محاكم عدن.. باب العدالة المُهدَّم (تقرير)
“بلاد بلا قضاء هي بلاد بلا قانون”، هكذا يقول سكان مدينة عدن، جنوب اليمن، التي أغلقت فيها المحاكم والنيابات منذ أكثر من عام، مخلفة وراءها الآلاف من قضايا المواطنين. فعدنان جعفر، مضى على قضيته ثلاثة أشهر ولا يزال يبحث عن جهة يلجأ إليها لحلها، التي أدلى بتفاصيلها لـ”الترا صوت” قائلًا: “أحرق أشخاص سيارة الأجرة التي أملكها والتي كنت أعول من خلالها أسرتي، وعلى الرغم من تعرفي فيما بعد على الجناة إلا أنني لم أجد الجهة التي أشتكي إليها حتى تقوم بإنصافي، وسيارتي يصل سعرها إلى مليون ريال يمني أي ما يعادل خمسة آلاف دولار، كما أن عديد الأوراق المهمة أحرقت داخل السيارة”.
يمن مونيتور/ الترا صوت
“بلاد بلا قضاء هي بلاد بلا قانون”، هكذا يقول سكان مدينة عدن، جنوب اليمن، التي أغلقت فيها المحاكم والنيابات منذ أكثر من عام، مخلفة وراءها الآلاف من قضايا المواطنين. فعدنان جعفر، مضى على قضيته ثلاثة أشهر ولا يزال يبحث عن جهة يلجأ إليها لحلها، التي أدلى بتفاصيلها لـ”الترا صوت” قائلًا: “أحرق أشخاص سيارة الأجرة التي أملكها والتي كنت أعول من خلالها أسرتي، وعلى الرغم من تعرفي فيما بعد على الجناة إلا أنني لم أجد الجهة التي أشتكي إليها حتى تقوم بإنصافي، وسيارتي يصل سعرها إلى مليون ريال يمني أي ما يعادل خمسة آلاف دولار، كما أن عديد الأوراق المهمة أحرقت داخل السيارة”.
تردد عدنان، عشرات المرات على المحاكم والنيابات لعرض قضيته لكن دون فائدة، ولم يستطع إيصال قضيته إلى قسم الشرطة لإحضار الجناة لأن الأمر يتطلب إذنًا من المحكمة، كما أن القضية سيتم تجميدها إلى حين فتح المحاكم. أما محمد عوض فيحمل أوراق قضية طلاق أخته ولم يجد جهة تقبل قضيته، لكن محمد التجأ إلى أحد شيوخ الدين، فأعطاه ورقة لكن المشكل لم يحل. يقول محمد لـ”الترا صوت”: إن “أخته تطلقت من زوجها للمرة الثالثة غير أن زوجها منكر لذلك ويؤكد أنه لم يطلقها سوى طلقتين”، وخسر محمد قرابة أربعمائة دولار أمريكي، وهو يبحث عن جهة تحل قضية طلاق أخته، ولم تحل المشكلة إلى اليوم وقد تطورت المشاكل بينه وبين زوج أخته.
ويطالب الكثير من المواطنين في مدينة عدن بضرورة تفعيل أجهزة النيابة والقضاء، خاصة وأن الكثير منهم يشكلون كل صباح طوابير انتظار طويلة أمام مباني القضاء لحل حيثيات قضاياهم التي لا تزال عالقة في المحاكم ولم تبت فيها الأجهزة القضائية حتى الآن، كما هو حال عبد الله أحمد، الذي لا تزال قضيته المتعلقة بملكية قطعة أرض قد اختلف حولها مع أحد أقاربه، دون حل ولم يتقدم خطوة واحدة في سبيل الوصول لحل يلزم ويقنع الطرفين، ويشك عبد الله في احتمال سلامة ملف قضيته خصوصًا بعد الدمار الذي طال مباني النيابات والقضاء والنهب الذي تعرضت له المجمعات القضائية أثناء الحرب.
في هذا السياق، يرى جلال محمد أن الأعراف والتقاليد القبلية هي المخرج في الوقت الراهن، فهو كان شاهدًا على تبادل إطلاق أعيرة نارية بين بعض أقاربه وكادت القضية أن تتطور إلى القتل لولا أن البعض من كبار المشايخ في القبيلة تدخلوا لاحتواء المشكلة، وبعد بضعة أيام، تم حل المشكل بين الطرفين والذي لم يكن في البداية سوى اختلاف في وجهات النظر السياسية لكنه تطور إلى عراك كاد أن يودي بحياة أحدهم.
وبرر القاضي فهيم عبد الله محسن، رئيس محكمة استئناف مدينة عدن، استمرار إغلاق المحاكم والنيابات في عدن منذ نحو عام إلى حجم الدمار الكلي للمحاكم والنيابات إبان القتال بين المقاومة التابعة للرئيس هادي من جهة، والحوثيين وقوات صالح من جهة أخرى، وطالب القاضي فهيم الحكومة باتخاذ الإجراءات الأمنية لحماية القضاة والمباني القضائية، داعيًا إلى استدعاء جنود من القوات العربية المتواجدة في عدن إذا تطلب الأمر لأن القضاء، حسب القاضي فهيم، “لا يمكن أن يعمل دون أن يكون هناك أمن مستتب”، مبينًا أن “مصالح الناس أصبحت معطلة وهم يطالبون بحل أبسط القضايا كقضايا الأحوال الشخصية وقضايا الحقوق والحريات وأماكن الحجز”، وحذر القاضي فهيم من أن يقوم بمهمة القضاء جهات أخرى وهو ما قد ينتج عنه عواقب وخيمة، حسب قوله.
وتوضح المحامية الأستاذة هدى الصراري لـ”الترا صوت” أن “الجماعات المتطرفة المنتشرة في أحياء مدينة عدن أخلت بالعملية القضائية من خلال إقامتها للأحكام وإصدارها للتشريعات بدلًا عن مؤسسات القضاء”، وتتابع: “الجماعات المتطرفة فتحت أقسامًا للتبليغ وأخرى للشرطة تقوم بالفصل في القضايا عن طريق القوة والهيمنة التي أصبحوا يتمتعون بها بعد الحرب الأخيرة، والتي أخلت بالوضع الأمني في مدينة عدن، وهو ما جعل القضاة يمتنعون عن ممارسة أعمالهم خوفًا من الاغتيالات ولأنهم لم تعد لديهم الصلاحيات الكاملة للبت في القضايا في ظل وجود الجماعات المتطرفة كالقاعدة وداعش”.
قبل الحرب بين الحوثيين والمقاومة الشعبية في عدن، قبل حوالي عام، كانت المحاكم مغلقة أيضًا إذ كان للقضاة مطالب يحتجون من أجلها لا علاقة لها بالوضع الأمني، وترى المحامية هدى أن المجلس القضائي في جنوب اليمن هو المسؤول بشكل رئيسي أيضًا عن إغلاق المحاكم والمؤسسات القضائية لأنه لم يقم بعمل النواة الأساسية للقضاء ما جعل القضاة حاليًا غير قادرين على معرفة آلية سريان العمل القضائي في المحاكم ولا يزال يلف الوضع غموض حتى وإن أعادوا فتح المحاكم، على حد تعبيرها.