رهائنُ الحزنِ وصديقاتُ الدموع!
منذ أن أطلقت الحرب أول شرارةٍ لها في بلدي، أذن مؤذن في قلوب النساء أن الحزن قادمٌ وأنه في هذه المرة سيكون غليظًا لا يرحم أحدًا، وقد لا يستثنى من بينكن أنثى.
وبدأت الحرب اللعينة كعادتها في كل بلد تدخله، بدأت هنا في بلدي تقتطف أرواح الشباب وتترك وراء ذلك الكثير من الثكالى، وكم كان للموت رهبة وخوف وقتذاك، كان الخوف يعم العزلة كلها التي يسقط فيها شهيد وتبكي النساء كثيرًا ويندبن حظهن التعيس، ومنهن من تعود لأبنائها وهي تبكي، تنظر لهم نظرات خوف عليهم، تكاد أن تلتهمهم وتخفيهم بين ضلوعها عن هذا الواقع الذي يشهد الموت بكل حين، تتمنى أن تخفيهم حتى تنتهي الحرب، وقد ظن الجميع في البداية أن الحرب لن تطول هكذا، ولكن الواقع كعادته يفرض نفسه على كل شيء وما على نساء هذا الوطن إلا أن يرضين بالواقع ويُحلن كل ما يحدث فيه من وجعٍ إلى القدر، فكله مقدر ومكتوب كما يقال لهن.
وبعد ازدياد عدد الثكالى والأرامل، ظهر وجع جديد يضاف إلى صفحات النساء المليئة بالحزن والبكاء، ظهر الاختطاف الذي أخفى الكثير من فلذات الأكباد خلف الزنازين، وهل هناك أشد من وجع أم تنتظر ابنها الذي أخبرها قبل يوم أنه قادم من السفر وأنه قد أشترى لها هديةً جميلةً لعيد الأم تليق بها، هل هناك أوجع من سماعها خبر اختطافه وأنها لن تسمع صوته ولن ترى له أثرًا إلى أجل غير مسمى، ثم هل هناك أشد وجعًا من ألم عروس تنتظر عودة زوجها بعد سفره الأول، تنتظره بفرح كبير وقد وضعت له الحناء واستعدت لحضوره من نواح عدة، لكنها أحست أنه تأخر قليلًا فقررت أن تتصل به لتدري هل قد أصبح قريبًا من المنزل حتى تخرج لاستقباله فتتفاجأ بصوت غريب يخبرها أن زوجها في المعتقل، ليتحول فرحها كله إلى حزن عميق لا يتحمله الصابرون.
وما بين بكاء من فقدت عائلها وخوف من سندها يقبع خلف الزنازين، ما بين بكاء هذه وخوف تلك قصةٌ من وجع عميق يسيطر فيها الحزن والبكاء والسهر والقلق والتوتر على تفاصيل حياة نساء بلدتي دونما رحمة.
إن للحرب طعم آخر، طعم مليء بالموت ورائحة من دخان البارود وحياة بين الأنقاض والانقراض، الحرب في بلدي اليمن قد جعلت الكثير من النساء رهائن للحزن والوجع، بل جعلت منهن أسرى ومخفيات قسرًا خلف القضبان يلكن الوجع والحزن المرير يتمنين الموت القريب عله يكون أرحم من حياة ملؤها الفقد والحرمان والضياع المستمر.
كم هو موجع أن تختفي أنثى فجأةً، وهذا ما تحدثه مليشيا الحوثي للكثير من النساء في بلدي، فهي تختطفهن دونما ذنب، وبعد ذلك تتهمهن بأمور مخلة؛ لغرض إسكات أهلهن وهذا الأمر بحد ذاته يضيف كمًا هائلًا من الحزن والوجع على هؤلاء النساء، وكيف لا تحزن وتعيش الكمد من يتم اختطافها دون علم أهلها ثم تتهم باتهامات تمس عرضها وهي التي كانت تعد رمزًا للتعف والنقاء.
لقد ألف الحزن قلوب النساء في بلدي كما ألفت أجفانهن الدموع، حتى أن الحزن والدموع قد باتا لهن وهن الرهائن لذلك.