي لاحتواء هذا الكوم من التناقضات المتعددة، بمعنى أن بقاءهم سيكون على مدى قدرتهم لاحتواء الجميع وليس الحديث باسم طائفية أو مذهب يُعبر عن أقلية.
لم يكتفِ الحوثيون بالبقاء في صنعاء حتى أطلقوا على خصومهم “التكفيريين والدواعش” كمبرر للتوسع واقتلاع مراكز الخصوم في المذهب، حينها قال أحد قيادات الحوثيين إذا أردنا أن نقضي على الفكر التكفيري فلا بد من القضاء على منابعه من المراكز العلمية، والمقصود بها دور القرآن ومراكز العلم الشرعية التي تقدم النموذج السني المعبر عن أغلبية المجتمع اليمني.
وحين يطلق الحوثيون على خصومهم “التكفيريين”، و”الدواعش” فهذان المصطلحان هما البديلان عن كلمة “النواصب”، وهي الكلمات، نفسها، التي تطلقها إيران ضد خصومها السنة وفي العراق ولبنان، أيضاً، إضافة إلى أن هذه المصطلحات وهي وإن كانت طائفية فهي تتماهى مع التوجه الغربي والعالمي في حربها ضد “الارهاب”، حسب وصفهم.
اتجه الحوثيون نحو المناطق الوسطى السنية الشافعية بعد أن سيطروا على مساجد العاصمة وفجروا دور القرآن في عمران وهمدان وذمار، تحت مبرر أنها معسكرات وثكنات عسكرية، وهو تعبير عن تطهير وجودي لمعالم سُنية كانت تمثل انطلاق عِلمي على حساب خرافات الإمامة.
ورغم أن الحوثيين لا يزالون يخوضون حرباً طائفية، حتى اللحظة، إلاّ أن دخول “علي صالح” معهم في الحرب وتشكلهم في كيان عسكري واحد أثر على مسار الصراع العسكري في اليمن، بل ويعتبر منعطفاً جديداً في إصباغ البُعد السياسي في الصراع.
صالح ليس من مصلحته الحرب الطائفية إذ يُقدم نفسه شخصية كانت تمثل شعبية مختلطة من التوجهات بما في ذلك المجتمع السني الذي يمثل الأمة والاغلبية في البلد، إضافة إلى أنه يعرف مدى تأثير النفس الطائفي على المملكة التي لن تسكت باعتبار ذلك خطرا له امتداد واضح لإيران.
الحوثيون استمروا بالقول إن الحرب بين معاوية والحسين، فأرسلوا “كتائب الحسين” إلى مدينة عدن لقتال أعداء الحسين، وهذا استجلاب واضح للتأريخ والانتصار للطائفية، لكن مع ذلك ظلوا تحت الغطاء العام من الصراع السياسي الذي اصبغته قوات صالح وتصوير أن الحرب ليس إلا على كرسي السلطة، فحسب.
لما زرت أبين في 2011م مع مجموعة من الصحفيين، قال لي أفراد من سكان المدينة في هذه الزيارة الصحفية إنهم كانوا يسمعون أصوات فيها مفردات طائفية من داخل أحد المعسكرات، ويقولون يا أبناء عائشة…، على اعتبار أن أفراد حوثيين كان يتواجدون في هذا المعسكر.
وعلى هذا النحو، قدم الحوثيون مشروعهم الطائفي الممسوس بشيطان إيران، إلا أن ما بعد تدخل قوات التحالف في اليمن تحت استراتيجية ضرب التمدد الايراني في المنطقة، أراد المتحالفان صالح والحوثي تقديم الصراع في اليمن بأنه ليس سوى صراع سياسي لطمأنت دول المنطقة بعدم وجود مشروع إيراني طائفي يهدد دول الجوار، فأتجه الحوثيون إلى القول عبر محمد الحوثي إن تصريحات إيران مستفزة وتستفز دول الخليج.
أما صالح فقد أعلن أكثر من مرة بألا طائفية في اليمن وأن الحرب هي حرب على السلطة. ربما هو كمشروع منفرد محقاً بحربه السياسية مع خصومه خلاف مشروع الحوثيين، وهو ما جعل الكثير يصف ما حدث في مدينة الحديدة من اجتماع الاسبوع الماضي تحت مسمى “ملتقى علماء أهل السنة في اليمن” بأنها محاولة لطمأنت الرياض بأن هناك مكون سني في الداخل يؤدينا ولا تخوفات بأننا نخوض حربا طائفية.
ومهما حاول الحوثيون مؤخرا من تقمص دور المثالية والمكون الطبيعي غير الطائفي كواقع فرضه عليهم ما بعد عمليات التحالف، إلاّ أن حربهم من صعدة إلى صنعاء كانت طائفية، وما بعد صنعاء أصبحت هجينة بين الطائفي والسياسي مع دخول صالح في الواجهة.