علينا ألا نتفاجأ اليوم من الإمامة ومولودها الحوثي في تعاملهم مع سكان المدن، فلديها حقد اجتماعي تجاه أهاليها وتجاه العمران، فالمدن لأنها تمتاز بالكثافة السكانية، ونظرا لطبيعة تركيبها تصبح مقصدا للناس جميعا من مناطق مختلفة.
كان شمال اليمن هو معقل الإمامة ودعاتها إلى قبل ثورة سبتمبر، وفيه تمركزهم، منه كانوا ينطلقون كلما وجدوا مساندة من بعض القبائل، وإليه يعودون كلما لفظتهم مناطق اليمن ومدنها الأخرى، أو انفضت القوى المحلية من حولهم، فإنهم حينها كانوا يعودون للانزواء في هذا الحصن الجبلي أو ذاك، ويدخلون تحت حماية القبائل التي يتواجدون في أراضيهم، فكل الأئمة فعلوا كذلك.
من بلاد حاشد خرج الإمام يحيى، وحين قتل في مدينة صنعاء عاصمة سلطته، بادر ولي عهده أحمد هارباً من مدينة تعز في قلب اليمن حيث كان أميراً عليها، وتعد ثاني أكبر المدن اليمنية، وتوجه إلى منطقة حجة في شمال البلاد، ليجمع أنصاره من المحاربين والمقاتلين، ويغزو بهم مدينة صنعاء، وبعد حصارها من قبل جيوشه القبلية القادمة من الشمال أباحها لهم، فعاثوا فيها الفساد، ونهبوا أموال العباد، وأزهقوا كل نفس تصدت لهم. وفي حركة الجيش بقيادة الثلايا عام1955، التي استهدفت الإطاحة بالإمام أحمد في مدينة تعز، وأُرغم فيها على خلع نفسه والتنازل لأخيه عبد الله، لجأ حينها ولي عهده البدر إلى حجة مجددا، وحين أطاحت بالأخير ثورة سبتمبر 1962م، وجد له في مناطق الشمال عدداً من الأنصار والمحاربين، بعد أن وجد الدعم من الخارج، إضافة إلى استغلال أخطاء التدخل المصري والقيادة اليمنية
ورغم تواجد الامامة في تلك البيئات إلا أنه لم يتمكن إمام فيها من الاستقرار وعدم خوض الصراعات مع غيره من المنافسين، أو مواجهة القوى القبلية في تلك المناطق، وقد استمرت تعبر عن فشلها الطويل منذ بداية دعوتها وتواجدها، بحيث ظل الأئمة يغوصون في وحل الفتن التي يشعلونها بين آونة وأخرى دون أن يتمكنوا من وضع حد للاقتتال بينهم، الأمر الذي أرهق المجتمع وفاقم معاناته، فضلا عن عدم تحقيق أي استقرار في أي منطقة نزلوا على أرضها وعاشوا بين أهلها.
إن الصراع حول السلطة الذي ظل السمة المرافقة لكل إمام قائم انتقل إلى داخل المدن حين كانت تخضع لهذا الإمام أو ذاك، مما ظل يهدد السكان ويعرض حياتهم للموت، ويبيح أموالهم للنهب، وممتلكاتهم وديارهم للخراب والتدمير على يد الجموع الغازية والقادمة مع كل داعية منافس وطامع بالسلطة.
فقد تعرضت مدينة صنعاء للعديد من المآسي والنكبات، وتجرعت الحتوف والويلات على يد المتناحرين على حكمها من الأئمة، ففي منتصف القرن التاسع عشر ظلت الصراعات ملتهبة بين أربعة من طالبي السلطة، وكان كل واحد منهم يغري القبائل التابعة له باستباحة دورها والحصول على أموالها، الأمر الذي دفع بالسكان لإيجاد سلطة أهلية منوطة بإدارة المدينة تم اختيار القائمين عليها من بين التجار المشهورين، وقد حدث ذلك قبيل سيطرة العثمانيين عليها عام 1872م، بحيث كان يديرها بعض ممن يعرفون بمشايخ السوق أمثال الحيمي، ومعيض.
ومن الأمور الهامة التي لم يلتفت لها الدارسون اليمنيون هي تلك الوضعية التي عاشتها صنعاء خلال تلك الفترة، ومن الملامح المهمة لتلك المرحلة أن الأهالي اختاروا مناسبة عيد الغدير ذات الدلالة المشحونة برمزيتها ﻷحقية الإمام علي كرم الله وجهه ومن بعده ابنائه من البطنين في السلطة وصعدوا إلى جبل نقم كما كانوا يفعلون مع الأئمة آنذاك لتأكيد تمسكهم بالإمامة، لكنهم بدلا من تأكيد الولاء للإمامة أكدوا رفضهم الولاء لأي إمام.
علينا ألا نتفاجأ اليوم من الإمامة ومولودها الحوثي في تعاملهم مع سكان المدن، فلديها حقد اجتماعي تجاه أهاليها وتجاه العمران، فالمدن لأنها تمتاز بالكثافة السكانية، ونظرا لطبيعة تركيبها تصبح مقصدا للناس جميعا من مناطق مختلفة، فتكون لذلك أكثر انفتاحا وتسامحا، بسبب اختلاف جذور القادمين إليها وتمايز أصولهم المناطقية والقبلية والمذهبية، الأمر الذي ينزع منها التعصب والانتماءات الضيقة، وهذا ما يجعل الإمامة تنظر إليها بعين الكراهية كونها “الإمامة” تعبر عن طيف مذهبي واحد.